"الابن المدلل" للرئيس الأميركي دونالد ترامب، رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، بات يواجه المزيد من العزلة ومحاولة "فض" أقرب حلفائه يدهم من ممارساته وجرائمه الوحشية. فالصور المروّعة القادمة من غزّة كانت كفيلة بهز "عرش" تل أبيب، ولو رمزيًا، مع تدحرج كرة الثلج واعتراف المزيد من الدول الأوروبية بحق الشعب الفلسطيني بأن يكون له دولة. وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوة على الصعيد السياسي، إلا أنها تحتاج إلى خطوات ملموسة على أكثر من صعيد كي تسهم في إرساء معالم دولة فلسطين التي تواجه إبادة في غزة وقضمًا مستمرًا ونهبًا متزايدًا للأراضي في الضفة الغربية المحتلة.
وبينما تفقد تل أبيب حلفائها الواحد تلو الأخر، والذين يحاولون الهروب من "السفينة" الملطخة بالدماء والغارقة بإتهامات التجويع والابادة الجماعية، لا تزال تعول على "حليفتها" الولايات المتحدة الأميركية التي تسير على الخطى نفسها وتجد لاسرائيل المبررات بحجة حماية شعبها وحدودها من أي خطر بل تسعى لإبرام صفقات توريد المزيد من الأسلحة رغم تعالي الأصوات الشاجبة لذلك. وعليه يثير ما يحصل من اعترافات متزايدة حنق اسرائيل من جهة وقلق واشنطن التي تضعه في إطار منح مكافأة لـ"حماس" من جهة أخرى وسط مخاوف من أن يلجأ ترامب إلى اتخاذ إجراءات عقابية ضد الأمم المتحدة مثل خفّض تمويل بلاده للمنظمة الأممية، كما فعل مع عدد من المنظمات الدولية في وقت سابق. وكانت أروقة الأمم المتحدة في نيويورك شهدت أمس على اعتراف فرنسا للمرة الأولى بالدولة الفلسطينية، إذ قال رئيسها ايمانويل ماكرون "نحن هنا لأن الوقت حان. حان الوقت للإفراج عن 48 رهينة تحتجزهم "حماس"، وحان الوقت لوقف الحرب والقصف في غزة والمجازر"، معربًا عن خشيته من أن استمرار الأوضاع الحالية يُعرض اتفاقيات إبراهام وكامب ديفيد للخطر.
أما وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، الذي نوه بالموقف الفرنسي "التاريخي" خلال كلمة ألقاها نيابة عن ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء محمد بن سلمان، انتقد "إمعان إسرائيل في ممارساتها العدوانية التي تهدد الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي وتقوض جهود السلام في المنطقة"، مشددًا على أن "المملكة عازمة على مواصلة شراكاتها مع فرنسا وجميع الدول الداعية للسلام في سبيل متابعة تنفيذ مخرجات هذا المؤتمر لوضع حدّ للحرب في غزة ووقف جميع الإجراءات الأحادية التي تهدد السيادة الفلسطينية". من جهته، رحب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالدول الداعمة لحل الدولتين، وذلك خلال كلمة عن بُعد بعد رفض واشنطن منحه تأشيرة لحضور أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وجدّد عباس مواقفه السابقة لجهة عدم وجود أي دور لـ"حماس" في الحكم، داعيًا جميع الفصائل "لتسليم السلاح للسلطة الفلسطينية، لأننا نريد دولة واحدة غير مسلحة، وقانونًا واحدًا، وقوات أمن شرعية واحدة".
