اَلتَّنافُسُ الحادُّ القائِمُ بَيْنَ اِتِّجاهَيْنِ مُتَضادَّيْنِ داخِلِيًّا وَخارِجِيًّا، إِقْليمِيًّا وَدَوْلِيًّا على التَّأْثيرِ في القَرارِ السَّعوديِّ من عَمَلِيَّةِ التَّطْبيعِ "السِياسيّ" مع إِسْرائيل، سَيَكونُ لَهُ آثارٌ خَطيرَةٌ على القَضِيَّةِ الفِلَسْطينيَّةِ والمنطَقَةِ لَنْ تَقِلَّ بِأَيِّ حالٍ مِنَ الأَحْوالِ عَنِ الآثارِ الَّتِي بَدَّلَتْ وَجْهَ الشَّرْقِ الأَوْسَطِ، بَعْدَ تَوْقيعِ مِصْرَ اِتِّفَاقِياتِ "كامْب ديفيد" وَخُروجِهَا من ساحَةِ الصِّراعِ "العسكريّ" مع إِسْرائيل.
اِشْتِدادُ التَّنافُسِ يَرْتَبِطُ ظَرْفِيًّا بِتَطَوُّرَيْنِ مُهِمَّيْنِ:
- التَّطَوُّرُ الأَوَّلُ هُوَ التَّصْويتُ الأُمَمِيُّ المُتَوَقَّعُ خِلالَ الشَّهْرِ الجَاري على مَشْروعٍ أَميرْكيٍّ مُقَدَّمٍ إلى مَجْلِسِ الأَمْنِ بِشَأْنِ غَزَّةَ سَيَقودُ عَمَلِيًّا إلى تَصْفيةِ القَضِيَّةِ الفِلَسْطِينِيَّة.
- التَّطَوُّرُ الثَّاني هو زِيارَةٌ يَقومُ بِها وَلِيُّ العَهْدِ السَّعودِيُّ الأَميرُ مُحَمَّد بِنْ سَلْمَان (King IN Waiting) إلى البَيْتِ الأَبْيَضِ في 18 من هَذَا الشَّهْرِ أَيْضًا. هَذِهِ الزِّيارَةُ قَدْ تَكونُ حاسِمَةً في تَحْديدِ لَيْسَ فَقَطْ مَسارَ التَّحالُفِ الاِسْتْراتيجيِّ القائِمِ بَيْنَ البَلَدَيْنِ مُنْذُ لِقاءِ "عَبْدِ العَزيزِ – روزْفِلْت" عامَ 1943، وَلَكِنْ أَيْضًا في تَحْديدِ لِمَنْ سَيُكْتَبُ الاِنْتِصَار؟ لِلْمُبادَرَةِ العَرَبِيَّةِ الَّتي كانَتْ أَصْلًا مُبادَرَةً سَعودِيَّةً بِمُبادَلَةِ السَّلامِ بِالأَرْضِ لِتُقامَ عَلَيْهَا الدَّوْلَةُ الفِلَسْطينيَّةُ على حُدودِ 4 يُونْيو/حُزَيْران 1967؟ أَمْ لِمَشْروعِ "نِتَنْياهو – تْرامْب" الَّذِي يَعْني إِزاحَةَ القَضِيَّةِ الفِلَسْطينِيَّةِ مِنَ الطَّريقِ وَمُبادَلَةَ السَّلامِ بِالتَّطْبيعِ الإِبْراهِيمِيّ!.
