يراقب لبنان ما تمرّ به المنطقة بحذر، وهو الذي اختبر وحشية العدو الاسرائيلي ولا يزال من خلال التعديات والخروقات اليومية لاتفاق وقف النار المبرم في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. بينما تتوالى الزيارات الدبلوماسية والتصريحات التحذيرية من تصعيد اضافي على وقع الاتهام اليومي لـ"حزب الله" بتعزيز قدراته التسليحية واستعادة عافيته بعد مرور ما يقارب العام على الحرب الاسرائيلية على لبنان والتي خلّفت وراءها خسائر بشرية وأضرار اقتصادية جسيمة. واللافت في ما يجري هو التبريرات الأميركية المستمرة لاعتداءات تل أبيب والكلام الاستعلائي الصادر، ولاسيما على لسان المبعوث الأميركي توم برّاك، الذي لا يترك مناسبة وإلا ويهاجم فيها لبنان، واصفًا إياه بـ"الدولة الفاشلة".
ففي أجدد تصريح تناسى برّاك أن إسرائيل لم تقدم إجابة بعد على طرح الرئيس اللبناني جوزاف عون للتفاوض غير المباشر، واضعًا الكرة مجددًا قي ملعبها من خلال إعلانه أن إسرائيل "مستعدّة للتوصل إلى اتفاق مع لبنان بشأن الحدود"، داعيًا اللبنانيين إلى "اللحاق بركب المفاوضات والحرص على حدودهم". وإذ أشار إلى أن "لبنان دولة فاشلة، والجيش اللبناني يعاني من نقص في الموارد المالية والبشرية"، شدّد على أن "حزب الله" يجني أموالًا أكثر من مخصصات الجيش اللبناني". وبرّر برّاك ما يجري ميدانيًا بالقول إن "إسرائيل تقصف جنوب لبنان يوميًا؛ لأن سلاح "حزب الله" لا يزال موجودًا وأن آلاف الصواريخ لا تزال تهدد إسرائيل". وتزامن كلام الموفد الأميركي مع مجزرة ارتكبتها القوات الاسرائيلية في دوحة كفرمان من خلال استهداف مباشر لسيارة ما أدى إلى مصرع 4 أشخاص، بحسب ما أفادت به وزارة الصحة. في وقت نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن "قيادي بوحدة الرضوان هو الهدف من خلال هذا الاستهداف جنوبي لبنان".
وكانت اسرائيل صعّدت من استهدافاتها مؤخرًا فيما هدّد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس باستهداف العاصمة بيروت قائلًا: "إذا حاول "حزب الله" إطلاق النار على مستوطنة في الشمال، فسنُهاجم بيروت أيضًا"، مشيراً إلى أنه أوصل هذه الرسالة إلى الموفدين الأميركيين موغان أورتاغوس وتوم برّاك. وفي وقت سابق، صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون سار مؤكدًا أن "إعادة تسليح "حزب الله" في لبنان ستكون لها تداعيات خطيرة على أمن إسرائيل ومستقبل لبنان... لقد ترسَّخ الإرهاب في غزة ولبنان واليمن على مدى العقود القليلة الماضية... واقتلاعه ضروري لاستقرار المنطقة وأمنها". وفي السيّاق، كشفت مصادر إسرائيلية للقناة 14 أن "المستوى العسكري سيوصي المستوى السياسي الإسرائيلي بالمصادقة على تنفيذ ضربة عسكرية ضد الحزب لإضعافه بعدما عاد ورمم نفسه"، فيما نقل إعلام إسرائيلي أن "المنظومة الأمنية تريد شنّ عملية لمنع "حزب الله" من إعادة تأهيل نفسه".
