صحافة

"المشهد اليوم"...واشنطن تخيّر لبنان بين "نزع السلاح" أو "العواقب الوخيمة"!ويتكوف وكوشنر في تل أبيب لدفع اتفاق غزّة وايران تلغي التعاون مع "الوكالة الذرية"

خلال زيارة المبعوث الأميركي توم برَّاك الأخيرة إلى قصر بعبدا (أرشيفية - د.ب.أ)

تواصل الولايات المتحدة ضغوطها على لبنان وكلام المبعوث الأميركي توم برّاك أكبر دليل على المأزق التي تجد البلاد نفسها متورطة به. فتصريحاته أمس كشفت اللثام عن "المستور" بعدما حملت رسائل في غاية الوضوح ومفادها: ضرورة تسريع الخطى من أجل سحب سلاح "حزب الله" والدعوة إلى مفاوضات مباشرة مع اسرائيل – إسوة بما يجري مع سوريا – بهدف حل النقاط العالقة والتوصل إلى إتفاق ما، محذرًا من أن عدم حصول ذلك سيؤدي إلى إمكانية تنفيذ تل أبيب عملية عسكرية أحادية ضد الحزب أو أن يواجه لبنان "عواقب وخيمة". فـ"دق ناقوس الخطر" هذا اجتاح لبنان وسط تضارب في وجهات النظر فيما يغرد الحزب "خارج السرب" مهاجمًا الحكومة ومتهمًا إياها بالتقصير في ملف إعادة الإعمار.

والمفارقة أن هذه التهم – الدعاية تأتي بينما يدرك الحزب قبل غيره أن مسألة الإعمار مرتبطة إرتباطًا وثيقًا بمسألة نزع سلاحه الذي يرفض المساس به على الرغم من إقرار بند حصرية السلاح ومحاولة الدولة فرض سيطرتها على كامل أراضيها. من جهته، استنتج رئيس الجمهورية جوزاف عون بعد عقد "قمة شرم الشيخ للسلام" بأن المسار اليوم هو للمفاوضات وأن لبنان عليه أن يلحق بالركب الحالي وإلا سيجد نفسه في عزلة شديدة ومن هنا يأتي إعلانه عن خيار التفاوض لتجنيب لبنان أي مخاطر وحماية البلد. وتتكثف الاتصالات واللقاءات على أكثر من صعيد وأخرها اللقاء الذي جمع بين الرئيس عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كشف أن مسار التفاوض المقترح بين لبنان وإسرائيل قد سقط بسبب رفض تل أبيب التجاوب مع مقترح أميركي بهذا الشأن، قائلًا لـ"الشرق الأوسط" إن المسار الوحيد حاليًا هو مسار "الميكانيزم"، في إشارة إلى اللجنة التي تضم ممثلين للدول المعنية والراعية لاتفاق وقف النار الذي أبرم في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

وبحسب المعطيات، فإن برّاك نقل إلى الجانب اللبناني في الأسبوع الماضي، مبادرة تقوم على أن يجتمع رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة معه لمناقشة انسحاب إسرائيلي من لبنان خلال شهرين، ووقف الخروقات، في إشارة إلى مفاوضات غير مباشرة لحل الأزمة، وكان رد لبنان إيجابيًا على المبادرة الأميركية ولكن تل أبيب رفضت هذا المقترح. ما أعاد الأمور إلى نقطة الصفر وسط رفض لبناني الدخول في مفاوضات مباشرة ومحاولة الاكتفاء ببقائها بالأطر التي كانت سائدة في وقت مضى. وتتزامن هذه التطورات السياسية مع استمرار الخروقات لسيادة لبنان من قبل العدو الذي شنّت قواته أمس الاثنين سلسلة غارات جوية وصفت بـ"العنيفة" ووصلت إلى 8 غارات استهدفت مناطق مفتوحة وأودية في مناطق بين المحمودية والجرمق في قضاء جزين، حيث تعالت سحب الدخان وإندلعت حرائق عديدة في الأحراج. هذا ولم تغب المسيّرات الإسرائيلية عن أجواء لبنان طوال النهار حيث حلقت على علو منخفض في حين اتهم المتحدث الرسمي بإسم الجيش الاسرائيلي أفيخاي أدرعي "حزب الله" بإعادة بناء البنى التحتية متوعدًا "بمواصلة العمل لإزالة أي تهديد والدفاع عن دولة إسرائيل". ولم تلتزم تل أبيب ومنذ اليوم الأول لتوقيع الاتفاق بمضمونه بل نقضته بعمليات شبه يومية مع استمرار احتلالها للتلال الخمسة الاستراتيجية.

