على الرغم من الضغط الكبير الذي تمارسه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمنع اتفاق وقف النار في غزة من الانهيار، إلا أنه يواجه الكثير من العُقد والعقبات نتيجة التعنت الاسرائيلي ومحاولة وضع العراقيل في طريق المباحثات مما يحول دون الشروع في المرحلة الثانية. ويجهد الوسطاء العرب من أجل إيجاد الحلول وتدوير الزوايا للدفع قدمًا في حسم الملفات الاساسية العالقة خصوصًا ما يتعلق بـ"اليوم التالي" وإعادة الإعمار وانسحاب قوات الاحتلال التي لا تزال تفرض سيطرتها على ما يُقارب الـ53% من مساحة القطاع. أما الوضع الانساني، فحدث ولا حرج، بسبب تعمّد تل أبيب استخدام الغذاء كسلاح حرب وتمنعها عن ادخال المساعدات بالكميات المُتفق عليها ناهيك عن تحكمها بالأصناف والأنواع التي تسمح بعبورها مع عرقلة العديد من الشحن التي تحمل مستلزمات طبية وصحية.
وسبق للعديد من المنظمات الأممية والانسانية أن أطلقت أكثر من رسالة تحذيرية ودعوات فورية لتطبيق مضامين الاتفاق، إلا أنها فشلت في تغيير الواقع المُعاش للسكان الذين يعانون الأمرين بظل الانتهاك اليومي لوقف النار ونسف ما تبقى من المباني والقيام باستهدافات ممنهجة داخل القطاع مما يحول دون الشعور بالأمن والتخوف من عودة شبح الحرب في أي لحظة. هذا وتستمر حركة "حماس" بالبحث عمن تبقى من رفات الأسرى الاسرائيليين (4 قتلى)، الذين تستخدمهم تل أبيب كحجة وتربط مصير المفاوضات بتسليم جميع الجثث، في وقت تواجه العملية عوائق عديدة بسبب حجم الركام والأنقاض وعدم وجود الآليات المطلوبة. وأمام هذا المشهد المُعقد، تُعقد المؤتمرات واللقاءات والزيارات الاميركية المتزايدة إلى اسرائيل لحضها على عدم القيام بأي "مغامرة" غير مدروسة خاصة أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته من اليمين المتطرف يرفضون مساعي السلام ويصعّدون خطواتهم في أكثر من اتجاه. وتسعى واشنطن إلى ان يستمر الوضع الراهن رغم هشاشته ولهذا تعمل من أجل إصدار قرار في مجلس الأمن يدعم نشر قوة أمنية دولية في غزة.
وفي هذا السيّاق، أعرب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو عن تفاؤله، قائلًا "أعتقد أننا نحرز تقدمًا جيدًا في صياغة القرار (في مجلس الأمن)، ونأمل بأن نتخذ إجراء بشأنه قريبًا جدًا". وإذ أكد أن الولايات المتحدة تتحدث مع دول مختلفة حول سبل "موازنة مصالحها هنا، وطرق تنظيم ذلك بما يتجاوز القوة الأمنية". لفت إلى أن نشر قوة دولية في القطاع الفلسطيني هو أمر حاسم للسماح بدخول المزيد من المساعدات إليه وتهميش "حماس". وتواجه هذه القوات، التي تعتبر جزءًا رئيسيًا من خطة ترامب للقطاع، عددًا من المشاكل وأهمها صعوبة في إيجاد دول مستعدة لإرسال قوات إلى القطاع بسبب عدم توافر الظروف الأمنية الداعمة. ومن هنا أفادت صحيفة "إسرائيل هيوم" بأن مستشار البيت الأبيض وصهر الرئيس الأميركي، جاريد كوشنر، والجيش الإسرائيلي يعملان معًا على وضع خطط طوارئ لقطاع غزة في حال تعثر الأمور. أما صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، فقد نقلت عن رئيس أركان الجيش، إيال زامير، في اجتماع مجلس الوزراء الأمني الأسبوع الماضي، إشارته إلى أن الجيش يُعدّ خطة بديلة لخطة ترامب، وأنه "سيعرضها قريبًا على وزراء المجلس".
الخطوات الأميركية تتزامن مع دور متسارع لمصر وتركيا من أجل تحسين الأوضاع وتثبيت وقف النار. وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره المصري بدر عبد العاطي عقب الاجتماع الأول لمجموعة العمل المشتركة التركية المصرية في أنقرة أمس، إنه "يجب أن يكون هناك إطار قانوني بشأن قوة الاستقرار الدولية المنتظر نشرها في غزة بموجب خطة ترامب للسلام"، لافتًا إلى أن "حماس" أظهرت رغبة في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، مطالبًا إسرائيل بأن تبدي الرغبة نفسها من جانبها. بدوره، شدد عبد العاطي على أن التأكد من التزام الطرفين باتفاق وقف إطلاق النار في غزة "لن يتحقق إلا بوجود قوة الاستقرار الدولية"، مشيرًا إلى أن القرار الذي سيصدر عن مجلس الأمن بشأن قطاع غزة "سيكون شديد الأهمية، ولا بد من صياغته بعناية".
في موازاة ذلك، تتصاعد التوترات في منطقة رفح بسبب قضية مقاتلي الحركة العالقين في الأنفاق، والذين يُقدر عددهم بين 150 - 200 مقاتل، في وقت دخلت واشنطن على خط الأزمة من خلال عرضها تسوية لا تلقى اي قبول من الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني حتى الساعة. تزامنًا، أعلن جيش الاحتلال في بيان له، مساء أمس الأربعاء، أن قواته رصدت 4 مسلحين في رفح، وقتلت 3 منهم، دون وقوع إصابات في صفوف الجنود. ونقلت القناة الـ15 الإسرائيلية عن مصادر عسكرية أن الفلسطينيين الأربعة "يُرجح أنهم جزء من عناصر "حماس" العالقين في أنفاق رفح". هذا وتستمر الخروقات اليومية على وقع انتشال المزيد من جثث الفلسطينيين التي كانت عالقة تحت الانقاض. ومنذ دخول وقف إطلاق النار في 11 تشرين الأول/أكتوبر2025 حيّز التنفيذ، تم تسجيل 245 شهيدًا و627 إصابة، بالإضافة إلى انتشال 532 جثمانًا من تحت الركام.
على المقلب الأخر، بدا بارزًا مطالبة الرئيس ترامب "رسميًا" بالعفو عن نتنياهو الذي يواجه تهم تتعلق بالرشوة والفساد. فبعد مطالبته الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بذلك خلال زيارته الأخيرة إلى تل أبيب، قام أمس بإرسال رسالة خطية ورد فيها "أعتقد أن هذه القضية ضد بيبي (نتنياهو) الذي ناضل إلى جانبي طويلًا بما في ذلك ضد عدو إسرائيل اللدود إيران، هي محاكمة سياسية غير مبررة". وتابع قائلًا "حان الوقت لندع بيبي يوحد إسرائيل بالعفو عنه وإنهاء هذا الصراع القانوني نهائيًا". كما أشار في رسالته إلى أن نتنياهو "منخرط في عملية التواصل مع قادة الشرق الأوسط الرئيسيين لضم العديد من الدول الأخرى إلى اتفاقات أبراهام". من جانبه، ردّ مكتب هرتسوغ "ببرود" وأكد أن أي شخص يسعى للحصول على عفو رئاسي عليه أن يقدم طلبًا رسميًا وفقًا للإجراءات المعمول بها.