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أكد، بدوره، بأن "الاعتراف بدولة فلسطين ليس مكافأة وإنما حق"، مشددًا على دعم الأمم المتحدة لحل الدولتين، "الذي يفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنبًا إلى جنب بسلام مع دولة إسرائيل". وكان الملف الفلسطيني تصدّر سلم الاهتمامات الأممية، وذلك بعد اعتراف فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا وموناكو وأندورا رسميًا بدولة فلسطين بعد يوم واحد من اعتراف مماثل صدر عن بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال. وبإعلان هذه الدول الست يرتفع عدد المعترفين إلى أكثر من 150 من أصل 193 دولة عضوًا بالأمم المتحدة، وذلك منذ أن أعلن الرئيس الراحل ياسر عرفات من الجزائر إقامتها في العام 1988. وبإنتظار الكلمة التي يلقيها ترامب اليوم، أفادت القناة الـ"12 الإسرائيلية" بأن الرئيس الأميركي ومبعوثه للشرق الأوسط ستيف ويتكوف سيعرضان على عدد من القادة العرب والمسلمين مبادئ خطة تهدف إلى إنهاء الحرب الدائرة في قطاع غزة وإطلاق سراح الرهائن والانسحاب الاسرائيلي كما ملامح اليوم التالي ومن سيدير القطاع.
تزامنًا، قال نتنياهو إن حكومته تسعى خلال العام المقبل إلى "تدمير المحور الإيراني" وتحقيق جميع أهداف الحرب، محددًا إياها في القضاء على حركة "حماس" والإفراج عن الرهائن وضمان أن قطاع غزة لن يشكل "تهديدًا على إسرائيل". في وقت وجه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير رسالة إلى الجنود والضباط عشية رأس السنة العبرية الجديدة، منبهًا فيها إلى أن القتال لن يتوقف "حتى تنفيذ جميع المهام، وتحقيق كامل الأهداف". في غضون ذلك، نشرت "كتائب القسام" فيديو جديد للأسير آلون أوهام الذي طالب الحكومة الأميركية بالتوقف عن "دعم قرارات المجنون نتنياهو في حربه ضد الشعب الإسرائيلي وضد الأسرى الإسرائيليين"، مؤكدا أنها ستتسبب في كارثة للجميع. وتشهد تل أبيب والعديد من المدن الاسرائيلية تظاهرات واحتجاجات شعبية عارمة شبه يومية تطالب بإبرام صفقة فورًا ووقف معاناة الأسرى إلا ان جميعها لم تلق أي استجابة من نتنياهو الذي يرفض الاستماع إلى كل التحذيرات والإنذارات.
في سياق متصل، هدّدت وزارة الخارجية الإسرائيلية، في بيان، اسطول الصمود العالمي الساعي إلى كسر الحصار المفروض على القطاع، موضحة أن "تل أبيب لن تسمح للسفن بدخول منطقة قتالية نشطة ولن تسمح بخرق الحصار البحري "القانوني"، متهمة حركة "حماس" بتنظيم رحلة الأسطول خدمة لأغراضها. وبينما تتوجه الأنظار إلى ما سيحدث بعد محاولات سابقة باءت بالفشل، تكمل اسرائيل تضييق الخناق على الفلسطينيين في الضفة الغربية حيث اقتحم جيش الاحتلال جامعة بيرزيت شمال مدينة رام الله بالتوازي مع حملة اعتقالات واسعة في نابلس وجنين وطولكرم والخليل وبيت لحم أسفرت عن إصابات وأعمال تدمير وحرق للمنازل. في وقت نشر وزير الدفاع يسرائيل كاتس صورة له داخل المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل، بعدما اقتحمه برفقة رؤساء وقادة الاستيطان متوعدًا بفرض السيادة على الضفة.