البديل عن الاستسلام للتأثير الأميركي والإسرائيلي هو التأثير العربي والإسلامي لكي تتمسّك الرياض بعدم التطبيع
تَقْديرُ المَوْقِفِ هَذا يَتَفاعَلُ مع مَسيرَةِ الدَّفْعِ الأَميرْكيِّ لِلرِّياضِ مُنْذُ وِلايَةِ تْرامْب الأُولى إلى التَّطْبيعِ العَلَنيِّ الكامِلِ والاِنْضِمامِ إلى الاِتِّفاقِيّاتِ الإِبْراهيميَّةِ، والَّذِي كادَ أَنْ يَتِمَّ في إِدارَةِ بايْدِن بِمَشْروعِ "مَمَرِّ بَهَارات" بِبِناءِ خَطِّ سِكَكٍ حَديديَّةٍ من السَّعودِيَّةِ إلى الهِنْدِ عَبْرَ إِسْرائيل، حَتّى جاءَ "طوفانُ الأَقْصى". هَذَا الطّوفانُ لَمْ يُوقِفْ فَقَط التَّطْبيعَ مع السَّعودِيَّة، وَلَكِنَّهُ جَلَبَ شُروطًا "عَلَنِيَّةً" أَوْضَحَ مِنَ السَّعودِيَّةِ إِذْ تَبَيَّنَ أَنَّ تَجَاوُزَ قَضِيَّةِ فِلَسْطِينَ غَيْرُ واقِعيٍّ وأنَّ التَّطْبيعَ مَرْبوطٌ بِمَسارٍ مَوْثوقٍ لا رَجْعَةَ فيهِ لِقِيامِ الدَّوْلَةِ الفِلَسْطينيَّةِ وَتَنْفيذِ المُبادَرَةِ العَرَبِيَّةِ الَّتِي رَفَضَتْها إِسْرائيل مُنْذُ 2002 وَحَتَّى الآنَ.
لَكِنَّ الإِسْرائيليّينَ والأَميرْكيّينَ يُسَرِّبونَ حالِيًّا مَعْلوماتٍ مُفادُهَا أَنَّ الرِّياضَ قَدْ تَتَخَلّى عَنْ هَذِهِ الشُّروطِ وَتَعودُ إلى مَوْقِفِها قَبْلَ "طوفانِ الأَقْصى" في رَبْطِ التَّطْبيعِ فَحَسْبُ، بِتَحْسينِ الأَحْوالِ المَعيشيَّةِ لِلْفِلَسْطينيّينَ وَتَجْميدِ الاِسْتيطانِ في مَناطِقَ بِالضَّفَّة. تَسْتَنِدُ هَذِهِ التَّسْريباتُ إلى ما تَزْعُمُ أَنَّ نِتَنْياهو أَسْقَطَ "الفيتوَ الإِسْرائيليَّ" على مَطالِبَ رَئيسِيَّةٍ لِلرِّياضِ من واشِنْطُن، تَسْهِيلًا لِعَمَلِيَّةِ التَّطْبيعِ وَهِيَ:
1 - إِمْدادُها بِتِكْنولوجْيا عَسْكَرِيَّةٍ مُتَطَوِّرَة "مِثْل طائِراتِ إِفْ 35" وإنْ بِنُسْخَةٍ أَقَلَّ تَقَدُّمًا مِمّا لَدى إِسْرائيل.
2 - مُساعَدَتُها على بِناءِ مَشْروعٍ نَوَويٍّ يَتِمُّ تَخْصيبُ اليورانْيوم فيهِ على الأَراضي السَّعودِيَّةِ، "إِذْ يَجْري الحَديثُ عَنْ مُوافَقَةٍ أَميرْكيَّة، وَلَكِنْ في صيغَةِ مُنْشَأَةٍ لِلتَّخْصيبِ في السَّعودِيَّةِ يُشْرِفُ عَلَيْهَا خُبَراءُ أَمِيرْكِيّونَ يَتَأَكَّدونَ من سِلْمِيَّةِ المَشْروعِ أَيْ إِبْقاءِ اِحْتِكارِ السِّلاحِ النَّوَويِّ في يَدِ إِسْرائيل".
3 - تَوْقيعُ اِتِّفاقِيَّةِ دِفاعٍ مُشْتَرَكٍ تَتَعَهَّدُ فيها واشِنْطُن بِالدِّفاعِ عَنِ المَمْلَكَةِ كالدِّفاعِ عَنْ حُلَفائِها في "النَّاتو" على غِرارِ مَا تَمَّ مُؤَخَّرًا مع قَطَر.
