لا يزال الملف الفلسطيني يتصدّر سلم الأولويات مع استمرار حرب الابادة التي ستدخل عامها الثالث بعد أسبوعين، في ظل انعدام أفق الوساطة بعد توقفها حتى قبل الهجوم الاسرائيلي على قادة "حماس" في العاصمة القطرية، الدوحة، والذي كان جلّ أهدافه وقف المفاوضات وعرقلتها والمضي قدمًا في عملية احتلال مدينة غزة وتهجير الفلسطينيين. وبدا لافتًا الاجتماع الذي عقده الرئيس الاميركي دونالد ترامب مع قادة دول عربية وإسلامية، بينهم أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بهدف عرض خطته بشأن حرب غزة، مؤكدًا أنه "الاجتماع الأهم" بالنسبة له، فيما وصفه الرئيس التركي بـ "المثمر للغاية".
ويشكل هذا الاجتماع الذي ضم قادة وممثلون لكل من تركيا وقطر والسعودية والإمارات وإندونيسيا ومصر والأردن وباكستان أهمية بالغة لأنه يُعقد قبل اللقاء الذي سيجمع بين ترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في الـ29 من الشهر الحالي وسط آمال معقودة بأن يتم خلاله التوصل إلى اتفاق ما يسهم في إرساء هدنة واطلاق سراح الرهائن، لاسيما أن ترامب يملك وحده القدرة على ايقاف الحرب وثني نتنياهو عن مخططاته التوسعية. هذا ونقلت "هيئة البث الإسرائيلية" عن مصادر إشارتها إلى أن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف يسعى لإقناع كبار المسؤولين في قطر باستئناف دورها الفاعل في المباحثات. وسبق للدوحة أن أعلنت أن جهودها ستتواصل رغم العملية الاسرائيلية السافرة والتي أعاد أمس أميرها الشيخ تميم، في كلمته أمام الجمعية العامة، بالتطرق إليها معتبرًا بأنها "إرهاب دولة"، مؤكدًا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "يحلم أن تصبح المنطقة العربية منطقة نفوذ إسرائيلية".
في غضون ذلك، لم تخرج كلمة الرئيس ترامب عن أدبياتها المعهودة والتصريحات عينها التي دأب على تكرارها عن دوره في انهاء 7 حروب وعظمة الولايات المتحدة بعهده، متبنيًا السردية الاسرائيلية بالكامل. فالرجل "الأقوى" في البيت الأبيض لم يتحدث إلا عن استعادة الأسرى الاسرائيليين وعن فظاعة 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، راميًا كرة العرقلة والتعطيل في ملعب حركة "حماس" متنكرًا لكل المرات التي كانت فيها الوساطات ستصل إلى نتائج مثمرة قبل أن ينقلب عليها نتنياهو في اللحظة الأخيرة وأخرها موافقة الحركة على الصفقة الجزئية التي كان يطالب بها الجانب الاسرائيلي، والتي تضمن له تفوقًا واضحًا، فيما قررت تل أبيب تجاهلها وعدم الرّد عليها بحجة أنها تريد عقد صفقة شاملة. واغتنم ترامب كلمته بشنّ هجوم على منظمة الأمم المتحدة ودورها، "فهي لم تقف إلى جانبنا في مسعانا لوقف الحروب"، كما انه لم ينس التطرق لملف المهاجرين الذين يصب عليهم في كل مرة جمّ غضبه رافضًا ما يحملوه من عادات وتقاليد وثقافات.
ولم تعد تشكل تصريحات ترامب أي مفاجأة ولكنها تثير قلق الحلفاء والأعداء على حدّ سواء، خاصة أن سياسته الحالية تثبت أن "حلفاء" واشنطن لم يعودوا كذلك وأن مصلحة "اميركا أولًا" فوق كل اعتبار، ومن هنا كان بحث الدول الأوروبية عن وسائل للدفاع عن نفسها بعد "التبدلات" السياسية الجذرية والأمر عينه بالنسبة للعرب عمومًا والخليجيين خصوصًا، الذين بعد ضربة قطر أدركوا ان الولايات المتحدة لا تشكل لهم أي ضمانة، ومن هنا يمكن أن نفهم التحالف السعودي – الباكستاني. في وقت تبدو العلاقات الاميركية – الاسرائيلية هي الثابتة الوحيدة أمام المتغيرات العميقة، لاسيما أن تل أبيب وجدت في ترامب "ضالتها" للاستمرار في تفتيت المنطقة العربية وإرساء مشروع "اسرائيل الكبرى". يحصل كل ذلك فيما غزة تحتضر ويطالب سكانها بحماية ما تبقى من المدينة التي تشهد على قصف مكثف وعمليات تفجير عنيفة للمباني والمنشأت السكنية مع تصعيد العملية العسكرية الاسرائيلية.