هذه الممارسات الاستفزازية التي تشهد تزايدًا مطردًا منذ أحداث 7 أكتوبر 2023، يقابلها تطورات سياسية ويكاد يكون أبرزها على الصعيد السوري بعدما شكلت زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى نيويورك حدثًا استثائيًا أضاف شرعية دولية إلى حكمه بعد سنوات طوال من غياب دمشق عن المسرح العالمي بسبب جرائم نظام بشار الأسد. وقد التقى الشرع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، وبحث معه "أهمية العلاقات الإسرائيلية السورية في تعزيز الأمن الإقليمي". كما التقى مع مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية الأسبق ديفيد بترايوس، وأعرب عن أمله في التوصل إلى اتفاقية أمنية تخفف التوترات مع تل أبيب، لكنه استبعد انضمام بلاده قريبا إلى الاتفاقات الإبراهيمية. وفي الشأن الداخلي، أكد الرئيس السوري أن الأولوية الآن هي تحقيق الأمن والاستقرار، موضحًا أن بلاده تحتاج إلى فرصة جديدة للحياة، وأن الرئيس دونالد ترامب أزال العقوبات عنها، لكن على الكونغرس أن يعمل أكثر لرفعها بشكل نهائي.
ولا شك بأن الشرع استفاد من الخطوة الاميركية التي قام بها ترامب ومن الدعم العربي والنفوذ التركي ولكن ذلك يحتاج الى تفاهمات مع اسرائيل من جهة وفي الداخل المضطرب من جهة أخرى. وفي هذا الصدّد، أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن "إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام كامل بين دمشق وتل أبيب سقطت في هذه المرحلة، لأن إسرائيل تصر على أن تحتفظ بالجولان المحتل منذ عام 1967 والحكومة السورية ترفض ذلك". وبدلاً من ذلك، سيتم، بحسب الصحيفة عينها، وضع إعلان مبادئ يحدد التفاهمات الأمنية التالية: سوريا تقيم منطقة منزوعة السلاح في تخومها من جنوب دمشق وحتى الحدود مع الأردن ومع الجولان، بحيث يمتنع الجيش السوري عن استخدام آليات ثقيلة. وتتعهد سوريا بمكافحة أي وجود إيراني على أراضيها. في المقابل، تنسحب إسرائيل من بعض المناطق التي احتلتها منذ سقوط نظام الأسد، على أن تحتفظ بمواقع حيوية لأمنها في قمة جبل الشيخ وفي الجولان الشرقي كما تتعهد بعدم التدخل في الشؤون الداخلية في سوريا، مع ضمان الأمن لأبناء الطائفة الدرزية في السويداء وغيرها.
ومن الأحداث السورية إلى التصريحات "الحادة" للموفد الأميركي توم برّاك الذي انتقد موقف لبنان لجهة نزع سلاح "حزب الله"، معتبرًا أن كل "ما يفعله هو الكلام، ولم يحدث أي عمل فعلي"، مشيرًا إلى أن الحزب "يعيد بناء قوته وعلى الحكومة أن تتحمل المسؤولية"، كما لفت إلى أنه "خلال هذه الفترة تدفق إلى "حزب الله" ما يصل إلى 60 مليون دولار شهريًا من مكان ما". ورأى برّاك أن "لبنان يخشى نزع سلاح الحزب لوجود اعتقاد بأن هذه الخطوة قد تؤدي إلى حرب أهلية". وشدد على أنّ الولايات المتحدة لن تتدخل لمواجهة الحزب، سواء من خلال قواتها أو عبر القيادة المركزية الأميركية، راميًا الكرة في الملعب اللبناني. وبدا واضحًا أن الأخير يتبنى السردية الاسرائيلية، وإن قال أنه يختلف مع بعض الممارسات التي تقوم بها حكومة تل أبيب، ولكنه أكد أن المنطقة تغيرت بعد أحداث 7 أكتوبر واصفًا السلام بـ"الوهم"، كما أكد أهمية خطوة الاعتراف بفلسطين كدولة ولكنها "لن تكون ذات معنى".
على صعيد منفصل، أعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي أن بلاده ستوقع خلال الأيام المقبلة اتفاقًا مع روسيا لإنشاء محطات طاقة نووية جديدة داخل إيران، في خطوة تؤشر إلى تعميق الشراكة الإستراتيجية بين البلدين الخاضعين لعقوبات دولية مشدّدة. في حين، أوضح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأن بلاده تعتقد أن الدبلوماسية يمكنها حل النزاع المستمر منذ عقود مع الغرب بشأن طموحات طهران النووية. وقال، عقب وصوله إلى نيويورك، "الوقت حان بالنسبة للغرب للاختيار بين التعاون أو المواجهة مع إيران"، لافتًا إلى أنه سيلتقي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي ومعظم وزراء خارجية الدول الأوروبية.
