أثارت موجة الاعترافات الجديدة بالدولة الفلسطينيّة المزيد من الغضب الاسرائيلي الذي فجره رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو متوعدًا بالرّد على هذه الخطوة التي تأتي في وقت تتصاعد فيه العملية العسكرية في مدينة غزّة وشمالها وتخضع الضفة الغربية المحتلة للمزيد من الاجراءات العقابية والتضييق الممنهج على السكان من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين. وهذه الأفعال والممارسات العدوانية تسهم في زيادة عزلة اسرائيل على الصعيد العالمي وتهدّد اقتصادها بالمزيد من الخسائر الفادحة ناهيك عن حياة أسراها الذين نشرت لهم "كتائب القسام" صورة وداعية وسط تشكيك، حتى ضمن قيادتها العسكرية، بالقدرة على هزيمة حركة "حماس".
ومع أهمية الاعترافات التي أعلنت عنها كل من كندا وبريطانيا والبرتغال وأستراليا، كان للموقف البريطاني وقعٌ خاص، إن صح التعبير، إذ كانت قد وضعت الأساس لإنشاء "دولة إسرائيل" من جهة، والتمايز الكبير بينها وبين الإدارة الأميركية من جهة اخرى، إذ سبق وعبّر الرئيس دونالد ترامب عن ذلك خلال زيارته الأسبوع الماضي، إلا أن المملكة قررت أن تستمر في موقفها المعلن نتيجة الضغوط الداخلية الكبيرة التي كان يتعرض لها رئيس وزرائها كير ستارمر الذي قال "اعترفنا اليوم بدولة فلسطين لإحياء أمل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين"، مؤكدا أنه وجه بالعمل على فرض عقوبات على شخصيات أخرى من حركة "حماس" في الأسابيع المقبلة. أما رئيس الوزراء الكندي مارك كارني فشدّد على أن بلاده "تعرض شراكتها في بناء مستقبل سلمي واعد لكل من دولة فلسطين ودولة إسرائيل". والموقف عينه جاء من قبل رئيس وزراء أستراليا أنتوني ألبانيز، إذ وضع الاعتراف في "إطار جزء من جهد دولي مُنسق لبناء زخم جديد لحل الدولتين، بدءًا من وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الأسرى".
وقد تلقف نتنياهو هذه الاعلانات المتفاقمة بالتأكيد على أنه "لن تكون هناك دولة فلسطينية"، داعيًا لمواجهة الأمم المتحدة وكل الجبهات الأخرى لدحض ما وصفها بـ"الدعاية الكاذبة" ضد إسرائيل. يُذكر أنه بعد الاعلان البريطاني، والذي تزامن مع الموقف الفرنسي، ستحظى فلسطين قريبًا بدعم 4 من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي، التابع للأمم المتحدة، إذ تعترف كل من الصين وروسيا بدولة فلسطين منذ عام 1988. وهذا التقدم السياسي المهم لا يمكن أن يحقق الكثير إذا لم يقترن بخطوات عملية حقيقية تضع حدًا لحرب الإبادة وخطط التهويد والاستيطان الآخذة بالتوسع. ومن الخطوات الهامة التي يضغط من اجلها الرأي العام الاوروبي هو فرض المزيد من العقوبات على تل أبيب ووقف مدّها بالأسلحة ومعاقبتها على الجرائم التي ترتكبها. وهذا الوعي الشعبي الغربي، الذي يجتاح الشوارع بالمظاهرات والاحتجاجات العارمة كل يوم، هو أكثر ما يجب ان يقلق منه نتنياهو وزمرته من اليمين المتطرف لأنه يؤكد أن سردية اسرائيل ولعب دور الضحية قد سقط وأن الصراع اليوم بات واضح المعالم، حتى ولو اختلفت موازين القوى.
