بعد فترة قصيرة من بدء جيش الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة في غزة، قتلاً وتجويعاً وتعطيشاً، بدأت حملات أساطيل الحرية في التدفق لشواطئ غزة، غالبيتها من نشطاء أوروبيين ومن تركيا وماليزيا وجنوب إفريقيا وعرب ومسلمون، وقد بدأ مناصرو السلام من مختلف القارات القديمة، آسيا وإفريقيا وأوروبا بجمع التبرعات في أوساطهم بأريحية. وقد اتجهوا بسفن صغيرة إلى شاطئ غزة، لكن جيش الاحتلال، كان يحول باستمرار دون وصول المساعدات الإنسانية وكسر الحصار. وطوال فترة الحصار كانت الحكومة الإسرائيلية، تكتفي بحجز السفن، وطرد المبحرين عليها وإعادتهم إلى المواقع التي انطلقت منها سفنهم.
حملة التضامن مع غزة، كان الأبرز فيها خلال هذا الأسبوع، هو إضراب الموانئ والنقابات العمالية الإيطالية، بدعم من نشطاء التضامن مع فلسطين، في ميناء تورنتو، لإحباط محاولة شركة الطاقة العملاقة "ايني" تصدير شحنة وقود كانت متجهة لإسرائيل، على متن السفينة "سيسالفيا". وقد جاء هذا التحرك في إطار تعبئة شعبية واسعة تحت شعار "أغلقوها"، شملت إضرابات واحتجاجات في وسائل النقل العام، ومحطات القطارات والموانئ والطرق السريعة، رفضاً لأي دعم مباشر أو غير مباشر، للعدوان على غزة.
في هذا السياق، أعلنت شركة "ايني" رسمياً أن السفينة لن تدخل ميناء تورنتو، وأنها لا تزال راسية في خليج المدينة، في وقت تتصاعد فيه المطالبات الشعبية والنقابية، بوقف جميع صادرات الطاقة إلى إسرائيل، ورفض تقديم أي شكل من أشكال الدعم، لسياسات الاحتلال والفصل العنصري، بحق الشعب الفلسطيني في غزة. في الأيام الأخيرة، هاجمت مسيّرة إسرائيلية، السفينة "الما" التابعة لأسطول Global التي كانت تحمل نواباً أوروبيين من إيطاليا وبولندا وانجلترا. وهو عمل غير أخلاقي من أعمال القرصنة، منافٍ للأعراف والقوانين الدولية، خاصة وأن الهدف من قدوم هذه السفينة هو مواجهة حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على القطاع، وتقديم الدعم والمساندة لشعب غزة المظلوم. وقد أكدت اللجنة الدولية لكسر الحصار، في بيان لها، ما جرى من اعتداءات إسرائيلية على أسطول الحرية، بتفاصيل أكثر.
ويذكر أن أكثر من خمسين سفينة قد أبحرت من عدة موانئ بحرية، مثل ميناء جنوه بإيطاليا وبرشلونة بإسبانيا، وتونس. والمشاركون يشملون نشطاء معروفين من أربع وأربعين دولة، منهم أطباء وفنانون وصحفيون ومحامون. وقد اتهمت إسرائيل الناشطين الذين اضطلعوا بالقيام بعمل إنساني سلمي بالإرهاب، كونهم يسعون إلى كسر الحصار عن الإرهابيين. إن ممارستها المنافية لكل قوانين الأرض والسماء، من وجهة نظرها هو عمل مشروع، ولا غبار عليه.
وقد دفع السلوك العدواني الإسرائيلي، تجاه سفن الحرية، بعدد من الدول بينها إسبانيا وإيطاليا، العضوان بحلف الناتو، إلى إرسال سفن عسكرية صغيرة "فرقاطات" لمرافقة أساطيل الحرية، المبحرة من أراضيهما، والتأكد من سلامة وصولها إلى غزة، ومواجهة القوة العسكرية الإسرائيلية التي تتعرض لها، إن لزم الأمر. وفي ذات الاتجاه، وقّع أكثر من ثمانين عضواً في البرلمان البريطاني، رسالة تطالب وزيرة الخارجية، أيفيت كوبر بضمان عدم إلحاق أي ضرر بأعضاء أسطول «الصمود» الهادف إلى كسر الحصار عن غزة.
وقد عبّر عن قلقهم نظراً لطريقة تعامل إسرائيل مع القوافل سابقاً، معبرين عن الحق في الاحتجاج السلمي. وقالوا في الرسالة: "نشعر بالقلق من أن إسرائيل تخطط لمعاملة هذه البعثة الإغاثية بعدوانية مماثلة، ما يعرّض سلامة المواطنين البريطانيين للخطر". وقد برز من الموقّعين على الرسالة زعيم حزب العمال البريطاني السابق، جيرمي كوربين، بالإضافة إلى النائبة عن حزب العمال ديان أبوت، التي أسست حزباً جديداً مع كوربين. إن المواقف البريطانية من الحصار الجائر على الفلسطينيين، ربما تأتي استجابة لعقدة ضميرية تجاه الشعب الفلسطيني، الذي اغُتصبت أرضه، تنفيذاً لوعد بلفور البريطاني، بجعل فلسطين وطناً قومياً لليهود.
ما تناولناه ليس سوى، غيض من فيض، من ردود الأفعال الدولية تجاه جريمة الهجوم الإسرائيلي على أساطيل الحرية، بإسناد ودعم كاملين من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي طرح في الأيام الأخيرة، مشروعه الجديد لوقف إطلاق النار بغزة، يتضمن الإفراج السريع عن جميع الأسرى، وإنهاء الحرب بوقف إطلاق نار دائم. كما يتضمن انسحاب إسرائيلي تدريجي من القطاع، وإنهاء حكم حماس، نزع سلاح القطاع، مع إصدار عفو عام عن قادة حماس إذا غادروا القطاع. وعلاوة على ذلك تضمنت خطة ترامب، نشر قوة أمنية من دول عربية، وإشراك محدود للسلطة الفلسطينية في الحكم المدني في غزة.
فيما يتعلق بالضفة الغربية، أشار ترامب إلى أنه لن يسمح لنتنياهو بضم الضفة، لكنه لم يتحدث عن مصير عشرات المستوطنات الإسرائيلية المنتشرة في محيط مدن الضفة الغربية، وبالقدس الشرقية. إن الكثيرين من المتابعين والمحللين السياسيين، لا يرون في خطط ترامب الجديدة المعلنة، سوى مماطلة وتسويف، وتبادل أدوار بينه وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية، وإن كفاح الفلسطينيين وحده، هو الذي يتكفل بتحقيق أمانيهم في الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير. وقديماً قال العرب في أمثالهم، "ما حك جلدك مثل ظفرك".
(الخليج الإماراتية)