صحافة

ليبيا... نهب متواصل وتحذير أممي

جمعة بوكليب

المشاركة
ليبيا... نهب متواصل وتحذير أممي

وصلت المبعوثة الأممية هانا سيروا تيتيه إلى العاصمة الليبية طرابلس وبدأت مهام عملها رسمياً رئيسةً لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) يوم الخميس 20 فبراير (شباط) 2025. وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد أعلن تعيينها في هذا المنصب في 24 يناير (كانون الثاني) 2025. وبذلك استحقت لقب المبعوث العاشر في القائمة. منذ وصولها إلى ليبيا قدمت المبعوثة الأممية أربع إحاطات أمام مجلس الأمن الدولي؛ كانت الأولى في يوم 17 أبريل (نيسان) 2025، والأخيرة في يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي. جرت العادة أن تعقد الإحاطات مرة كل 60 يوماً.

في الإحاطة الثالثة يوم 21 أغسطس (آب) الماضي، قدمت هانا تيتيه خريطة طريق سياسية تهدف إلى توحيد مؤسسات الدولة وتجديد الشرعية عبر الانتخابات. في الإحاطة الأخيرة، خلال الأيام القليلة الماضية، اعترفت المبعوثة الأممية أمام مجلس الأمن الدولي بمماطلة مجلسَي النواب والدولة في تعطيل الخطوات الأولى من خريطة الطريق. ولذلك قالت، السبب: "يجب على البعثة -وستفعل- اتباع نهج آخر، والسعي إلى دعم هذا المجلس (مجلس الأمن الدولي) لضمان تقدم خريطة الطريق". بالنهج الآخر قصدت تجاوز الأجسام السياسية الحالية (مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة) التي تعرقل العملية الانتخابية، والعمل بالتعاون مع مجلس الأمن الدولي لتطبيق آلية جديدة تضمن تحقيق الانتقال السياسي وإجراء الانتخابات، مثل الترتيب لحوار موسع مع أطراف أخرى أو طلب دعم دولي لاتخاذ إجراءات أكثر حزماً.

ومع ذلك، لم تحدد تيتيه تفاصيل هذا "النهج الآخر" بشكل واضح. لكن من خلال تجربة السنوات الماضية ربما يُفهم منه اللجوء إلى نفس النهج الذي لجأت إليه المبعوثة الأميركية ستيفاني ويليامز في عام 2020 بتجاوزها الأجسام الموجودة والذهاب إلى جنيف، حيث تم اختيار أعضاء مجلس رئاسي ورئيس حكومة جديد، وفقاً لبنود اتفاق الصخيرات لعام 2015. النهج الآخر في الوقت نفسه تهديد مُوجّه إلى رئيسي المجلسين المذكورين وإلى غيرهما، بعد أن تبيّن أنّهم ماهرون في بيع الكلام، ودهاقنة في وضع العصيّ في دواليب كل مبادرة تهدف إلى تغيير الوضعية الحالية، والتخلص منهم. ربما لذلك السبب سارع رئيسا المجلسين إلى الموافقة على بنود اتفاق يتمحور حول اتفاقهما على معايير اختيار أسماء جديدة للوظائف السيادية ومن ضمنها المفوضية الانتخابية. في اليومين الأخيرين صدر بيان عن عدد كبير من النواب من المجلسين يطالبون بحقهم في تمحيص المترشحين للمناصب العليا واختيار الأصلح. المسافة الزمنية من شهر فبراير الماضي حتى أكتوبر الحالي لا تزيد على ثمانية أشهر، لكنها كانت كافية لتجعل المبعوثة الأممية تصل إلى معرفة نوعية السيرك الدائر في ليبيا ولعبته المفضلة، وكذلك طبيعة المهرجين الذين يتولّونه، والكيفية التي يديرون بها الأمور للحفاظ على وضعياتهم وامتيازاتهم. خلال الأيام القليلة الماضية أعلن محافظ مصرف ليبيا المركزي اكتشاف ما قيمته 10 مليارات دينار ليبي خارج السجلات الرسمية للمصرف. بمعنى أن العشرة مليارات دينار غير مزورة، أي صحيحة شكلياً، لكنها غير مقيدة ضمن أرصدة المصرف المركزي!

ومما لا شك فيه أن محافظ المصرف المركزي لا يجهل الجهة التي تقف وراء طبع الأوراق المالية من دون موافقة المصرف، لكنه رفض ذكرها خشية العاقبة! من جهة أخرى، ازدادت أعداد مديري المصارف والمسؤولين الماليين في قوائم المتهمين بالاحتيال الذين أُودعوا السجون وهم رهن التحقيقات من مكتب النائب العام! تغيير الحكومتين بحكومة مُوحَّدة وصْفة مُجرّبة أثبتت فشلها في علاج الداء الليبي. ولن تزيد إلا في استمرار وتواصل السيرك بقيادة المهرّجين، وهم لصوص المال العام، وتواصل النهب والفساد. الأخبار القادمة من الجهة الغربية من البلاد لا تبشر بخير، في ظل استمرار التقاتل بين مختلف الجماعات المسلحة، بخاصة في مدينة الزاوية على بعد 40 كيلومتراً غرب العاصمة. والإشاعات في مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت تشير إلى احتمال قيام رئيس حكومة طرابلس عبد الحميد الدبيبة بإعادة تشكيل حكومته.

حتى وإن كانت الإشاعات صحيحة يظل السؤال: ماذا بمقدور أي وزارة جديدة فعله في بلد مقسوم فعلياً شطرين ويطحنه الفساد؟ السؤال الأهم الذي يواجه هانا تيتيه ومجلس الأمن الدولي هو: هل يمتلك "النهج الآخر" القوة والآلية الكافيتين لكسر حلقة المماطلة المستمرة منذ سنوات ويوقف النهب، أم أنه مجرد تكرار آخر لاستراتيجية تجاوز الأجسام السياسية، التي غالباً ما تنتهي بتكوين أُطر جديدة سرعان ما ينضم إليها اللاعبون السابقون ذاتهم؟ مع استمرار القتال بين الجماعات المسلحة في المنطقة الغربية، وعجز سبعة ملايين ليبي عن العثور على أثر لوفاق يعيد إلى البلاد وحدتها وطمأنينتها، يبدو أن المرحلة القادمة ستكون إمَّا بداية لتدخل دولي أكثر حزماً وإمَّا الغوص في المستنقع المعهود.

(الشرق الأوسط)

يتم التصفح الآن