هذا ورحب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالاعترافات واصفًا إياها بـ"الخطوة المهمة والضرورية على طريق تحقيق السلام العادل والدائم وفق قرارات الشرعية الدولية"، آملًا بأن تفتح "المجال أمام تنفيذ حل الدولتين لتعيش دولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل بأمن وسلام وحسن جوار". من جهتها، أكدت حركة "حماس" أن ذلك يجب أن "يترافق مع إجراءات تقود لوقف فوري لحرب الإبادة الوحشية ضد شعبنا في قطاع غزة"، مطالبة المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومؤسساتها إلى "عزل الكيان المارق، ووقف كل أشكال التعاون والتنسيق معه، وتصعيد الإجراءات العقابية بحقه، والعمل على جلب قادته من مجرمي الحرب إلى المحاكم الدولية ومحاسبتهم على جرائمهم ضد الإنسانية". إلى ذلك، أفادت القناة (12) الاسرائيلية بأن نتنياهو، عقد في وقت سابق الأحد، اجتماعًا عاجلًا خارج جدول الأعمال المعتاد، من دون مشاركة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، لبحث خطوات الرد على الاعتراف الدولي، حيث شدد على ضرورة التنسيق الكامل مع الإدارة الأميركية في هذا المجال.
ومن المواقف السياسية إلى الميدان الذي يشهد أوضاعًا انسانية كارثية يعمقها التصعيد الاسرائيلي واستخدام كافة أنواع الأسلحة في حربه الشعواء المتواصلة منذ ما يُقارب العامين. فالمجازر تتنقل من حي إلى أخر وسط انعدام امكانيات الفلسطينيين وعدم قدرة بعضهم على الانتقال إلى الجنوب، التي تدعي اسرائيل بأنها مناطق "آمنة وانسانية"، بينما هي أيضًا تتعرض للقصف وتنعدم فيها كل مقومات الحياة. ومع احصاء المزيد من الشهداء الذين تضيق بهم المقابر، تستمر عمليات النزوح الواسعة، حيث أكدت وكالة "الأونروا" أن 1.9 مليون شخص نزحوا قسرًا في قطاع غزة. وسجل أمس، الأحد، وفاة 4 أشخاص نتيجة التجويع وسوء التغذية، مما يرفع الحصيلة إلى 440 شهيدًا، بينهم 147 طفلًا، وسط استمرار الحصار الإسرائيلي الخانق على القطاع المنكوب. وفي هذا الإطار، أفاد مكتب "أوتشا" بأن أكثر من 28 ألف حالة سوء تغذية حاد بين الأطفال دون سن الخامسة شُخّصت في قطاع غزة خلال شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس الماضيين فقط. وهو عدد يتجاوز إجمالي الحالات المُسجلة خلال النصف الأول من العام الجاري.
في غضون ذلك، أفاد موقع "أكسيوس" أن الرئيس الأميركي يعتزم لقاء قادة دول عربية وإسلامية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لبحث سبل إنهاء الحرب في غزة. ونقل الموقع عن مسؤولين عرب مطلعين على الاجتماع قولهم إن البيت الأبيض وجّه دعوات لقادة السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن وتركيا للمشاركة في هذا اللقاء الذي وصفوه بالـ"المهم"، لأنه سيُعقد قبل بضعة أيام من استضافة ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي في البيت الأبيض في 29 من الشهر الجاري. وتتركز المطالب العربية على وقف الحرب وانهاء القتال المستمر والتوصل إلى اتفاق فورًا والحدّ من كل مخططات الاستيطان وضم أراضٍ من الضفة الغربية بينما الموقف الاميركي يتحدث عن خطة ما بعد الحرب، او ما يصطلح على تسميته بـ"اليوم التالي".