وترفض حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو التنازل عن هذه التلال تمامًا كما تعلن التمسك بقمة جبل الشيخ التي استولت عليها القوات الاسرائيلية ووسعت نطاق توغلاتها وعملياتها في الجنوب السوري منذ سقوط النظام السابق. وحاولت دمشق التوصل لاتفاق برعاية أميركية إلا أن الأمور لا تزال عالقة عند بعض النقاط الخلافية الاستراتيجية وأهمها ممر السويداء فيما يستغل الاحتلال ذلك لشنّ المزيد من العمليات، إذ اعتقلت قوة من الجيش الإسرائيلي، مدنيًا سوريًا لأسباب مجهولة في ريف القنيطرة الشمالي بالتزامن مع تنفيذ سلسلة توغلات عميقة في المحافظة. في غضون ذلك، حاول نتنياهو توظيف ما يجري في المنطقة لصالحه معلنًا أن إسرائيل خاضت حربًا على سبع جبهات مختلفة خلال السنتين الماضيتين، واصفا إياها بأنها "استمرار لحرب الاستقلال". وصرح بأن إسرائيل وصلت إلى قمة جبل الشيخ في سوريا وسيطرت على سماء طهران في خضم حربها على الجبهات السبع، مؤكدا أن بلاده أزالت الخطر الوجودي المتمثل في إيران.

كما لم ينسَ نتنياهو الاعلان عن الانتصار في حرب غزة، خلال كلمته أمام الكنيست الإسرائيلي، قائلًا "لو استمعتُ إلى الكثيرين ممن كانوا في هذه القاعة وخارجها، أنتم الذين طالبتموني بوقف الحرب، والاستسلام، والاستسلام... لو استجبتُ لهذه المطالب، لكانت الحرب قد انتهت بانتصار ساحق لـ"حماس" والمحور الإيراني بأكمله". وأضاف "لقد عززنا ردع إسرائيل، وقوّمنا موقفنا، وأعدنا رهائننا - جميع الأحياء، وبعض القتلى ما زالوا هناك، وسنعيدهم أيضًا.. لقد رسّخنا مكانتنا كقوة عظمى، لكن الحملة لم تنتهِ بعد". وهدد "حماس" بالرّد على اي خرق لاتفاق وقف النار، مشيرًا إلى أن اسرائيل ردّت على الخرق الأخير في رفح بإلقاء 153 طنًا من المتفجرات على عشرات الأهداف، بما في ذلك على كبار القادة. ورغم نفي الحركة علمها أو تورطها باشتباكات رفح وتجديدها الالتزام بالإتفاق المبرم، إلا أن تل أبيب تستغل أي ثغرة لدّك القطاع وقتل المزيد من الفلسطينيين ووضع العثرات امام الانتقال للمرحلة الثانية من الخطة الأميركية.

هذه المرحلة التي ستكون مدار بحث خلال الزيارة التي ينوي نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس القيام بها إلى اسرائيل بهدف الدفع قدمًا نحو تنفيذ كامل الاتفاق ومناقشة البنود الرئيسية وعلى رأسها نشر قوة متعددة الجنسيات في القطاع ونزع سلاح "حماس". من ناحية أخرى، ذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن المبعوثين الأميركيين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر أبلغا نتنياهو أن بإمكانه الدفاع عن النفس دون تعريض اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة للخطر. وأشارت القناة إلى أن نتنياهو ووزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر أكدا خلال اللقاء التزام إسرائيل بالاتفاق وأنهما يتوقعان من الحركة القيام بالشيء عينه والالتزام به. من جهتها، نقلت صحيفة "هآرتس" عن مصادر مطلعة أن زيارة الأخيرين، أي ويتكوف وكوشنر، تهدف إلى التحضير لزيارة نائب الرئيس الأميركي والمتوقعة اليوم إلى تل أبيب وسط معلومات بأنه سيزور قطاع غزة أيضًا. يُشار إلى أن صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلت عن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن نحو 200 جندي أميركي وصلوا أمس الاثنين إلى إسرائيل، لمراقبة وقف إطلاق النار وتسهيل تدفق المساعدات إلى قطاع غزة.

