بصمات

عَرَبُ "جوائز نوبِل": دروسٌ أوَّلِيَّة!

تَعَوَّدَت الشُّعوبُ العَرَبِيَّةُ منذ عُقودٍ على مُتابَعَةِ مُسْتَجِدّاتِ "جائزةِ نوبِل"، والتي يَتِمُّ الإِعْلانُ عَنْ نَتائِجِها في غُضونِ شَهْرِ أُكْتوبَرَ/تِشْرينَ الأَوَّلِ من كُلِّ سَنَة. وَكَما جَرَى في العُقودِ نَفْسِها، غَالِبًا ما تَكُونُ النَّتائِجُ الغِيابَ الكُلِّيَّ عَنِ الظَّفَرِ بِأَيِّ جائِزَةٍ، ولا يَتَعَلَّقُ الأَمْرُ بِنَتائِجَ مُخَيِّبَةٍ لِلْآمالِ، ما دامَ الأَمْرُ تَحْصيلَ حاصِلٍ بِتَعْبيرِ المَناطِقَةِ، أَخْذًا بِعَيْنِ الاِعْتِبارِ مُحَدِّداتٍ عِدَّةً، بِما في ذَلِكَ المُحَدِّداتُ السّياسيَّةُ وَالجِيوسياسِيَّة. لَكِنَّ هُناكَ مُحَدِّداتٍ تَهُـمُّ تَوَاضُعَ مُؤَشِّراتِ "اِقْتِصادِ المَعْرِفَةِ" في المِنْطَقَةِ العَرَبِيَّةِ، وَبِالتّالِي من الطَّبيعيِّ أَنْ تَكونَ النَّتائِجُ مَنْطِقِيَّةً مع تِلْكَ المُؤَشِّرات.

عَرَبُ

الاِسْتِثْناءُ الوَحيدُ يَهُـمُّ الفَوْزَ بِجائِزَةِ "نُوبِل لِلْآدابِ" أَوْ جائِزَةِ "نُوبِل لِلسَّلام". في الشِّقِّ الأَدَبيِّ، تَحَقَّقَ ذَلِكَ مع نَجيب مَحْفوظ عِنْدَما فَازَ بِهَا في نُسْخَةِ 1988، وَغابَ الأَدَبُ العَرَبِيُّ مُنْذُ تِلْكَ الحِقْبَةِ، مُقابِلَ أَنْ تَجِدَ نِّقاشٌ سنَوِيٌّ حَوْلَ احتِمالِ فَوْزِ أَحَدِ الأُدَباءِ العَرَب، وَغَالِبًا ما يَتِمُّ الحَديثُ عَنْ أَدونيس السّوريِّ أَوْ عَبْدِ الفَتّاح كيليطو المَغْرِبيِّ أَوْ أَسْماء أُخْرى. بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنِ المُحَدِّداتِ الَّتِي تَقِفُ وَراءَ تَرْشيحِ أَيِّ اِسْمٍ عَرَبيٍّ لِلْجائِزَةِ، لَكِنَّ الشّاهِدَ هُنا أَنَّ الحُضورَ العَرَبِيَّ في لائِحَةِ المُرَشَّحينَ خِلالَ العَقْدِ الماضي على سَبيلِ المِثالِ، يَهُـمُّ بِالدَّرَجَةِ الأُولى التَّنافُسَ في اللَّائِحَةِ الأَوَّلِيَّةِ الخاصَّةِ بِبابِ الآدَاب.