وهذه التصريحات العالية النبرة تزيد المخاوف الداخلية من تجدّد الحرب بظل الضغوط الأميركية المتزايدة على لبنان للدخول بمفاوضات مع اسرائيل، إسوة بما يجري في سوريا، على الرغم من عدم التوصل إلى إتفاق بعد، ولكن المؤشرات تتحدث عن توافق على أجزاء واختلاف في تفاصيل أخرى تحول دون ذلك. وتتخذ حكومة دمشق المزيد من الخطوات وهي التي يلقى رئيسها أحمد الشرع دعمًا وقبولًا أميركيًا كبيرًا، وتجلى ذلك من خلال رفع بعض العقوبات المفروضة على البلاد. وعلى عكس نظرته إلى لبنان، أشار الموفد الأميركي توم برّاك، إلى أن الشرع سيتوجّه إلى واشنطن خلال الشهر الحالي، لتوقيع اتفاق الانضمام إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "داعش". وستكون هذه الزيارة الأولى له إلى العاصمة واشنطن، والثانية له إلى الولايات المتحدة بعد مشاركته في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي. في غضون ذلك، شهدت محافظة القنيطرة خلال الأيام الأخيرة تصعيدًا ميدانيًا خطيرًا، تمثل في سلسلة توغلات وتحركات عسكرية لقوات الاحتلال الإسرائيلي داخل أراضي المحافظة، ترافقها أعمال تحصين وإنشاء سواتر في عدد من المواقع.
وهذا التوسع الاسرائيلي في لبنان وسوريا لا يختلف عما يجري في غزة، التي وعلى الرغم من توقيع اتفاق وقف النار، إلا أن سكانها لم يشهدوا بعد يومًا دون تحركات اسرائيلية وهجمات متكررة ناهيك عن تمنع الاحتلال إدخال المساعدات إلى القطاع، ما يترك عائلات بأكملها دون القدرة للوصول إلى الطعام والمياه كما العلاجات الطبية. ويأتي ذلك فيما تتواصل تحركات الوسطاء لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع، إذ تتوجه الأنظار إلى الإجتماع المرتقب في إسطنبول، غدًا الاثنين. وقال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في مؤتمر صحافي، الجمعة، إن وزراء الخارجية (المجموعة العربية الإسلامية) الذين التقوا بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في نيويورك، سيجتمعون الاثنين بإسطنبول، مشيرًا إلى أن الاجتماع سيناقش "وقف إطلاق النار في غزة وكيفية الانتقال إلى المرحلة الثانية، وهي قوة الاستقرار"، مضيفًا أن أنقرة قلقة على استمرار هذه الهدنة. في المقابل، سلّمت "حماس" الوزير فيدان مذكرة بالخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار منذ بدء تنفيذه، وذلك خلال اجتماع عُقد بين وفد من الحركة برئاسة خليل الحية ووزير الخارجية التركي أمس، السبت. وهذه الخطوات تسعى لدفع تل أبيب للشروع في مفاوضات المرحلة الثانية التي لا تزال متوقفة بسبب العقبات والعثرات التي يضعها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وخاصة ما يتعلق بأزمة جثث الرهائن.
الجثث التي تخيم على المباحثات وتضع الاتفاق المبرم في مهب الريح، تترافق مع تأكيد "كتائب القسام" إنها مستعدة للعمل على استخراج رفات الأسرى الإسرائيليين داخل "الخط الأصفر"، موضحة، في بيان، أنها سلمت أمس 3 جثامين مجهولة الهوية لتفحصها إسرائيل من أجل قطع الطريق على ادعاءات الاحتلال بأن المقاومة تتلكأ في تسليم الجثامين. وفيما طالبت "القسام" الوسطاء والصليب الأحمر بتوفير المعدات والطواقم للعمل على انتشال كل الجثث، أكدت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن فحص الطب الشرعي أكد أن الرفات ليست لأي أسير إسرائيلي. وأشارت إلى أن إسرائيل تفضل الاستمرار في استلام عينات مستقبلية لاحتمال أن تكون مرتبطة بأسرى آخرين. ومنذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار أوائل الشهر الماضي، سلمت "حماس" 20 أسيرًا إسرائيليًا حيًا، ورفات 19 أسيرًا من أصل 28. وتجهد الحركة لإغلاق هذا الملف ولكن حجم الدمار والركام المهول وغياب المعدات يحول دون ذلك في حين تستغل تل أبيب ذلك لخرق الهدنة الهشة وقتل المزيد من الفلسطينيين.