ولليوم الثاني على التوالي، اهتمت الصحف العربية الصادرة اليوم في عالمنا العربي بالخطوات المهمة الهادفة نحو الاعلان عن دولة فلسطين والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني وهنا أبرزها:
رأت صحيفة "الخليج" الاماراتية أن ما أسمته "تسونامي" الاعتراف الدولي "يحمل أبعادًا رمزية وسياسية كبيرة، ويعزز حضور فلسطين في المحافل الدولية، فيما يواجه الاحتلال ضغوطًا متصاعدة لوقف الحرب على غزة، ووضع حد لحرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وخطط التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية"، لافتة إلى أن رد الفعل الإسرائيلي "كان هستيريًا، نظرًا لأبعاده السياسية والقانونية. فالاعتراف بالدولة الفلسطينية يعكس الالتزام بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ويساهم في تعزيز فرص السلام العادل والشامل والدائم في المنطقة. لكن الأهم هو تفعيل هذا الاعتراف وتحويله إلى أمر واقع".
من جهتها، عدّدت صحيفة "الأهرام" المصرية أهمية الاعترافات الأوروبية المتتالية باعتبارها "تمثل خطوة مهمة في اتجاه تثبيت الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وإجهاض مخططات حكومة الاحتلال الإسرائيلي في فرض سياسة الأمر الواقع وتصفية القضية الفلسطينية"، مشددة على أهمية "المهم توظيف هذا الاعتراف العالمي المتزايد للتحرك باتجاه وقف الحرب على غزة والعمل على إطلاق مسار سياسي لترجمة هذا الاعتراف إلى واقع على الأرض وبلورة أسس الدولة الفلسطينية في مواجهة مخططات إسرائيل بضم الضفة الغربية وإعادة احتلال قطاع غزة".
صحيفة "الوطن" القطرية، اعتبرت ان "إسرائيل اليوم تقف أمام مفترق طرق: إما أن تستجيب للمناخ الدولي المتغير والذي يميل بشكل متزايد للاعتراف بحق الفلسطينيين، أو أن تستمر في سياسة فرض الأمر الواقع عبر الاستيطان ومصادرة الأراضي والاعتداءات المتكررة، وهو ما سيجعلها في عزلة أوسع من أي وقت مضى"، مؤكدة أن الاعتراف الدولي "خطوة أولى مهمة لكنها غير كافية. المستقبل يتوقف على جدية المجتمع الدولي في فرض قراراته، وعلى قدرة الفلسطينيين في توحيد صفوفهم واستثمار هذا الزخم لصالحهم. أما إسرائيل، فاستمرارها في التحدي قد يؤجل الحل لكنه لن يلغيه، لأن الحق الفلسطيني ثابت، ومعادلة الزمن بدأت تميل لصالحه مهما طال الصراع".
وكتبت صحيفة "اللواء" اللبنانية "توالي هذه الاعترافات لم يعد شأنًا رمزيًا، بل إعلانًا صريحًا عن رفض المجتمع الدولي لمخططات إسرائيل في الإبادة والاقتلاع، وللسياسة الأميركية المتواطئة التي تغطي الجرائم وتعطل أي تحرك في مجلس الأمن". وقالت "إسرائيل اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الانخراط في حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية، أو الانزلاق نحو عزلة غير مسبوقة قد تشمل مقاطعة اقتصادية وسياسية على غرار ما واجه نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. أما الولايات المتحدة، فإن استمرارها في حماية الاحتلال سيضعف صورتها كقوة عظمى، ويجعلها شريكة مُدانة في جريمة العصر"، بحسب وصفها.
(رصد "عروبة 22")