التصعيد الاسرائيلي المتفاقم في غزّة والضفة المحتلة يتزامن مع ارتفاع وتيرة الاستهدافات والاعتداءات في لبنان، وكان أخرها أمس، الأحد، الذي سجل حصيلة هي الأكبر عددًا منذ وقف الحرب الاسرائيلية على لبنان في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. فقد قضى 5 أشخاص، بينهم 3 أطفال، في غارة على مدينة بنت جبيل جنوبي لبنان، فيما ادعى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بأن الغارة كانت تستهدف مسلحًا من "حزب الله"، مقرًا بأن الهجوم "أدى إلى مقتل عدد من المدنيين غير المتورطين". وقد علّق الرئيس جوزاف عون على هذه التطورات من نيويورك، واصفًا ما حصل بـ"المجزرة" وبأنه "انتهاك صارخ للقرارات الدولية". كما جدّد دعوته المجتمع الدولي إلى "التحرك الفوري لوقف هذه الانتهاكات والضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي اللبنانية". بدروه، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري بأن "دماء هؤلاء اللبنانيين الأطفال ووالدهم وأمهم الجريحة، والذين يحملون الجنسية الأميركية، هي برسم من كان ملتئمًا في الناقورة وبرسم التظاهرة العالمية التي بدأت تتوافد إلى الأمم المتحدة".
تزامنًا مع جريمة بنت جبيل، عقدت اللجنة الخماسية المشرفة على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان اجتماعًا لها في رأس الناقورة بحضور المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، التي للمرة الثانية على التوالي لم تلتقِ أي من المسؤولين اللبنانيين. وفيما لم تصدر اللجنة بيانًا حول نتائج الاجتماع الذي تم وصفه بـ"المقبول"، تناقلت معلومات إعلامية بأن الجانب اللبناني عبّر عن استيائه من الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الجنوب مما يعيق دوره ويحدّ من قدراته فيما شرح لخطة انتشاره خلال الاسبوعين الماضيين والتقدم الذي احرزه. وعلى وقع ذلك، اعتبر نتنياهو أن "انتصارات إسرائيل على "حزب الله"، وفرت إمكانية لم تكن حتى في الخيال، وهي إمكانية السلام مع جيراننا في الشمال". وكان جيش الاحتلال، قال إنه منذ انتهاء الحرب ودخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ "تم القضاء على أكثر من 300 مسلح (من حزب الله) وضرب أكثر من 300 هدف. كما نفّذت الفرقة 91 أكثر من ألف عملية مداهمة ونشاط عملياتي في المنطقة الدفاعية الأمامية المتقدمة".
على الصعيد السوري، وصل الرئيس أحمد الشرع إلى نيويورك للمشاركة في الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك في أول مشاركة لرئيس سوري منذ عام 1967، مما يشكل زخمًا سياسيًا كبيرًا. وكان الشرع استبق ذلك بالتشديد، خلال مقابلة تلفزيونية، على ضرورة "استعادة العلاقات الأميركية السورية بشكل جيد ومباشر"، معربًا عن أمله في مقابلة الرئيس الأميركي مرة أخرى من أجل الدفع بتحقيق ذلك. وأكد أن ترامب "اتخذ خطوة كبيرة باتجاه سوريا برفع العقوبات"، داعيا إلى وجوب "ألا يتواطأ العالم على قتل السوريين مجددًا عن طريق تعطيل هذه الخطوة". وتسعى حكومة دمشق إلى رفع العقوبات التي فرضت عليها في المرحلة السابقة وسط مواقف متناقضة بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة في الأروقة الأميركية خاصة بعد الأحداث الأخيرة في الساحل ومحافظة السويداء. داخليًا، حدّدت اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب في سوريا اليوم الخامس من تشرين الأول/أكتوبر المقبل، موعدًا لاختيار أعضاء أول برلمان بعد الإطاحة بالنظام السابق.
إيرانيًا، أدانت طهران بشدة قرار حكومة الإكوادور إدراج قوات "الحرس الثوري" على قائمة المنظمات الإرهابية. وقالت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، في بيان صادر، إن القرار يأتي "استجابة للضغوط السياسية من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل". أما وزارة الخارجية فقد اعتبرت بأنه "لا يمس فقط بالعلاقات الثنائية بين البلدين، بل قد يشكل سابقة سلبية في العلاقات الدولية، ويحمل الحكومة الإكوادورية مسؤولية قانونية". وتتزايد الضغوط الممارسة على ايران حيث تعيش البلاد على وقع عودة العقوبات الأممية وسط دعوات إلى كسر الجمود عبر عقد لقاء يجمع بين الرئيس مسعود بزشكيان ونظيره الأميركي دونالد ترامب على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبدورها نقلت وكالة "تسنيم" التابعة لـ"الحرس الثوري" عن مصادر أن وزير الخارجية عباس عراقجي سيجري في نيويورك، التي وصلها أمس، مفاوضات بين يومي الاثنين والثلاثاء.