هذا وتبدو الولايات المتحدة عازمة على الانتقال للمرحلة الثانية ووضع النقاط على الحروف في كثير من الأمور، لكن نقطة التحول الكبيرة حاليًا تكمن في طبيعة وحدود القوة الدولية التي يُراد إدخالها إلى القطاع، بحسب المطلعين على الأوضاع هناك. ففي تطور وصف بـ"المهم"، زار رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي الجنرال دان كين، تل أبيب أمس السبت، وأجرى مباحثات مع نظيره الإسرائيلي إيال زامير، وتفقد الأوضاع في القطاع الذي حلق فوقه بمروحية إسرائيلية. وجاءت هذه الجولة على هامش زيارة كين لمركز التنسيق المدني العسكري في إسرائيل، حيث عقد هو وزامير سلسلة اجتماعات مغلقة مع كبار القادة العسكريين الإسرائيليين، تناولت التنسيق الأمني، ومستقبل غزة بعد الحرب، وخطط إعادة الإعمار، وفق ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية. وتصطدم المساعي الأميركي بالتعنت الاسرائيلي والاتهامات المساقة في كل حدب وصوب، ولكن واشنطن تملك القدرة على ضبطها عندما يحين الوقت. تمامًا كما جرى عندما فرض ترامب اتفاق الهدنة على نتنياهو، رغمًا عنه وعن أصوات اليمين المتطرف التي كانت تريد للحرب أن تستمر إلى ما لا نهاية.
في الأثناء، قال وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي "كلنا متفقون على أنه من أجل أن تتمكن قوة الاستقرار من أن تكون فاعلة في أداء مهمتها، يجب أن تحصل على تفويض من مجلس الأمن الدولي"، مكررًا ان بلاده لن تقوم بإرسال جنوده للمشاركة في هذه القوة. أما وزير الخارجية الألمانية الألماني يوهان فاديفول، فأعرب عن دعم برلين أيضًا لمنح القوة الدولية في غزة تفويضًا أمميًا، مقرًا بأن ذلك "يكتسب أهمية بالغة بالنسبة للدول التي قد تكون مستعدة لإرسال قوات إلى غزة، وللفلسطينيين". يُشار إلى أن صحيفة "تلغراف" نقلت عن مصادر دبلوماسية - لم تسمها- أنه سيتم نشر جنود مسلمين فقط للقيام بدوريات في قطاع غزة ضمن قوة حفظ سلام، مؤكدة أن القوات العاملة المفترض أن تعمل على الأرض في غزة ستأتي بشكل رئيسي من دول المنطقة بهدف تخفيف التوتر.
ومن غزة إلى الضفة المحتلة، حيث مشهد العنف يتكرر دون هوادة وهجمات المستوطنين تتزايد بشكل غير مسبوق وسط تحذيرات دولية لا تلقى أي استجابة. وفي أخر التطورات الواردة، أصيب 3 مزارعين فلسطينيين برصاص مستوطنين هاجموهم أثناء قطفهم الزيتون في قرية المنيا جنوب شرقي بيت لحم، في حين نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مصدر أمني إسرائيلي أن هجمات المستوطنين في الضفة خرجت عن السيطرة. بدورها، كشفت "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان" عن نية سلطات الاحتلال دراسة بناء نحو 2006 وحدات استيطانية جديدة في الضفة الغربية خلال جلستي عمل يومي الاثنين والأربعاء المقبلين لمجلس التخطيط الأعلى للبناء الاستيطاني. في سياق موازٍ، أكد تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن موسم الزيتون الحالي في الضفة الغربية شهد أعلى مستوى لهجمات المستوطنين منذ 5 سنوات. ووثق التقرير 126 اعتداء نفذتها قطعان من المستوطنين على أكثر من 70 قرية وبلدة فلسطينية تخللتها عمليات تخريب لأكثر من 4 آلاف شجرة وشتلة زيتون.
إيرانيًا، أكد وزير الخارجية عباس عراقجي أن بلاده مستعدة للتفاوض لتبديد القلق حول برنامج إيران النووي الذي شدّد على سلميته، كما أن طهران مستعدة "لأي سلوك عدواني من إسرائيل". وأوضح أن هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق عادل لكن الولايات المتحدة "وضعت شروطًا تعجيزية غير مقبولة"، على حدّ قوله. وكشف عراقجي أن المواد النووية لا تزال تحت أنقاض المنشآت النووية التي استهدفت ولم تنقل لمكان آخر، وقال "تلقينا خسائر كبيرة في منشآتنا النووية على مستوى المكان والأجهزة لكن التقنية لا تزال قائمة". وهذه الأوضاع الضاغطة على ايران تنعكس على أزمتها الداخلية المأزومة بظل تدخل جديد من سلطنة عُمان، عبر حضها، على عودة المفاوضات التي توقفت إثر الحرب الإيرانية الإسرائيلية في حزيران/يونيو الماضي.