أَمّا في الشِّقِّ الخاصِّ بِالسَّلامِ، فَقَدِ اِسْتَبْشَرَ العَرَبُ خَيْرًا مع فَوْزِ المِصْرِيِّ مُحَمَّد البَرادِعي بِالجائِزَةِ عَامَ 2005، تَقْدِيرًا لِجُهودِهِ في مَنْعِ اِنْتِشارِ الأَسْلِحَةِ النَّوَوِيَّةِ وَتَشْجيعِ الاِسْتِخْدامِ السِّلْميِّ لِلطّاقَةِ النَّوَوِيَّةِ في "الوِكالَةِ الدَّوْليَّةِ لِلطّاقَةِ الذَّرِّيَّةِ" الَّتِي كانَ يَرْأَسُها حينَذاك. وَتَكَرَّرَ الإِنْجازُ العَرَبِيُّ عَامَ 2011 مع فَوْزِ اليَمَنِيَّةِ تَوَكُّل كَرْمان، وَالَّتِي بَرَزَ اِسْمُهَا خِلالَ أَحْداثِ 2011. وَلَكِنْ، حَتَّى نُقْطَةُ الضَّوْءِ هَذِهِ الَّتِي تَهُـمُّ الظَّفَرَ العَرَبِيَّ بِجائِزَةِ نوبِل لِلسَّلامِ تَعَرَّضَتْ لِلْخَدْشِ وَالتَّشَوُّهِ، مع الاِنْحِرافاتِ الَّتِي مَيَّزَتْ تَفاعُلَ تَوَكُّل كَرْمان، وَذاتَ صِلَةٍ بِأَحْداثِ السّاحَةِ العَرَبِيَّةِ، وَالَّتِي اِتَّضَحَ أَنَّها لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مَواقِفِ جَماعاتِ الإِسْلامِ السِّياسيِّ، كَما جَرَى مُنْذُ أَسابيعَ في السّاحَةِ المَغْرِبِيَّةِ، عِنْدَما اِنْخَرَطَتِ المَعْنِيَّةُ في تَرْويجِ خِطابِ الفِتْنَةِ وَالاِحْتِقان.

الفائزِون من أصول عربيّة بجائزة نوبل حصلوا عليها انطلاقًا من أبحاث قاموا بها في المختبرات العلميّة الغربِيّة

إِذَا كَانَ مُتَوَقَّعًا الغِيابُ العَرَبِيُّ عَنِ الظَّفَرِ بِجَوائِزِ نوبِل في الطِّبِّ وَالفيزْياءِ وَالكيمْياءِ وَالاِقْتِصادِ، فَإِنَّ هُناكَ وَجْهًا آخَرَ لِلْعُمْلَةِ، يَقْتَضِي أَنْ نَأْخُذَ بِعَيْنِ الاِعْتِبارِ دَلَالَةَ فَوْزِ بَعْضِ الأَسْماءِ العِلْمِيَّةِ العَرَبِيَّةِ بِتِلْكَ الجَوائِزِ، لَكِنْ بِجِنْسِيَّةٍ غَرْبيَّةٍ، أَميرْكيَّةٍ على الخُصوصِ، مع أَنَّهُمْ عَرَبٌ أَسَاسا. وَلَا يَتَعَلَّقُ الأَمْرُ بِإِنْجازاتِ عُلَماءَ من أُصولٍ عَرَبيَّةٍ اِزْدادوا في السّاحَةِ الغَرْبِيَّةِ، وَإِنَّما بِعُلَماءَ عَرَبٍ اِزْدادوا في المِنْطَقَةِ العَرَبيَّةِ بِالتَّحْديدِ، لَكِنَّهُمْ هاجَروا بِهَدَفِ البَحْثِ عَنْ آفاقٍ عِلْميَّةٍ أَرْحَبَ، من مُنْطَلَقِ الإِكْراهاتِ اللَّصيقَةِ بِتَواضُعِ مُؤَشِّراتِ "اِقْتِصادِ المَعْرِفَةِ" سالِفَةِ الذِّكْرِ، في إِطارِ ما يُصْطَلَحُ عَلَيْهِ مُنْذُ عُقودٍ بِظاهِرَةِ "هِجْرَةِ الأَدْمِغَةِ"، سَواءٌ هَمَّتْ هِجْرَةُ طاقاتٍ بَحْثِيَّةٍ عَرَبِيَّةٍ نَحْوَ الدِّيارِ الأُوروبيَّةِ أَوِ القارَّةِ الأَميرْكيَّةِ، ضِمْنَ نَماذِجَ أُخْرَى تَهُـمُّ طاقَاتٍ هاجَرَتْ إلى اليابانِ أَوِ الصّينِ أَوْ حَتَّى أُسْتْرالْيا، ما دامَتْ أَرْضُ اللَّهِ العِلْميَّةُ واسِعَة.

يَتَعَلَّقُ الأَمْرُ على الأَقَلِّ بِأَحْمَد زوَيْل الفائِزِ بِالجائِزَةِ سَنَةَ 1999 في حَقْلِ الكِيمْياءِ، وَهُوَ عالِمٌ أَميرْكيٌّ من أَصْلٍ مِصْرِيٍّ، وَمُنْجي الباوُنْدي وَهُوَ كِيمْيائيٌّ فَرَنْسيٌّ ــ أَميرْكِيٌّ من أَصْلٍ تونُسيٍّ، الفائِزِ بِجائِزَةِ نوبِل لِلْكِيمْياءِ عَامَ 2023، وَعُمَرَ ياجي الفائِزِ بِجائِزَةِ نوبِل لِلْكِيمْياءِ مُؤَخَّرًا (2025)، وَهُوَ أَميرْكيٌّ ــ سُعوديٌّ من أَصْلٍ فِلَسْطينِيٍّ ــ أُرْدُنِّيّ.

وَواضِحٌ أَنَّ الفائِزِينَ الأَجانِب من أُصولٍ عَرَبِيَّةٍ، بِهَذِهِ الجائِزَةِ أَوْ تِلْكَ، حَصَلوا عَلَيْهَا اِنْطِلاقًا من أَبْحاثٍ قاموا بِها في المُخْتَبَراتِ العِلْميَّةِ الغَرْبِيَّةِ، وَلَيْسَ في المُخْتَبَراتِ العِلْميَّةِ العَرَبِيَّةِ، مع أَنَّهُمْ أَبْناءُ التَّعْليمِ العَرَبيِّ، وَأَغْلَبُهُمْ مَرَّ مِنَ المُؤَسَّساتِ التَّعْليميَّةِ العَرَبِيَّةِ، لَكِنَّ تَراكُمَ أَسْبابٍ عِدَّةٍ يَقِفُ وَراءَ اِحْتِسابِ جِنْسِيَّةِ الفائِزِينَ على الدُّوَلِ الغَرْبِيَّةِ الَّتِي اِحْتَضَنَتْ هَذِهِ الأَسْماء.

أحد أسباب التفوُّق الإسرائيلي يكمن في احتلال رتبة عالميّة في الميزانيّة المُخصّصة للبحث العلمي

من بَيْنِ تِلْكَ الأَسْبابِ، تَوَاضُعُ مِيزانِيّاتِ الاِسْتِثْمارِ العربي في البَحْثِ العِلْميّ. وَيَجِبُ التَّذْكيرُ هُنا، ما دامَتِ المِنْطَقَةُ تَمُرُّ من مَرْحَلَةِ ما بَعْدَ إِنْهاءِ الحَرْبِ في غَزَّةَ مع تَوْقيعِ اِتِّفاقِ 13 أُكْتوبَر/تِشْرينَ الأَوَّلِ 2025 في مِصْرَ، بِأَنَّ أَحَدَ أَسْبابِ التَّفَوُّقِ الإِسْرائيليِّ يكْمُنُ في اِحْتِلال الكيان رُتبَةً عالميّةً في المِيزانِيَّةِ المُخَصَّصَةِ لِلْبَحْثِ العِلْمِيِّ، وَالأَمْرُ نَفْسُهُ مع تَصْنيفِ الجامِعاتِ في الكِيانِ نَفْسِهِ، حَيْثُ تُوجَدُ ضِمْنَ الصُّفوفِ الأُولَى عالَميًّا، كَما أَكَّدَ ذَلِكَ مُؤَخَّرًا تَصْنِيفُ "شَنْغَهاي" لِعامِ 2025.

هِيَ مَسْأَلَةُ قَرارٍ سِياسِيٍّ لَا يَخْرُجُ بَدَوْرِهِ عَنْ مُعْضِلَةِ السِّيادَةِ في شِقِّهَا العِلْميِّ، وَالتي تَتَطَلَّبُ الأَخْذَ بِعَيْنِ الاِعْتِبارِ إِكْراهاتِ المُحَدِّداتِ الجِيوسِياسيَّةِ الَّتي قَدْ تَتَذَرَّعُ بِها بَعْضُ الحُكوماتِ العَرَبِيَّةِ في سِياقِ الدِّفاعِ أَوْ تَبْريرِ هَذِهِ الفَوارِقِ ذاتِ الصِّلَةِ بِمُؤَشِّراتِ البَحْثِ العِلْميّ. لَكِنَّ الحُكوماتِ نَفْسَهَا، تَمْلِكُ هَوامِشَ لِلْمُناوَرَةِ في تِلْكَ السِّياقاتِ الجيوسِياسيَّةِ المُرْتَبِطَةِ بِحِقْبَةِ ما بَعْدَ الاِسْتِعْمارِ، كَما أَكَّدَتْ ذَلِكَ بَعْضُ تَداعِياتِ الجائِحَةِ، لِكَيْ نَعودَ مُجَدَّدًا إلى مُحَدِّدِ الإِرادَةِ السِّياسيَّةِ لِلْحُكوماتِ العَرَبِيَّةِ.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن