صحافة

انفراجة أمريكية صينية

عماد الدين حسين

المشاركة
انفراجة أمريكية صينية

ما هي أهم نتيجة للاتفاق بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ونظيره الصيني شي جين بينج؟، ظني أن أهم نتيجة هي توقع هدوء واستقرار نسبي في الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، ما سينعكس إيجاباً علي العالم أجمع.. علاقات البلدين ليست قاصرة على التنافس التجاري ومن يسبق من؟، ولكنها تشمل أيضاً السياسة والعسكرية والقوى الناعمة. باختصار الولايات المتحدة تريد الحفاظ على مركزها الأول اقتصادياً، والصين تطمح في أن تحل محلها. واشنطن تأمل في استمرار قوتها الناعمة زعيمة للعالم، وبكين تتطلع أن تحل محلها، وربما هذا الأمر يفسر قصة الصراع على تطبيق "تيك توك" الذي تم حسمه بصورة نهائية.

نعلم أن ترامب أفرط في استخدام سلاح الرسوم الجمركية ضد غالبية دول العالم، خصوصاً الصين، التي استخدمت بعض أوراقها مثل القيود التي فرضتها على صادرات المعادن النادرة.. وبالتالي فإن أهم النتائج التي حسمتها القمة هي: النتيجة الأولى الأساسية أن ترامب قرر تخفيض الرسوم الجمركية على السلع الصينية من 57% إلى 47%، وهي نسبة معقولة تصب في صالح الصين واستمرار صادراتها للولايات المتحدة، علماً أن الميزان التجاري يبلغ 659 مليار دولار ويميل لمصلحة الصين بصورة واضحة، حيث تصدر لأمريكا سلعاً وبضائع بقيمة 439 مليار دولار مقابل صادرات أمريكية لا تزيد على 142 مليار دولار.

النتيجة الثانية الرئيسية هي استئناف الصين شراء فول الصويا الأمريكية وتقييد تدفق الفنتانيل إلى الولايات المتحدة.. وهذه النتيجة تصب في صالح ترامب، فقرار الصين بتعليق استيراد فول الصويا أضر ضرراً بالغاً بالمزارعين الأمريكيين، ومعظمهم من جمهور ترامب الانتخابي، وبالتالي سيمكنه القول إنه حقق مكاسب أساسية للمزارعين الأمريكيين ما يرسخ مكانته الانتخابية.

أيضاً تقييد تدفق الفنتانيل من الصين لأمريكا سيصب في مصلحة ترامب، لأنه جعل هذه القضية واحدة من أهم معاركه. والمعروف أن الفنتانيل هو مركب اصطناعي وينتج كيميائياً في المختبرات وهو أقوى من المورفين بنحو 50 - 100 مرة، ولم يكن مدرجاً بالكامل على قوائم المخدرات المحظورة في الصين، وكان يباع عبر الإنترنت وبعد تشديد الصين رقابتها ومنعه، خصوصاً بعد حظره بالكامل، انتقلت عملية التصنيع إلى دول أخرى مثل المكسيك التي تستخدم المواد الخام الصينية، وتقول واشنطن إن هناك أكثر من 112 ألف حالة وفاة سنوياً بسبب الجرعات الزائدة منه، وهو السبب الأول في وفاة الأمريكيين تحت سن 45 سنة.

النتيجة الثالثة لاتفاق ترامب وبينج هي توقيع اتفاق بشأن المعادن النادرة، على أن يتم التفاوض عليها سنوياً. وهذه النتيجة تصب في صالح البلدين وإن كانت تميل لمصلحة أمريكا أكثر، فالولايات المتحدة في أمس الحاجة لهذه المعادن التي صارت استراتيجية لدرجة أن كثيرين يسمونها بالذهب الجديد، وهي تدخل في صناعات الهواتف الذكية والحواسيب والأقراص الصلبة وشاشات التلفاز الرقمية وأجهزة التابع والسيارات الكهربائية وتوربينات الرياح والألواح الشمسية والبطاريات المتقدمة والهيدروجين الأخضر والعديد من الصناعات العسكرية مثل الصواريخ والأقمار الاصطناعية والمناظير الحرارية.

أمريكا استفادت من تضييق الصين لتدفق المواد الداخلة في صناعة الفنتانيل، لكنها في المقابل جعلت الولايات المتحدة تقلل من نسبة الرسوم الجمركية بصورة بلغت 20%، وهو أمر مهم للصين، وهناك تقارير تنكرها واشنطن أنها في المقابل ستستأنف صادرات رقائق الذكاء الاصطناعي بلاكويل الخاصة بشركة "إنفيديا". قمة بوسان أسفرت أيضاً عن الاتفاق على زيارة ترامب لبكين في أبريل على أن يزور بينج أمريكا في موعد يحدد لاحقاً. ترامب قال إن تقييمه للقمة ليس عشرة على عشرة بل 12 من عشرة، وإن الرئيس الصيني عظيم ورائع، وإذا كان ترامب يميل للمبالغة الدائمة، فإن النظرة الموضوعية لتقييم هذا الاتفاق تقول إن كل طرف حقق بعضاً من أهدافه وليس كلها، وهو أمر كان منتظراً فلم يكن ممكناً أن يحصل ترامب على كل أهدافه ولم يكن ممكناً أن تستمر الصين في الحصول على مكاسبها القديمة من دون ثمن..

وبالتالي فإن النتيجة الأساسية هي أن علاقات البلدين ستشهد بعض الاستقرار، وسينعكس ذلك على الاقتصاد العالمي وتحسنه النسبي مقارنة بما توقعه البعض من دخوله لمرحلة من الحروب التجارية المستعرة.. لكن من المهم الإدراك أن الاتفاق لن يلغي المنافسة، الفارق أن الحرب التجارية ستستمر، لكن بأدوات مختلفة أقل عنفاً.

(البيان الإماراتية)

يتم التصفح الآن