أما في السودان، فالوضع يشير إلى أزمة انسانية كارثية بظل تجدد التنديدات الرافضة لما تقوم به قوات "الدعم السريع" من إعدامات ميدانية وقتل عشوائي وإبادة جماعية بحق المواطنين العزل. في وقت دعت وزارة الخارجية الأميركية طرفي النزاع، أي الجيش السوداني وقوات الدعم، إلى اتباع "مسار تفاوضي لإنهاء معاناة السودانيين"، مؤكدة أنه "لا يوجد حل عسكري للأزمة، وأن الدعم العسكري الخارجي لا يؤدي إلا إلى إطالة أمد الصراع". على الصعيد الدولي، وافقت وزارة الحرب الأميركية على تزويد كييف بصواريخ "توماهوك" بعيدة المدى، لكنها تركت القرار السياسي النهائي بيد الرئيس ترامب. ونقلت شبكة "سي إن إن" عن مسؤولين في واشنطن وبروكسل أن الرئيس الأميركي "لم يسحب الخيار من على الطاولة"، وأن "البنتاغون" وضع خططًا لتزويد أوكرانيا بالصواريخ بسرعة في حال صدور القرار الرئاسي.
وفي الجولة اليومية على الصحف الصادرة اليوم الأحد، إليكم أبرز ما ورد فيها:
أشارت صحيفة "الغد" الأردنية إلى أن "إسرائيل طبقت على غزة ذات النموذج اللبناني، أي الوصول إلى اتفاق وكسره كلما أرادت، والذرائع متوفرة وسهلة الصناعة". وأضافت: "مخطط التهجير من قطاع غزة مقبل على الطريق، والضمانات الأميركية بمنع التهجير مجرد وهم تم بيعه للمنطقة، وهو وهم يضاف إلى بقية الضمانات التي نرى سقوطها يوميا، فلماذا ستمنع واشنطن التهجير، وهي التي سمحت بكسر الاتفاق أصلا، وستكون شريكة في إكمال كل المخطط؟"، بحسب تساؤلاتها.
صحيفة "عكاظ" السعودية تناولت ما يجري في السودان، مشيرة إلى أن "الأرقام تُظهر أن السودان يعيش اليوم أكبر نزوح داخلي في العالم، وأن الفاشر تحولت إلى مقبرة مفتوحة بعدما حوصرت وقُطعت عنها المساعدات"، مشددة على أن " المسألة لم تعد حربًا داخلية فقط، بل انهيارًا أخلاقيًا عالميًا.. فالعالم الذي يرفع شعار الإنسانية كشف عن وجهه الحقيقي: إنسانيةٌ انتقائيةٌ تُقاس بلون الجلد وموقع الجغرافيا".
الانتخابات العراقية كانت محور اهتمام صحيفة "الصباح" العراقية، التي شددت على أن "نجاح الانتخابات القادمة في انتاج حكومة عراقية قوية، ومنظومة سياسية داخلية اكثر تماسكا وانسجاما وتوازنا، سيعني استعادة العراق لثقله الإقليمي والدولي". وقالت "هذا الامر لن يعود بالنفع على العراق وحده، بل سيعود بالنفع أيضًا على ضبط التوازن الإقليمي والدولي في منطقة الشرق الأوسط، فقد اهتز هذا التوازن بشدة نتيجة انحسار الدور الخارجي المؤثر للعراق في اعقاب حماقة غزو الكويت سنة 1990، وزاد الامر سوءاً بعد غزو العراق سنة 2003، مما جعل البيئة الإقليمية قلقة ومتحركة على صفيح ساخن مفتوح على جميع الاحتمالات، لاسيما بعد حرب غزة الأخيرة وما خلفته من عواقب متدحرجة كبيرة".
(رصد "عروبة 22")