في سياق متصل، أكدت لجنة تحقيق مستقلة تابعة للأمم المتحدة أن القوات الاسرائيلية تعمدت تغيير الطبيعة الجغرافية لغزة من خلال إنشاء محاور عسكرية وتوسيع المنطقة الحدودية العازلة القائمة بالفعل وإنشاء "مناطق أمنية"، وهذا أدى إلى تجزئة غزة، جازمة بأن هذه الأفعال، فرضت عمدًا ظروفًا معيشية قاسية على الفلسطينيين "وأريد بها تدميرهم كليًا أو جزئيًا، وهو ما يُعّد إبادة جماعية"، والأمر عينه أبرزته اللجنة في ما يتعلق بالضفة الغربية. تزامنًا مع هذا التقرير الأممي، استشهد شاب فلسطيني وأصيب 4 آخرون على الأقل خلال اعتداءات مستوطنين متطرفين واقتحامات قوات الاحتلال لعدد من مدن وبلدات الضفة الغربية المحتلة. وبموازاة الإبادة في غزة، قتل جيش الاحتلال والمستوطنون في الضفة، بما فيها القدس الشرقية، ما لا يقل عن 1043 فلسطينيًا، وأصابوا نحو 10 آلاف و160، إضافة لاعتقال أكثر من 19 ألفًا، بحسب معطيات رسمية. في حين أوعز نتنياهو بإغلاق معبر الكرامة (اللنبي)، الذي يشكل المعبر الوحيد لخروج سكان الضفة إلى الخارج، أمام عبور الأفراد والبضائع "حتى إشعار آخر"، عقابًا على اعتراف دول غربية بالدولة الفلسطينية.
العربدة الاسرائيلية لا تتوقف عند غزة والضفة المحتلة، بل تتعداها إلى لبنان وسوريا، ففي وقت تسعى الحكومة اللبنانية إلى تنفيذ قرار حصرية السلاح وبسط سيطرتها على كامل أراضيها، شكلت تصريحات الموفد الأميركي توم برّاك صدمة وحالة من الغضب الرسمي اللبناني، خاصة انها اتسمت بالكثير من الانتقاد و"الاستهزاء" بالمسؤولين اللبنانيين الذين اعتبر أنهم "يقولون فقط الكلام دون أي أفعال". وكلام برّاك الذي يتماهى مع المخططات الاسرائيلية بشكل علني، مستكملًا ما سبق وأعلن عنه مسؤولين أميركيين، كليندسي غراهام ومورغان أورتاغوس، يُعمّق الأزمة اللبنانية ويزيد من عناصر الضغط على الجميع في الداخل كما أنه يطرح الكثير من الأسئلة عن دور "الوساطات" الأميركية التي نفسها تعتبر "السلام وهم". وفي هذا الإطار، أبدى رئيس الحكومة نواف سلام استغرابه للتصريحات الصادرة، معتبرًا أنها "تشكّك بجدّية الحكومة ودور الجيش". من جهته، طالب رئيس مجلس النواب نبيه بري بـ"موقف لبناني رسمي يجب ألا يتأخر حيال ما صدر عنه (برّاك) في توصيفه للحكومة اللبنانية وللجيش والمقاومة".
وفي الذكرى الأولى للعدوان الإسرائيلي، قال بري إنه "يجب أن يكون مناسبة لإيقاظ الوعي لدى جميع اللبنانيين بأنّ ما تبيّته إسرائيل من نوايا عدوانية لا يستهدف فئةً أو منطقةً أو طائفة، إنّما هو استهدافٌ لكل لبنان ولجميع اللبنانيين، ومواجهته والتصدّي له مسؤولية وطنية جامعة". وتمرّ هذه الذكرى وسط ظروف شديدة الحساسية مع استمرار احتلال اسرائيل للتلال الخمس والاعتداءات اليومية وعدم التزامها باتفاق وقف النار الذي تم التوصل إليه في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. ويجد لبنان نفسه بين نارين: نار الخارج التي تزيد من ضغوطاتها ونار الداخل المفتوح على كل الاحتمالات. ويخاف المسؤولون اللبنانيون من تداعيات المواقف الخارجية التي لا تضع في الاعتبار دقة الظروف الحالية والتركيبة الطائفية، ومن هنا تأتي محاولات تفادي الدخول في نزاعات حادة وتفضيل اعتماد الحوار لايجاد حلّ ما لمعضلة سلاح "حزب الله".
الضغوط على لبنان يقابلها، في الجهة الأخرى، ضغوط على سوريا من أجل الوصول إلى اتفاق أمني على الرغم من الاختلاف العميق بين تل أبيب ودمشق. وفي السيّاق، كشفت صحيفة "معاريف" عن تسارع في الاتصالات الدبلوماسية بشكل "غير مسبوق"، بينما نقل موقع "واللا" العبري عن مصدر مطلع على المفاوضات، قوله إن "المحادثات دخلت مرحلة جدية، ولم تعد مجرّد تقارير أو تكهنات، بل هناك اتفاق حقيقي يتبلور"، مضيفًا أن اللقاء المرتقب قد يشكّل تحوّلًا تاريخيًا في مسار العلاقات بين البلدين"، في إشارة إلى المساعي التي تبذلها واشنطن للجمع بين نتنياهو والرئيس السوري أحمد الشرع، الذي لا يزال يتردد نتيجة استمرار الحرب على غزة. ولا يريد الشرع كسب الخارج وتأليب الداخل ضده، خصوصًا أن حكومة نتنياهو لا تبدو "طرفًا موثوقًا"، ناهيك عن دأبها على نقض الاتفاقات المبرمة. ومن المنتظر أن يلقي الرئيس السوري كلمته اليوم، الأربعاء، أمام أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي ستتناول، وفق التوقعات، أخر المستجدات وأهمها رفع العقوبات عن سوريا وإطلاق عملية إعادة الاعمار مع التشديد على أن سوريا لن تشكل تهديدًا لأي أحد.
في إطار أخر، أكد المرشد الإيراني علي خامنئي أن إيران "لن تستسلم" للضغوط الغربية التي تمارس عليها للتخلي عن تخصيب اليورانيوم، مشددًا على أن بلاده "لا تحتاج إلى سلاح نووي وقررنا تجنب امتلاكه". كما لفت إلى أن التفاوض مع الولايات المتحدة "ليس فقط لا يعود بالفائدة، بل يسبب أضرارًا كبيرة في الظروف الحالية والتي يمكن وصف بعضها بأنها غير قابلة للإصلاح". أما وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، فأكد أن استغلال آليات مجلس الأمن للضغط على إيران لن يؤثر على عزم طهران في الدفاع عن حقوقها ومصالحها، وذلك في معرض انتقاده لدول "الترويكا" الأوروبية التي أعادت فرض العقوبات بسبب برنامجها النووي، وذلك في إطار تفعيل "آلية الزناد" المنصوص عليها في الاتفاق الدولي الذي تم التوصل إليه عام 2015، والذي سيدخل حيّز التنفيذ اعتبارًا من 28 أيلول/سبتمبر الحالي.
دوليًا، اعتبر الرئيس ترامب أن "أوكرانيا قادرة على استعادة كل أراضيها من روسيا"، في تغيير جذري لموقفه السابق الرافض لثوابت كييف بعدم التنازل عن أي أراضٍ لموسكو. وقال، عقب لقائه نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي "أعتقد أن أوكرانيا، بدعم من الاتحاد الأوروبي، في وضع يسمح لها بالقتال والانتصار". إلى ذلك، أكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" مارك روته استعداد الحلف للدفاع "عن كل شبر من أراضي الحلفاء"، رغم اعتباره أنه "ما زال من المبكر جدًا" تحديد وجود صلة بين تحليق المسيّرات فوق الدنمارك والانتهاكات الروسية الأخيرة للمجال الجوي لبلدان "الناتو". وتتصاعد وتيرة الخلافات بين موسكو والدول الاوروبية ما ينذر بالمزيد من التصعيد في حين جدّد الكرملين رفضه للاتهامات الغربية، وقال الناطق الرئاسي، ديمتري بيسكوف، إن "الاتهامات الموجهة لنا بالتورط في حوادث الطائرات المسيّرة باطلة ولا أساس لها من الصحة".
وفي جولة على الصحف العربية الصادرة اليوم، نورد هنا أبرز ما تناولته في عناوينها وتحليلاتها:
كتبت صحيفة " الغد " الأردنية "الذي يتابع حركة الرئيس السوري في نيويورك وعلى مستويات مختلفة يدرك ان دمشق تنتقل من مرحلة الشك الى الاعتراف. هذا يعني ان النظام الجديد بات واقعا برغم التحديات التي يواجهها داخليا من جانب مكونات تنزع الى الانفصال، او مكونات ساخطة بسبب خسائرها بعد رحيل النظام السابق، او حتى من جانب بعض قوى الثورة السورية التي تعتبر النظام لم يلتزم بتفاهمات ثورية قديمة". وأضافت " لا بد ان نرى رئيس الوزراء الأردن وعددا كبيرا من وزراء حكومته يذهبون الى دمشق لدعم سورية الجديدة من جهة، ولتطوير العلاقة كما يجب".
في الملف الفلسطيني، اعتبرت صحيفة " الأهرام" المصرية أن "أول الدلائل التى تشير إلى ان حقوق الفلسطينيين سوف تعود هو تغير سياسات عدد من الدول تجاه الصراع، واهمها بريطانيا واستراليا وكندا وغيرها بالدولة الفلسطينية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة كرّد فعل على وحشية الثلاثي نتنياهو وسموتريش وبن غفير"، مجددة التأكيد على أن "موقف مصر الواضح والرافض لتهجير الفلسطينيين من غزة وهو موقف يستحق الدعم الشعبي له، لاسيما أن مصر قدمت الكثير من اجل القضية الفلسطينية ليس فقط من أجل الفلسطينيين وانما أيضا دفاعًا عن الامن القومي المصري، أمن مصر من أمن فلسطين".
صحيفة "البلاد" البحرينية، بدورها، أشارت إلى أنه "من المتوقع أن تشهد الأيام القادمة احتمالات التصعيد وفرص وقف إطلاق النار في غزة"، مضيفة "احتمالية التصعيد واردة، فما يقوم به الجيش الإسرائيلي من دفع سكان غزة للحدود المصرية دليل على التصعيد والإصرار على خطة التهجير. أما فرص وقف إطلاق النار فنجد أن العديد من الدول الأوروبية قررت الاعتراف بدولة فلسطين، مثل بريطانيا وأستراليا وكندا والبرتغال وإسبانيا وأيرلندا والعديد من الدول، في تحول واضح لمواقف الدول الداعمة للكيان الإسرائيلي المحتل. هذا الأمر سيسبب ضغطًا على إسرائيل، وربما يكون “سببًا لإيقاف الحرب”، على حدّ قولها.
أما صحيفة "عُمان" العُمانية، فشددت على أن "الانتهاكات الخطيرة التي قامت بها حكومة نتنياهو المتطرفة فاقت التصورات، ومن هنا ظهر الكيان الصهيوني منبوذا في قاعة الأمم المتحدة والعالم يدين تلك الانتهاكات. ولعل من المفارقات التي تشهدها الساحة الدولية وعلى الأراضي الأمريكية أن تظل إدارة ترامب منبوذة هي الأخرى". وتابعت "الحق الفلسطيني انتصر أمس في قاعات الأمم المتحدة، وأصبح الكيان الصهيوني منبوذا ليس فقط من الحكومات، ولكن من الشعوب في الشرق والغرب على حد سواء".
(رصد "عروبة 22")