بشرّت اللقاءات الايرانية – السعودية، والتي يسودها حاليًا الكثير من الود والتفاهم حول بعد العناوين العريضة دون الدخول في خضم المواضيع الخلافية، فرصة لـ"حزب الله"، الذي تلقف ما يجري بين البلدين من أجل طرح مبادرة فتح صفحة جديدة مع الرياض بعد سنوات طوال من الهجوم المتكرر والاتهامات العالية السقف، والتي أوصلت البلاد إلى حالة من القطيعة بينها وبين محطيها العربي في ما سبق من سنوات. إلا أن الماضي بات "ماضيًا"، فالمنطقة تغلي بالمخططات ومحاولات تغيير الموازين السائدة، لاسيما بعد تضعضع محور ايران بعد أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وتدرك طهران، ومن خلفها الحزب، أن الوقت حاليًا هو للتقارب مع العرب و"الاحتماء" بهم، إن صح القول، بعدما فقد هذا المحور سيطرته ونفوذه في عواصم عربية كان يتباهى بأنه الآمر الناهي بها.
فسقوط النظام السوري السابق شكل ضربة قاصمة للمشروع الايراني عدا عن الحروب الاسرائيلية التي كلّفت طهران أفضل حلفائها وداعميها بعد مقتل الأمين العام السابق لـ"حزب الله" حسن نصرالله والعمليات المستمرة لضرب أهداف حيوية للحوثيين في اليمن وصولًا الى ما تمر به حركة "حماس" والخسائر التي مُنيت بها نتيجة مواصلة حرب غزة دون هوادة، من دون أن نغفل حرب الـ12 يومًا التي شنّتها تل أبيب على طهران بمؤازرة أميركية وتجديد العقوبات الدولية عليها. فهذه الظروف هي التي دفعت إلى محاولة "شق ثغرة" في العلاقات المتردية منذ زمن طويل وعكستها خطوة تعيين علي لاريجاني أمينًا للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني والزيارات التي يقوم بها وآخرها إلى العاصمة السعودية، الرياض، واللقاء الذي جمعه بولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان تتويجًا للقاء الذي جمع الأخير والرئيس الايراني مسعود بزشكيان، ما شكل زخمًا جديدًا خاصة أنها تزامنت مع الهجوم الاسرائيلي على قطر وانعقاد القمة العربية الاسلامية في الدوحة والتي شهدت ادانة جماعية لما تقوم به اسرئيل من انتهاكات واعتداءات هادفة لتفتيت الدول وخلق واقعًا جديدًا.
وفي الغرف الضيقة، هناك من يتحدث عن أن قرار الحزب "المفاجىء" لتلطيف الأجواء مع السعودية كان بنصيحة وطلب ايراني بهدف التخفيف من الضغوط التي يتعرض لها بعد قرار الحكومة حصرية السلاح وبسط سيطرتها على كامل أراضيها، إذ تأمل قيادة "حزب الله" أن يسهم في تليين موقف حكومة نواف سلام لما تملكه المملكة من علاقات واسعة. وكان الأمين العام لـ"حزب الله"، نعيم قاسم، وجه دعوة علنية، هي الأولى من نوعها، للسعودية تتضمن فتح صفحة جديدة وتجميد الخلافات السابقة ودعاها إلى حوار مع المقاومة، مشيرًا إلى أن المنطقة أمام منعطف خطير، وسلاح "حزب الله" ليس موجهّا ضد لبنان ولا ضد السعودية. وهذه الخطوة غير المتوقعة لاقت تباينًا كبيرًا في المواقف، ولكنها -دون شك - تفتح مسارًا جديدًا ومقاربة مختلفة بإنتظار ما سيكون عليه الردّ الرسمي السعودي الذي لا يزال يلتزم الصمت. وتأتي هذه المبادرة على وقع التصعيد الاسرائيلي حيث نفذ الطيران الحربي، أمس السبت، غارة مستهدفًا سيارة من نوع "رابيد" عند مفرق عين القصب – طريق الخردلي في قضاء النبطيّة ما ادى إلى مقتل شخص. وكانت مسيّرة اسرائيلية ألقت منشورات دعت فيها سكان بلدة ميس الجبل الجنوبية لعدم تأجير منازلهم للحزب كي لا يتم استهدافها.