وفي جولة اليوم على الصحف العربية تسليط على أهم ما ورد من عناوين وتحليلات، والتي بأغلبيتها تناولت "طوفان" الاعترافات بالدولة الفلسطينية:
لفتت صحيفة "القدس العربي" إلى أن "الاستراتيجية الإسرائيلية تعتمد على تغيير الوقائع على الأرض بأشكال تتحدى بغطرسة مهولة قوانين العالم والأمم المتحدة وشرعيات الدول وسياداتها، فيما تعتمد الاستراتيجية المضادة، على تزايد الدعم الدولي، واللجوء إلى القوانين الدولية والمحاكم الأممية، ويشكل "مؤتمر حل الدولتين" في نيويورك، الذي تمثّل الاعترافات الأخيرة بدولة فلسطين، إحدى نتائجه، مبادرة عربية ـ دولية كبرى لمجابهة خطط إسرائيل"، مشددة على أن مخططات اسرائيل "تشكّل خطرًا جسيمًا، ليس على الفلسطينيين، ودول الجوار العربية، بل على العالم برمته".
من جانبها، أشارت صحيفة "النهار" اللبنانية إلى أن "نتنياهو يتكىء، في تنفيذ سياسته، على الرئيس الأميركي الذي يتجاهل كليًا حل الدولتين، ولا يبدي استعدادًا لممارسة الضغوط على إسرائيل لوقف النار في غزة والشروع في وضع خطة لـ"اليوم التالي" للحرب"، مؤكدة أن "الاجتياح الإسرائيلي لأكثر من 75% من أراضي قطاع غزة، تكون مساحة الدولة الفلسطينية التي تعترف بها الدول في تناقص مستمر. بينما تعتزم إسرائيل احتلال القطاع بالكامل، بحسب خطة صادق عليها المجلس الوزاري المصغر قبل أسابيع".
الموضوع عينه تطرقت له صحيفة "الجريدة" الكويتية التي لفتت إلى أنه "قد يكون الاعتراف ذا رسمية اسمية، لكنه يعيد فتح نافذة من بوابة أوروبا وبزعامة فرنسا تجاه حل سلمي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي"، معتبرة بأنه "إذا لم تتفاهم فرنسا مع ترامب فسيكون عسيرًا عليه أن يخترق الجدار اليميني المتعصب في إسرائيل، خاصة بعدما استطاعت الدبلوماسية الفرنسية أن تثبت حق الفلسطينيين في دولة، ولم يعد ممكنًا إلغاء هذا الحق أو تهميشه بعدما صوّتت 142 دولة على قيام دولة فلسطينية، من أبرز الداعمين لها الصين وروسيا ودول أوروبية أخرى". ولكنها تساءلت "هل مازالت الأرض الفلسطينية في الضفة وغزة قابلة لقيام دولة؟".
وكتبت صحيفة " الدستور" الأردنية "أوروبا التي منحت اليهود وطنًا في فلسطين، التي ليست ملكها أصلًا، تدرك اليوم أن إسرائيل تريد كل فلسطين بل وأجزاء من جوار فلسطين، وإلى الأبد". وقالت "صوت أوروبا مهم لأنها أصل الداء، ولأنها وقفت على مدى قرن كامل في الجانب المظلم من تاريخ القضية الفلسطينية، مع الظالم دون قيد أو شرط. وموقف أوروبا الجديد، ولا سيما الدولتان دائمتا العضوية في مجلس الأمن (فرنسا وبريطانيا)، وكذلك كندا وأستراليا ودول أخرى إلى جانب الحق العربي في فلسطين، تطور مهم في يوم الاعتدال الخريفي".
(رصد "عروبة 22")