وتشكل المساعدات بندًا رئيسيًا بظل المناشدات الدولية المستمرة بفتح المعابر وتسهيل نقل المرضى والجرحى كما المطالبة بأهمية دخول المعدات الثقيلة لرفع الركام والردم المنتشر في كل أنحاء القطاع وإنتشال الجثث العالقة. وكانت اسرائيل أعلنت فتح معبر كرم أبو سالم وكيسوفيم مجددًا أمام حركة دخول شاحنات المساعدات ولكنها أبقت على معبر رفح الحدودي "مغلقًا حتى إشعار آخر". وتربط اسرائيل بين فتحه واستعادة جثث الرهائن الـ16 الذين لا يزالون في عداد المفقودين وتجهد "حماس" للبحث عن رفاتهم وسط الدمار الهائل الذي يُصعب المهمة. وتتخوف تل أبيب من استخدام "حماس" ما تبقى من هذه الجثث كورقة للتفاوض وبالتالي ترفض المهادنة بهذا الموضوع وتختلق الحجج لعدم تطبيق الاتفاق بحذافيره، أو "لبننة" الاتفاق، كي تبقي لديها الأعذار لشنّ غارات كلما إرتأت ذلك. في السياق، استشهد 3 فلسطينيين برصاص الاحتلال أثناء عودتهم لتفقد منازلهم في منطقة الشعف بحي التفاح شرقي مدينة غزة، في وقت ألقى الاحتلال مناشير منع فيها السكان من الاقتراب من المناطق الواقعة في "الخط الأصفر" الذي لا يزال تحت السيطرة الاسرائيلية.

من جهته، قال الناطق باسم حركة "حماس"، حازم قاسم "إن إسرائيل لديها سياسة ثابتة في استمرار خرق اتفاق وقف إطلاق النار"، مطالبًا كل الأطراف التي تريد استمرار الهدوء في المنطقة، بالضغط على إسرائيل لضمان تنفيذ التزاماتها. وتكرر الحركة في كل تصريح بأنها تريد لهذا الاتفاق أن يعمر في حين تحملها كل من واشنطن وتل أبيب العواقب. وكان وفد من الحركة وصل أمس إلى القاهرة حيث سيعقد خلال اليومين المقبلين لقاءات مع كبار المسؤولين المصريين تتناول ترتيبات الحوار الذي يهدف إلى توحيد الصف الفلسطيني ومناقشة القضايا الرئيسية، بما في ذلك إدارة قطاع غزة خلال المرحلة المقبلة، وفق ما أفادت به "وكالة الصحافة الفرنسية". في السياق نفسه، كرّر الرئيس ترامب تهديداته بـ"القضاء" على "حماس" في حال انتهاكها للاتفاق. وقال، خلال استقباله رئيس وزراء أستراليا أنطوني ألبانيز، "سنمنح "حماس" فرصة وهي لم تعد تحظى بدعم إيران"، مؤكدًا "لم أطلب من إسرائيل العودة إلى القتال في غزة".

على الصعيد الايراني، تتخذ طهران المزيد من الخطوات الصدامية، إذ نقلت وسائل إعلام إيرانية محلية عن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني قوله إن بلاده ألغت اتفاق التعاون الذي وقعته مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في سبتمبر/أيلول الماضي، عازيًا ذلك إلى إعادة تفعيل آلية الزناد من قبل دول "الترويكا" الأوروبية. وتترافق تصريحات لاريجاني مع وصف المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الرئيس ترامب بأنه "واهم باعتقاده أنه دمّر المنشآت النووية الإيرانية" بضربات شنتها بلاده في حزيران/يونيو الماضي. وأعلن خامنئي، في أول ظهور علني بعد 43 يومًا رفضه التام لعرض واشنطن إجراء محادثات جديدة. وقال: "الرئيس الأميركي يقول إنه رجلُ صفقات، لكن إذا كانت الصفقة مصحوبةً بالاستقواء، وكانت نتيجتها محسومة مسبقًا، فليست صفقة بل فرض".

دوليًا، بحث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره الأميركي ماركو روبيو الخطوات العملية لتنفيذ التفاهمات التي توصل إليها الرئيسان فلاديمير بوتين ودونالد ترامب بشأن الحرب في أوكرانيا، خلال اتصالهما الهاتفي في 16 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، وفق بيان صادر عن وزارة الخارجية الروسية. وقالت الخارجية إن "محادثة بنّاءة" جرت بين الوزيرين، تناولت سبل المضي قدمًا في تطبيق ما اتفق عليه الرئيسان، إلى جانب التحضيرات الجارية للقمة المرتقبة في العاصمة المجرية بودابست. في الأثناء، يستمر الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي بالسعي للحصول على أسلحة دفاعية من أميركا بعد فشله في كسب موافقة ترامب على تزويد كييف بصواريخ "توماهوك" البعيدة المدى والتي كانت ستشكل فارقًا في العمليات العسكرية.

