صحافة

"الماكرونية السياسية" والفرصة الأخيرة

يونس السيد

المشاركة

وضعت استقالة رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان ليكورنو، بعد 14 ساعة من إعلانه تشكيل حكومته الجديدة، وأقل من شهر على تعيينه، البلاد على شفا انهيار سياسي وسط أزمة مركبة تشي بقرب نهاية ظاهرة ما يسمى بـ"الماكرونية السياسية". وبغض النظر عن فرصة "المفاوضات الأخيرة" التي منحها سيد الإليزيه إيمانويل ماكرون إلى لوكورنو من أجل استقرار البلاد، وسواء نجح الأخير في احتواء الأزمة وإعادة بعث تشكيلته الحكومية إلى الحياة أو لا، فإن الأزمة تبدو أعمق من ذلك بكثير.

وقد يتحمل ماكرون نفسه المسؤولية الأكبر عن نشوبها من دون أن يقر علناً بذلك، أو يقبل مطالب المعارضة من اليمين واليسار على حد سواء. إذ إن منشأ الأزمة يعود إلى وجود برلمان متشرذم ومنقسم إلى ثلاث كتل رئيسية متنافسة، لا تحظى أي منها بالأغلبية التي يمكن أن تساعد على استقرار أي حكومة وسن التشريعات والقوانين من دون مساومات ومقايضات. وهي مسألة تسبب بها ماكرون نفسه عندما لجأ العام الماضي إلى حل الجمعية الوطنية (البرلمان) إثر تقدم اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي، ما أدى إلى ظهور التشكيلة الحالية.

في الظاهر، تبدو القشة التي قصمت ظهر البعير وأطاحت بحكومة لوكورنو الوليدة، العودة المفاجئة لبرونو لومير، المنشق عن حزب الجمهوريين، إلى الحكومة وتسميته وزيراً للجيوش بعدما كان وزيراً للاقتصاد بين عامي 2017 و2024، ما أثار غضب زعيم الجمهوريين برونو روتايو الذي سرّع في انهيار الحكومة بعدما كان قد قبل البقاء فيها. وهو ما يكشف عن هشاشة التحالف القائم بين المعسكر الرئاسي وحزب الجمهوريين، بينما لا يبدو أن إخراج لومير من التشكيلة الحكومية سيعيد الأمور إلى نصابها، ذلك أن كل محاولات ماكرون لتشكيل حكومة يتعايش معها حتى نهاية ولايته الرئاسية في مايو (أيار) 2027، ليست مضمونة في ظل أحزاب سياسية متناحرة ودعوات متصاعدة لاستقالته ومطالبات من اليمين المتطرف بحل الجمعية الوطنية والذهاب إلى انتخابات مبكرة، وطموحات اليسار التي تخير ماكرون بين الاستقالة أو تشكيل الحكومة الجديدة وتسليم دفة الحكم لليسار.

وعلى الجانب الآخر، يتجلى وجه الأزمة في الكارثة المالية التي تعيشها فرنسا، حيث بلغت ديون البلاد نحو 3400 مليار يورو، أي ما يشكل 115,6% من إجمالي الناتج المحلي، ما أنتج حالة من عدم الاستقرار، وأثار احتجاجات عاصفة في الشارع على تردي الأوضاع الاقتصادية، ومطالبات بإصلاح المعاشات التقاعدية وغيرها.

وهي كلها عوامل تضعف الموقف الفرنسي، ليس فقط داخلياً، وإنما على صعيد الاتحاد الأوروبي الذي يرى في استقرار فرنسا عاملاً مهماً لأوروبا. وفي ظل هذا التناحر السياسي والأزمة المركبة، لا يبدو أن ماكرون يملك الكثير من الأوراق، التي أبرزها حل الجمعية الوطنية وإجراء انتخابات مبكرة، لكنها مسألة ليست مضمونة على الإطلاق، وقد تطيح نتائجها ما تبقى من "الماكرونية السياسية" التي ظهرت في السنوات الأخيرة.

(الخليج الإماراتية)

يتم التصفح الآن