صحافة

قناة السويس.. صراع التحديات المستمرة

أيمن النحراوي

المشاركة
قناة السويس.. صراع التحديات المستمرة

نحن نعيش عالم التحديات المستمرة والتغيرات المتلاحقة، وعلينا أن نقبل بذلك كحقيقة منطقية وواقعية، فقط أن نكون على إحاطة بتلك التغيرات وعلى مستوى تلك التحديات.

قناة السويس ليست كغيرها من القنوات والممرات الدولية سواء لمصر أو العالم، فهي أهم ممر ملاحي عالمي على الإطلاق حيث تعبرها أكثر من 20% من حركة التجارة البحرية العالمية، كما أنها أحد الأعمدة الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية لمصر أمس واليوم وغدًا.

ومنذ حفر المصريين قناة السويس وهي دوما ركن ركين من اهتماماتهم بحكم ما يحيط بها ويؤثر فيها من متغيرات عالمية وإقليمية ودولية على مختلف الأصعدة.

التحديات متنوعة وعلى مختلف الاتجاهات الاستراتيجية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، طريق رأس الرجاء الصالح بالدوران حول أفريقيا هو طريق منافس لقناة السويس، قناة باناما هي فعليا طريق منافس لقناة السويس.

من جهة أخرى، المشروعات المختلفة للنقل الدولي متعدد الوسائط على مستوى العالم في معظمها مشروعات منافسة لقناة السويس، مثل الخط العملاق للنقل بالسكك الحديدية السيبيرية من فلاديفوستوك إلى موسكو ومنها إلى شرق ووسط أوروبا، وتفرعاته من وإلى الصين ووسط آسيا وصولا إلى إيران وتركيا اللتين تخططان أيضا للاستفادة منه.

المشروع العملاق لإحياء طريق الحرير الصيني يتضمن جانبين، جانب إيجابي ممكن أن تستفيد منه قناة السويس والموانئ البحرية المصرية، وجانب سلبي يمكن أن يؤثر على قناة السويس مع امتداد المشروع عبر إيران وتركيا والعراق وسوريا إلى البحر المتوسط.

وبعيدا في أقصى الشمال مشروع الطريق البحرى للسفن عبر القطب الشمالى يعمل بالفعل وتستخدمه العديد من السفن الروسية والصينية والنرويجية وغيرها في نقل البضائع بمختلف أنواعها، وهو طريق منافس وقائم بدرجة ما لقناة السويس وحتى إن لم يتضح تأثيره الكامل في الوقت الراهن.

قبل أيام، أشار بنيامين نتنياهو إلى إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن عن خطط لبناء ممر للسكك الحديدية والشحن يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا عبر السعودية وإسرائيل، وأكد أن إسرائيل في قلب مشروع دولي غير مسبوق.

مشروع الربط القاري الأمريكي هذا اقتنصته إسرائيل على الفور، وأعلنت أن لديها من الدراسات ما يؤيده معتبرة أن زمن نقل البضائع عبر دول الخليج إلى ميناءي حيفا وأشدود ومنهما إلى الموانئ الأوروبية سيقلل بشكل كبير من تكاليف النقل الدولي.

لم تكن تلك هي المرة الأولى التى تعلن فيها إسرائيل عن مخططات منافسة لقناة السويس، فمنذ عدة سنوات أعلن نتنياهو ومن ميناء إيلات المطل على خليج العقبة بالبحر الأحمر أن إسرائيل تنوي ربط البحرين المتوسط والأحمر بخط سكك حديدية وأوتوستراد دولي يبدأ من إيلات لنقل البضائع من وإلى آسيا وأوروبا.

وفي ذات الإطار، أعلن عن مخططات تسويقية لاجتذاب الشركات العالمية للتوطن والعمل في هذه المنطقة، ومن ثم سيتيح ذلك اجتذاب كميات كبرى من التجارة والبضائع والحاويات بمختلف أنواعها للتشغيل والتداول والنقل عبر إسرائيل.

بذلك، فالعديد من المتغيرات والتطورات على الساحتين السياسية والاقتصادية العالمية باتت تفرض نفسها كواقع جديد يتطلب الاستجابة الفاعلة، والتنافس الدولي حتم على جميع الدول الاستعداد والاستجابة لتلك المتغيرات من أجل البقاء والاستمرار، وأصبحت المخططات السياسية للدول تسعى في جوهرها لخدمة الأهداف والمصالح الاقتصادية بشتى الطرق والأساليب.