و4500 هو حجم الخروقات التي قامت بها اسرائيل منذ توقيع اتفاق وقف النار في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. فيما لا تهتم تل أبيب لأي اتفاقات ولا تلتزم بأي هدن وتخرق كل اتفاقيات الوساطة ويكاد يكون ما يحصل في قطاع غزة خير دليل على ذلك. وكانت العملية العسكرية الاسرائيلية شهدت تصعيدًا كبيرًا وقصفًا عنيفًا لدفع المزيد من السكان لترك مدينة غزة وشمالها التي تتعرض لحملة تدمير ممنهجة وتعيش أوضاعًا مأساوية على جميع الصعد. وبينما هناك من لايزال يتمسك بأرضه وبيته، يشهد القطاع موجة نزوح يومية بحثًا عن "الأمان المفقود". وأفادت مصادر في مستشفيات غزة باستشهاد ما لا يقل عن 96 شخصًا بنيران جيش الاحتلال منذ فجر أمس، بينهم 81 في مدينة غزة. في وقت قال "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" إن جيش الاحتلال يفجر ما يعادل 17 عربة مفخخة يوميًا في المدينة. وأضاف أنه وثق تفجير نحو 120 عربة مفخخة في أحياء المدينة الأسبوع الماضي.
هذا وتشتدّ أزمة الجوع مع استمرار الحصار وتحكم اسرائيل بالمعابر، فقد ارتفعت حصيلة المجاعة وسوء التغذية إلى 442 شهيدًا بينهم 147 طفلًا. ولم تفلح كل البيانات والادانات حيث تضرب حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عرض الحائط بكل المناشدات وتستمر بحرب الابادة متمسكة بالدعم اللامحدود الذي تقدمه ادارة دونالد ترامب، الذي نفى أمس وجود "إبادة جماعية" في غزّة ليكرر الكلام عينه عن أن 7 أكتوبر كان يومًا عنيفًا دمويًا لم ير مثله. إلى ذلك، نقل موقع "أكسيوس" الأميركي عن مصدر قوله إن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف سيلتقي في نيويورك رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لمناقشة إنهاء الأزمة بين قطر وإسرائيل، وفق تعبيره، واستئناف المفاوضات بشأن غزة. في الوقت نفسه، نقلت القناة الـ12 الإسرائيلية عن مصادر قولها إن هناك توقعات في إسرائيل بأن تطرح الولايات المتحدة مقترحًا جديداً لتبادل الأسرى من دون ذكر أي تفاصيل إضافية.
ومن الطبيعي أن تعود اسرائيل الى المباحثات - ولو صوريًا - ولكنها تريدها بعد احتلال مدينة غزة وتحقيق مكاسب استراتيجية لتجريد "حماس" من كل أوراقها التفاوضية والتوصل إلى اتفاق يرضيها ويحقق مطامعها بعد تهجير السكان الأصليين الذي تتفاوض بإسمهم مع دول آخرى لاستقبالهم. وكان الآلاف من الإسرائيليين تظاهروا في مدن وبلدات عديدة، من بينها تل أبيب وحيفا، للمطالبة بإنهاء الحرب وإعادة الرهائن. في حين، هدّدت "كتائب القسام" إسرائيل بخسارة كل أسراها الأحياء والأموات، ملوّحة بأنهم سيلقون مصير الطيار الإسرائيلي، رون آراد، الذي أسر في لبنان عام 1986 ثم اختفى. من جهتها، ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن قادة 4 أحزاب معارضة اتفقوا على تشكيل جبهة موحدة استعدادًا للانتخابات المحتملة في الفترة المقبلة. وضمت الجبهة رئيس حزب "يش عتيد" المعارض يائير لبيد، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "يشار" جادي آيزنكوت ورئيس "الحزب الديمقراطي" يائير غولان.
في سياق متصل، كشف موقع "أكسيوس" أيضًا أن نتنياهو طلب من إدارة ترامب التدخل والضغط على مصر لتقليص الحشد العسكري الأخير في شبه جزيرة سيناء. واستغل نتنياهو زيارة وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو وقدم له قائمة بما يدعي بأنها "أنشطة مصرية في سيناء،" وصفها بأنها "خروقات جوهرية لمعاهدة السلام الموقعة عام 1979"، والتي تضطلع الولايات المتحدة بدور الضامن لها. وتزداد التوترات بين البلدين بسبب حرب غزّة ومحاولات تل أبيب الضغط على القاهرة لتكون بوابة للتهجير فيما تعتبره "خطًا أحمر" وترفض اي حديث في هذا السيّاق لاعتبارات عديدة ومنها ما يتعلق بأمن مصر القومي. يُشار إلى أنه، بحسب الموقع عينه، لم يُعقد أي لقاء علني بين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ نحو ثلاث سنوات، كما لم تُسجل أيّة مكالمة هاتفية بينهما منذ تموز/ يونيو 2023.
التطورات الفلسطينية تترافق مع المستجدات السورية المتسارعة لاسيما بعد الزيارة اللافتة لوزير الخارجية أسعد الشيباني إلى واشنطن واللقاءات الرفيعة المستوى التي عقدها هناك مما يفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، والتي ستتوج بالكلمة التي سيلقيها الرئيس أحمد الشرع خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتسعى حكومة دمشق إلى رفع عقوبات "قانون قيصر" عنها وتحسين علاقتها الدبلوماسية مع استفحال الأزمات الداخلية في بلد يئن من الحرب التي استمرت زهاء 14 عامًا. وإلى جانب الملفات السياسية، شارك الشيباني في رفع العلم السوري فوق مبنى السفارة بواشنطن، للمرة الأولى منذ أكثر من عقد. وأمام التحديات الخارجية تبرز المعضلات في الداخل، بعد تجدّد المظاهرات في محافظة السويداء، حيث رفع خلالها المتظاهرون شعارات تطالب بـ"حق تقرير المصير"، والانفصال عن الدولة السورية، وسط انتشار لافت للأعلام الأميركية والاسرائيلية. وتأتي هذه التطورات بعد أيام قليلة من إعلان وزارة الخارجية السورية، توقيع اتفاق ثلاثي مع الأردن والولايات المتحدة بشأن السويداء، يهدف إلى إعادة الأمن والاستقرار إلى المحافظة، وتعزيز المصالحة الوطنية.
بدوره، حذّر الرئيس أحمد الشرع من أن تركيا قد تتحرك عسكريًا ضد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في شمال شرق سوريا، في حال لم ينجح دمجها ضمن القوات السورية، موضحاً أن بعض الأجنحة داخل "قسد" وحزب "العمال" الكردستاني تعرقل تنفيذ الاتفاقات، بحسب ما نقلته صحيفة "ملييت" التركية. وإذ أعرب عن رفضه مطالب "قسد" المتعلقة باللامركزية، شدّد على أن القانون السوري رقم 107 يضمن أصلًا نسبة 90% من اللامركزية الإدارية، كما أكد أن هذه المطالب ليست سوى "غطاء للنزعة الانفصالية". يُذكر أن وزيرة الأمن الداخلي الأميركية كريستي نويم اتخذت قرارًا مفاجئًا، إذ أعلنت عن إلغاء وضع الحماية المؤقتة للسوريين الموجودين على الأراضي الأميركية، وإمهالهم مدة أقصاها 60 يومًا لمغادرة البلاد على أن تمنحهم تذكرة طيران مجانية و1000 دولار أميركي مكافأةَ مغادرةٍ، إلى جانب حصولهم على فرصة محتملة للسفر على نحوٍ قانوني في المستقبل.
دوليًا، هدّد الرئيس ترامب أفغانستان في حال رفضها إعادة قاعدة باغرام الجوية إلى سيطرة الولايات المتحدة، محذرًا بأن "أمورا سيئة" ستحدث. واستخدمت هذه القاعدة عقب هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 وتم التخلي عنها في عهد الإدارة السابقة التي وجه لها الانتقاد، كعادته، ترامب منتقدًا سلفه جو بايدن. فيما شدّد مسؤولون في الحكومة الأفغانية على رفضهم إعادة هذه القاعدة، مؤكدين أنها تحت سيطرة الحكومة بالكامل. ومن أفغانستان إلى الحرب الأوكرانية المتفاقمة دون أي أفق، حيث شهدت البلاد واحدة من أوسع الموجات الجوية الروسية منذ شهور، إذ أعلن الرئيس فولوديمير زيلينسكي أن موسكو أطلقت خلال الليل نحو 40 صاروخًا و580 طائرة مسيّرة على مناطق متعددة من البلاد، مما أسفر عن مقتل 3 أشخاص وإصابة عشرات آخرين.
وفي هذه الجولة على الصحف العربية الصادرة اليوم، الأحد، نوجز أبرز ما تناولته في تحليلاتها وافتتاحياتها الصباحية:
كتبت صحيفة " الغد" الأردنية "يهدد الإسرائيليون تارة بطرد حملة الرقم الوطني في الضفة الغربية الى الأردن، وتارة بضم الأردن الى مشروع "إسرائيل الكبرى"، وتارة بوقف تدفق المساعدات، واحيانا بإقامة جدار عازل واخيرًا تأسيس فرقة عسكرية ستكون مهمتها السيطرة على الحدود، وسبق ذلك محاولة نشر قوات عسكرية تم الاعتراض عليها"، إلا أنها أكدت أن "أصل الازمة هو الاحتلال، حتى لا يتوه بعضنا من خلال تصنيع اسباب داخلية أردنية بكونها السبب في هذا المشهد، ومهما حاول الأردن اطفاء الذرائع التي قد تستعملها إسرائيل ضده، إلا أنه مدرج على الاجندة الإسرائيلية في كل الاحوال، حتى لو كان الأردن واحة سلام في تعاملاته مع الإسرائيليين، حيث إننا اليوم نقف في ذروة الاجندة الإسرائيلية من خطر التهجير وصولا الى محاولة الاحتلال، لإقامة مناطق آمنة، او حتى التوطئة لتدفق كتل سكانية".
من جهتها، رأت صحيفة " الأهرام" المصرية بأنه "جاء سريعًا أول ردّ فعل صادم لأمريكا وإسرائيل، بتوقيع اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك بين السعودية وباكستان الخميس الماضي، كأحد تبعات جريمة العدوان الإسرائيلي على الدوحة. وبرغم تصريحات بعض المسؤولين بالسعودية بأن الاتفاقية ليست استجابة لأحداث معينة، ففي هذا النفي محاكاة لطريقة ترامب الذي يقول أشياء ويخطط لعكسها!". وأردفت قائلة "من المرجح أن تُفاجأ أمريكا بصدمات أخرى، حيث تتوقع بعض التعليقات الإعلامية الغربية أن التريليونات التى تَفاخَر ترامب بأنه سيتحصل عليها من دول الخليج بوعد أن يقوم بالدفاع عنها، قد لا تتدفق بالسهولة التى يظنها"، بحسب تعبيرها.
الموضوع عينه تطرقت له صحيفة " عكاظ" السعودية التي أشارت إلى انه "لم يكن توقيع السعودية اتفاقية دفاعية إستراتيجية مع باكستان مجرد خطوة رمزية لتعزيز العلاقات الثنائية، بل جاء كإعلان صريح عن أن الرياض – ومعها الخليج – بدأت فعليًا في إعادة ترتيب أولويات أمنها، بعيدًا عن التقيد في احتكار المعادلات التقليدية الأمنية في المنطقة". وخلصت إلى " أننا أمام مشهد جديد يتشكل: الخليج يتقارب أكثر مع قوى إسلامية آسيوية، ويعمل على مراجعة وإعادة تقييم التحالفات التقليدية، ويبدأ ببناء استراتيجيات نحو منظومة أمنية ذاتية، قادرة على الردع والدفاع دون انتظار ضوء أخضر".
وشدّدت صحيفة " الخليج" الاماراتية على ان "الاحتفاء بفلسطين وعزلة إسرائيل، ستكون مفارقة استثنائية في اجتماعات الجمعية العامة لهذا العام، ولأول مرة منذ 80 عامًا ستهيمن القضية العادلة على اللقاءات والخطابات والمواقف، وستكون المعيار الوحيد للفصل بين من ينتصر لشرعة الأمم المتحدة ومن ينقلب عليها، وبين من يقف إلى جانب العدالة ومن يسعّر ظلماً تاريخياً ولا يريد أن ينهيها". وتابعت " قبل العدوان على غزة، لم يكن أحد يتخيل أن تحوز القضية الفلسطينية على هذا الفيض الجارف من التعاطف الدولي والاعتراف. كما لم يكن أحد يتخيل أن تصبح إسرائيل معزولة ومنبوذة بهذا القدر، ولو لم يكن هناك واقع يؤكد هذا التحول الدراماتيكي، لربما اعتقد البعض أنه سيناريو هوليودي، رغم أن كثيرين مازالوا يعتقدون أن في الأمر خدعة أو "مؤامرة"، على حدّ قولها.
(رصد "عروبة 22")