تَقْديرُ المَوْقِفِ هَذا هُوَ مُحاوَلَةٌ لِتَبْديدِ الزَّعْمِ بِأَنَّهُ لا توجَدُ بَدائِلُ لِلنِّظامِ العَرَبيِّ أَمامَ سَطْوَةِ واشنطن، وَلِلتَّأْكيدِ أَنَّ هُناكَ خَياراتٍ في حَوْزَةِ العرب حَتّى بِمَعاييرِ السِّياسَةِ الواقِعِيَّةِ، وَأَنَّ هُناكَ بَدائِلَ مُمْكِنَةً تُحافِظُ على الحَدِّ الأَدْنى مِنَ الحُقوقِ الفِلَسْطينيَّةِ والحَدِّ الأَدْنى مِنَ الأَمْن الجَماعيّ العَرَبيّ من دونِ إِهْدارِ المَصالِحِ القُطْرِيَّةِ كَما تَتَصَوَّرُها النُّخْبَةُ الحاكِمَةُ لِكُلِّ بَلَدٍ عَرَبيّ.
وهُو بِالتّالِي يَسْتَنِدُ إلى فِكْرَةِ أَنَّ الاِسْتِسْلامَ لِلتَّأْثيرِ الأَميرْكيِّ والإِسْرائيليِّ الساعي لِاِخْتِطافِ السَّعودِيَّةِ إلى المَسارِ الإِبْراهيميِّ بِالطَّريقَةِ الَّتِي تَمَّتْ في 2020، هُوَ اِسْتِسْلامٌ لِهَزِيمَةٍ مُبَكِّرَةٍ وَأَنَّ البَديلَ هُوَ الاِسْتِمْرارُ في التَّأْثيرِ والتَّنافُسِ العَرَبيِّ وَالإِسْلاميِّ على الرِّياضِ لِكَيْ تَتَمَسَّكَ بِمَوْقِفِ عَدَمِ التَّطْبيعِ، إِلّا بَعْدَ تَعَهُّدٍ مُلْزِمٍ بِقَرارٍ أُمَمِيٍّ لِمَسارٍ مَوْثوقٍ بِما في ذَلِكَ إِزالَةُ المُسْتَوْطَناتِ في إِطارٍ زَمَنيٍّ صارِمٍ كَطَريقٍ لِتَطْبيقِ مُبادَرَةِ الحَدِّ الأَدْنى أَيِ المَبادَرَةِ العَرَبِيَّة. لِماذا يَسْتَحِقُّ الأَمْرُ المُحاوَلَةَ؟ لِأَنَّ تَطْبيعَ السَّعودِيَّةِ، بَلَدِ الحَرَمَيْنِ الشَّريفَيْنِ، بِرَمْزِيَّتِها الدِّينِيَّةِ وَقُوَّتِها الاِقْتِصادِيَّةِ وَدَوْرِها في سُوقِ النِّفْطِ العالَمِيَّةِ يَعْنِي اِنْهِيارَ كُلِّ الحَواجِزِ وانْضِمامَ باقِي الدُّوَلِ إلى التَّطْبيعِ وَنِهايَةَ القَضِيَّةِ الفِلَسْطينيَّةِ وَدَفْنَها إلى الأَبَد.
كُلّما طال احتفاظ المُفاوض السعوديّ بورقة التطبيع التفاوضية كُلّما تمكّن من الحصول على مكاسب أكثر
مَا يَجْعَلُ مُقاوَمَةَ اِنْفِرادِ أَميرْكا بِالسَّعودِيَّةِ والتَّنافُسِ على التَّأْثيرِ واجِبًا أَمامَ التّارِيخِ لِيَتَحَمَّلَ كُلُّ طَرَفٍ مَسْؤولِيَّتَهُ أَنَّ التَّطْبيعَ لَمْ يَكُنْ قَرارًا سَهْلًا على السَّعودِيَّةِ كَمَا كانَ على الدُّوَلِ الأَرْبَعِ التي وَقَّعَتْ سابِقًا، وَمَا زالَ قَرارًا صَعْبًا لِلْعَوامِلِ الآتِيَة:
* لِأَسْبابٍ تَتَعَلَّقُ بِدَوْرِها الإِسْلاميِّ إِذْ بَنَتِ السَّعودِيَّة إِرْثًا مِنَ الخِطابِ السِّياسيِّ وَوَضَعَتْ لِنَفْسِها صُورَةَ (image) المُدافِعَةِ عَنِ القُدْسِ والمَسْجِدِ الأَقْصى ثالِثِ الحَرَمَيْنِ وَأولى القِبْلَتَيْن. هَذَا الإِرْثُ لَمْ يَكُنْ مُؤَثِّرًا في صُنْعِ دَوْرِها في العالَمِ الإِسْلاميِّ والعَرَبيِّ فَحَسْبُ، وَلَكِنْ في وَعْيِ أَجْيالٍ من شَعْبِها، ويتعدى التَّخَلِّي عَنْ هَذَا الإِرْثِ السِّياسيِّ مَسْأَلَةُ المِصْداقِيَّةِ السِّياسِيَّة.
* إِذا أُضِيفَتْ إلى ذَلِكَ اِسْتِطْلاعاتُ الرَّأْيِ التي تَقولُ إِنَّ نَحْوَ 80% مِنَ الشَّعْبِ السَّعودِيِّ لَدَيْهِ نُفورٌ مِنَ التَّطْبيعِ، قَبْلَ حَلِّ القَضِيَّةِ الفِلَسْطينيَّةِ فَإِنَّ مَسْأَلَةَ التَّطْبيعِ السَّريعِ تَتَحَوَّلُ إلى قَضِيَّةٍ داخِلِيَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِاِسْتِقْرارِ النِّظامِ السِّياسيِّ في المُسْتَقْبَل.
* الطُّموحُ السَّعودِيُّ لِتَوَلّي دَوْرٍ قِياديٍّ في الإِقْليمِ هُوَ عُنْصُرٌ رادِعٌ لِلِاِنْدِفاعِ نَحْوَ تَطْبيعٍ "على أَساسِ المَصالِحِ الثُّنائِيَّةِ مع إِسْرائيل"، بِفَرْضِ وُجودِها. السَّعودِيّون يَعْرِفونَ أَكْثَرَ من غَيْرِهِمْ أَنَّ الحُصولَ على هَذا الدَّوْرِ اِرْتَبَطَ تاريخِيًّا بِالقَضِيَّةِ الفِلَسْطينيَّةِ، وانَّ أَحَدَ أَسْبابِ قِيادَةِ مِصْرَ لِلْإِقْلِيمِ - حَتَّى زِيارَةِ الساداتِ إلى القُدْسِ عام 1977- نَبَعَ من تَضْحِياتِها في القَضِيَّةِ الفِلَسْطينيَّةِ وَخَوْضِها لِأَرْبَعِ حُروبٍ من أَجْلِها.
* اَلتَّطْبيعُ مع إِسْرائيل هُوَ أَهَمُّ وَرَقَةٍ تَفاوُضِيَّةٍ مع الأميركيّين، وَكُلَّما طالَ اِحْتِفاظُ المُفاوِضِ السَّعودِيِّ بِهَا إلى صَدْرِه، وَعَدَمُ إِلْقائِها على المائِدَةِ كُلَّما تَمَكَّنَ مِنَ الحُصولِ على مَكاسِبَ أَكْثَرَ لِنَفْسِه، وَكُلَّما ساعَدَ المَجْموعَةَ السُّباعِيَّةَ العَرَبِيَّة - الإِسْلامِيَّةَ وَهُوَ عُضْوٌ فيها، على إِعادَةِ صِياغَةِ مَشْروعِ تْرامْب لِمَجْلِسِ الأَمْنِ المُتَماهي - بِاعْتِرافِ إِسْرائيليّين - مع أَهْدافِ نِتَنْياهو في القَضاءِ على فِكْرَةِ الاِسْتِقْلالِ الفِلَسْطينيِّ والدَّوْلَةِ الفِلَسْطينيَّة.
(خاص "عروبة 22")