الذى نتفق عليه جميعا أن قناة السويس العريقة بخبراتها وخبرائها قد استطاعت طوال العقود الماضية مواجهة العديد من التحديات وتجاوبت بنجاح مع التطورات الحديثة والمتلاحقة في تصميم وبناء السفن والناقلات بمشروعات متلاحقة لتعميق وتوسعة القناة وكذلك استيعابها، وكان مشروع قناة السويس الجديدة خير دليل على ذلك النجاح الذي عبر عنه تحقيق قناة السويس أكبر إيراد في تاريخها هذا العام.

في ذات الإطار المدرك للمخاطر والتهديدات، تنفذ الدولة خطتها الاستراتيجية في سيناء بإعادة تأهيل وإنشاء شبكة السكك الحديدية لسيناء بطول 500 كم، ويمتد الخط من الفردان حيث ستعبر قطارت السكك الحديدية فوق قناة السويس الأصلية والقناة الجديدة عن طريق كوبرى الفردان المعدني بقطاعيه القديم والجديد ليصل شمالا إلى ميناء شرق بورسعيد وبئر العبد.

وفي المرحلة الثانية، يتم مد خط السكك الحديدية حتى مدينة العريش ومن ثم ربط المدينة والميناء البحري والمطار المدني معا من خلاله، وفي المرحلة الثالثة يتم إنشاء خط سكك حديد جديد بين العريش ومدينة طابا مرورا بالمناطق الصناعية وسط سيناء ليصل أخيرا لمدينة طابا حيث يتم ربط النقل البحري مع الدول الخليجية الشقيقة والعراق والأردن عن طريق السكك الحديدية شمالا إلى ميناء العريش على البحر المتوسط.

أيضا هناك اعتبار استراتيجي هام أنه عندما نتحدث عن قناة السويس فإننا يجب أن نتناولها برؤية عالمية الأفق تتجاوز دورها التقليدي كممر ملاحي عالمي إلى دورها المستقبلي كمركز اقتصادي عالمي، يقوم على منظومة متكاملة من الأنشطة الاقتصادية والمشروعات الإنتاجية والصناعات التحويلية والتجميعية والإلكترونية وخدمات القيمة المضافة والخدمات اللوجيستية.

الشركات العالمية الكبرى والمستثمرون بمواردهم وإمكاناتهم الهائلة ستنعكس أنشطتهم الإنتاجية والاقتصادية واللوجيستية على الاقتصاد المصري إيجابيا، وهم من جانبهم سيحققون منافع اقتصادية كبرى بتواجدهم للاستثمار في تلك المنطقة الاستراتيجية، وبذلك نضمن ارتباط مصالحهم بمناطق التنمية والاستثمار وقناة السويس والموانئ المصرية.

النجاح في مجال الاقتصاد الدولي واللوجيستيات يمكن تعظيم مقوماته في قناة السويس والموانئ البحرية المصرية، شرط تنفيذ رؤية شاملة تربط بينها وبين قطاعات الاقتصاد الوطني والإقليمي والدولي، بحيث تخدمها قناة السويس والموانئ البحرية المصرية متكاملة معها، بما يحقق نمو الأنشطة الإنتاجية والاقتصادية وزيادة حركة النقل والتداول والمناولة والتخزين، بتطبيق مفاهيم النقل الدولي متعدد الوسائط واللوجيستيات وسلاسل الإمداد العالمية.

ليس علينا أن نتوجس خيفة من أي تحديات، طالما رصدناها مبكرا وتعاملنا معها بما تستحقه من استجابة وإجراءات وخطط تحقق المصلحة العليا للوطن.

ولا شك أن قناة السويس تمكنت طوال 153 عاما من أن تعزز مكانة مصر في قلب العالم وخلقت واقعا سياسيا وجغرافيا لا تحوزه دولة أخرى سوى مصر، ولذلك فعندما نتحدث عن قناة السويس فإننا نتحدث عن جزء لا يتجزأ من مقومات مصر الجيوبوليتيكية والاقتصادية حاضرا ومستقبلا.

("الشروق") المصرية

يتم التصفح الآن