وفي الجولة اليومية على الصحف العربية الصادرة اليوم في عالمنا العربي، تركيزٌ على أبرز عناوينها وتحليلاتها:

رأت صحيفة  "الدستور" الأردنية أن "طرفي الصراع الفلسطيني الاسرائيلي يدركان أن محطة 7 أكتوبر 2023، وتداعياتها، ليست أولى محطات الصدام، وليست نهايته ، بل هي محطة على الطريق الطويل، الذي لابد وأن ينتهي إلى زوال الاحتلال، ونهاية المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، مهما بلغت التضحيات الفلسطينية، ومهما تقوت وتغولت القدرات الإسرائيلية"، مشددة على أن "الصراع سيستمر طالما شعب فلسطين باق، صامد، لديه الإصرار على المواجهة، وتقديم التضحيات، وانتزاع حقه في الكرامة والحرية والاستقلال".

صحيفة "الجريدة" الكويتية اعتبرت أن " الواضح البين أن نتنياهو يبحث وينتظر أي عذر ليواصل به مجزرته ضد الغزيين المدنيين محاولاً إجبارهم على الرحيل عن غزة، ومَن غير "حماس" لتقدمها له؟ فعدم خروج "حماس" من المشهد الغزاوي ذريعة، وعدم تسليمها السلاح إلى السلطة الفلسطينية ومصر ذريعة، والإصرار على مواصلة حكم غزة ذريعة، وهي ذرائع ترامب يؤيد إسرائيل فيها"، وقالت: "لن ننسى جرائم نتنياهو، ويجب محاكمته كمجرم حرب، ولن ننسى خطيئة من قدم الذرائع لنتنياهو على طبق من ذهب ليرتكب بها جرائمه. ونكرر ونقول، لا نريد أن نرى علامات نصر زائفة، ويجب ألا يفلت من الحساب من كان سببًا في نكبة العرب الثانية".

أما صحيفة "الصباح" العراقية، فأشارت إلى أن "طوفان الأقصى شكل منعطفًا كبيرًا في طبيعة الصراع الفلسطيني الصهيوني، وكانت غزة، بوصفها أرض معركة طويلة بقياسات الحروب السابقة، قد شكلت هذه الرقعة الجغرافية الصغيرة محورًا مهمًا من محاور تشكيل التوازنات، ليس الإقليمية فقط، بل العالمية"، منبهة إلى أن "مرحلة ما بعد لقاء شرم الشيخ تتطلب جهودًا عربية كبيرة من أجل تثبيت هذا الاتفاق أولًا، وإيقاف الاستيطان الصهيوني في مناطق غزة، وصولًا إلى الضفة الغربية، ثالثًا، تعزيز دور منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها ممثلًا للشعب الفلسطيني، وإعادة إعمار غزة بما يؤمّن عدم هجرة وتهجير سكانها، كما كانت الأهداف الصهيونية تسعى لذلك".

وتحت عنوان "ضغط أميركي وعربدة إسرائيلية..!"، كتبت صحيفة "اللواء" اللبنانية " إنّ لبنان الذي يعاني أزمة اقتصادية خانقة لا يحتاج إلى مزيد من الضغوط والتهديدات، بل إلى رعاية عربية و دولية متوازنة تساعده على استعادة عافيته من دون المسّ بسيادته أو إذلاله بالوعود المشروطة. فالحوار والتدرج في الحلول كانا جوهر "الخطوة خطوة" التي طرحها (الموفد الأميركي توم) برّاك نفسه، قبل أن يتراجع عنها تحت ضغط التحولات الإقليمية والمصالح الإسرائيلية". وأضافت "لقد تعب اللبنانيون من دروس الوعظ الأميركية التي تتحدث عن السيادة وهي تتواطأ مع من ينتهكها، وعن الإصلاح وهي تغضّ الطرف عن العدوان. فليُدرك السفير براك أن لبنان لا يُدار بالتهديد…بل بإحترام مبدأ الحوار والتفاوض"، وفق تعبيرها.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن