الكل بالطبع يتطلع إلى نهاية للمأساة التي يعيشها أهل غزة منذ سنوات تخللتها شتى أنواع العذاب من قتل وجرح مئات الآلاف من المواطنين العزل، إلى تدمير منازلهم ومرافق البنية الأساسية كالطرق وخدمات الماء والكهرباء، إضافة إلى تدمير مرافق الخدمات الصحية هذا عدا منع المساعدات الإنسانية من الوصول إلى أهل القطاع، الأمر الذي زاد من معاناة السكان من تجويع وحرمان من العلاج والإسعافات الأولية.
ضمن هذه الظروف جاءت خطة الرئيس الأمريكي للسلام في غزة كبارقة أمل لوضع نهاية لهذه المرحلة المريرة التي مر بها وما زال يمر بها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وقد استبشر الكثيرون بأن هذه الخطة على الرغم مما قد يشوبها من محاذير وإخفاقات إلا أنها قد تحقق انفراجة مأمولة للأوضاع التي لم تعد تحتمل، خاصة أن هذه الخطة تنص على وقف فوري للحرب بمجرد موافقة الأطراف المعنية عليها، كما أنها تنص على انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة وإن كان ذالك بشكل تدريجي وغير محدد. ووفقاً لما ورد في هذه الخطة فلن يجبر أحد من أهالي غزة على التهجير في الوقت الذي سيكون لهم حرية الخروج والعودة إلى ديارهم متى شاؤوا. هذا إضافة إلى أن قوافل المساعدات سوف تتمكن من الدخول بيسر ومن دون عوائق متى تم الاتفاق على هذه الخطة. في المقابل، فإن حماس مطالبة بالتخلي عن أسلحتها وأن لا يكون لها دور في حكم أو إدارة غزة.
بالنسبة لإدارة الحياة اليومية للقطاع وما يتطلبه من خدمات بما يشمل خدمات الأمن والشرطة، فسيتم ذالك من خلال كوادر فلسطينية مختارة، إضافة إلى عناصر إدارية من بعض الدول العربية، بينما الإشراف العام، فسيتم من خلال لجنة دولية تحت رئاسة الرئيس الأمريكي سوف تدعى "لجنة السلام". وكما هو معروف، فإن الشيطان يكمن في التفاصيل. هل إسرائيل ستلتزم حقاً بهذه الخطة؟ خاصة أن بعض أعضاء حكومتها يعتبرون الخطة بأنها تشكل تهديداً لأمن إسرائيل. على صعيد آخر من يضمن حماية الفلسطينيين سواء في غزة أو في الضفة من اعتداءات الجيش الإسرائيلي أو المستوطنين المتطرفين، خاصة إذا تم قبول التخلي عن سلاح المقاومة. هناك بالتأكيد إشكالات أخرى قد تظهر خلال تنفيذ هذه الخطة.
لذالك فإن المقترح المطروح هو في ظاهره أمر جيد، لكن كما يقول المثل الأجنبي إنه أكثر من جيد لدرجة يصعب تصديقه. بالنسبة للرئيس الأمريكي، فحسبما يبدو، فإن خطته ليست بالضرورة من منطلق تعاطفه مع الفلسطينيين بقدر ما هي لاعتبارات وحسابات شخصية إضافية، كما تخدم بالتأكيد مصالح إسرائيل، خاصة أن الخطة وضعت من قبل رئيس وزراء إسرائيل، وهي تختلف عن النسخة الأصلية التي تم عرضها على قادة الدول العربية والإسلامية في اجتماعهم مع الرئيس الأمريكي. على الصعيد الشخصي، فإن الرئيس الأمريكي يتطلع للفوز بجائزة نوبل للسلام، وقد صرح في أكثر من مناسبة بأن جهوده هذه إذا لم يتم تقديرها من خلال منحه جائزة نوبل للسلام، فإن ذلك إهانة لأمريكا.
الأمور تسير حسبما يبدو نحو الموافقة على هذه الخطة، إلا أن العناصر المتطرفة داخل الحكومة الإسرائيلية قد تفسد روح هذه الخطة، هذا عدا عن إمكانية عرقلة الإجراءات الخاصة بمراحل التنفيذ. بالنسبة للفلسطينيين سواء في غزة أو في الضفة، فإنهم على ضوء ما يمرون به من معاناة لا توصف، فإنهم بالطبع يتعلقون بأية بارقة أمل. فهذه الخطة المقترحة مهما تضمنت من محاذير ومخاوف، فإنها مع ذلك تبدو أفضل من الوضع الحالي الذي يسود القطاع. كذالك، فإن تصريح الرئيس الأمريكي بأنه لن يقبل بأن تعمل إسرائيل على ضم الضفة الغربية، حيث يعتبر هذا التصريح في حد ذاته تطوراً إيجابياً مهماً لصالح القضية الفلسطينية، هذا إضافة إلى الزخم الذي حظيت به قضية فلسطين من خلال اعتراف عدد كبير من دول العالم بدولة فلسطين.
كل هذه التطورات تشير إلى تحول كبير ومهم لصالح القضية الفلسطينية، ومن دون شك، فإن الرأي العام العالمي كان له دور مهم في هذا التحول، كما أن الجهود الحثيثة للدول العربية والإسلامية وعلى رأسها الدور البارز الذي أدته المملكة العربية السعودية في حشد التوجه العالمي العام للاعتراف بدولة فلسطين والعمل على دعم مساعي حل الدولتين.
وعلى الرغم من كل هذه الجهود، فقد لا تتحقق جميع الأمنيات، إلا أن هذه التطورات مع ذالك تمثل مؤشرات تدعو إلى التفاؤل، لكن لا ينبغي لنا مع ذلك الاستكانة والاكتفاء بما تم إنجازه، بل الإصرار على مواصلة العمل لنيل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني التي مع تحققها يمكن للمنطقة أن تعيش في أمن وسلام.
(الخليج الإماراتية)