ومن الاوضاع الفلسطينية إلى لبنان الذي يواجه ملفات حساسة وحاسمة، لاسيما بظل ما نقل عن تخوف فرنسي من انزلاق الأمور إلى ما لا تحمد عقباه. ولهذا قرر الرئيس ايمانول ماكرون إرسال مستشارته لشؤون الشرق الأوسط والعالم العربي آن كلير لوجاندر إلى بيروت للتعرف عن كثب على التطورات الجارية وذلك من خلال عقد مجموعة من اللقاءات خاصة أن البلاد تمر بمنعطف شديد الخطورة بسبب الانقسام الحاد حول سلاح "حزب الله" والاعتداءات الاسرائيلية المتصاعدة. وبإنتظار ما ستؤول اليه الحركة الدبلوماسية النشطة، شدد رئيس الجمهورية جوزاف عون على أن "منطق القوة لم يعد ينفع، وعلينا أن نذهب إلى قوة المنطق"، معلنًا أن "لبنان لم يتلقَ موقفًا أميركيًا واضحًا بعد بشأن مبادرته للتفاوض لتحرير الأراضي المحتلة". ورأى وصول السفير الأميركي الجديد (ميشال عيسى) إلى بيروت قد يحمل معه الجواب الإسرائيلي" وعندما "نصبح أمام قبول مبدئي، نتحدث حينها عن شروطنا".
وتتمسك الحكومة اللبنانية بخيار التفاوض غير المباشر من أجل التوصل إلى اتفاق قد يمنع انفجار الأوضاع والمزيد من التصعيد العسكري ولكنها حتى الساعة تلقى "إهمالًا" متعمدًا من قبل تل أبيب التي تمارس ضغوطًا كبيرة وتواصل انتهاكاتها لقرار وقف إطلاق النار فيما يرفض "حزب الله" أي تفاوض سياسي جديد مع تل أبيب ويتمسك بسلاحه. من جهته، جدد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، مطالبته إسرائيل بالانسحاب الكامل من جميع المناطق الواقعة شمال الخط الأزرق، بما في ذلك بلدة الغجر والمنطقة المجاورة. وخلال تسليمه تقريره الدوري بشأن تنفيذ القرار 1701 إلى أعضاء مجلس الأمن، أمس الأربعاء، دعا إسرائيل إلى وقف فوري للتحليقات الجوية فوق الأراضي اللبنانية. كما أكد أن احتكار السلاح يجب أن يكون بيد الدولة اللبنانية وحدها، مشددًا على ضرورة ممارسة سيادتها الكاملة على أراضيها.
في إطار مختلف، أظهرت النتائج الأولية في العراق أن كتلة رئيس الوزراء الحالي محمد السوداني حققت تقدمًا ملحوظاً في الانتخابات التي أجريت، يوم الثلاثاء. وكان السوداني أعلن "النصر" وقال للجموع الغفيرة من مناصريه الذين اجتمعوا في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد "نبارك لكم فوز ائتلافكم بالمرتبة الأولى في انتخابات مجلس النواب". وأكّد أن "منهج عمل الائتلاف سيراعي في المرحلة القادمة إرادة كل الناخبين ومصلحة كل أبناء شعبنا، من ضمنهم من اختار المقاطعة، فالعراق للجميع أولّاً وأخيراً". هذا ومن المتوقع أن تصل مجمل المقاعد الشيعية في البرلمان باحتساب مقاعد السوداني إلى أكثر من 170 مقعدًا بانتظار حسم الأرقام مع إعلان النتائج النهائية. وكانت مفوضية الانتخابات لفتت إلى أن نسبة المشاركة في التصويت بلغت 56.11% بعد وصول نتائج 99.98% من محطات الاقتراع، مشيرة إلى أن نتائج العدّ والفرز اليدويين للأصوات كانت متطابقة 100%.
إيرانيًا، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على أفراد وكيانات في عدة دول مرتبطة بدعمهم إنتاج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة الإيرانية، وذلك ضمن ضغوطها المستمرة على طهران. وقالت وزارة الخزانة الأميركية، في بيان، إن عقوبات اليوم تستهدف ما مجموعه 32 فردًا وكيانًا، في إيران والإمارات وتركيا والصين وهونغ كونغ والهند وألمانيا وأوكرانيا، مشيرة إلى أنهم يديرون شبكات مشتريات متعددة. وهذه الخطوات الاميركية تتزامن مع جمود في المفاوضات مع الجانب الاميركي والفشل في التوصل إلى اتفاق جديد. في وقت جددت الوكالة الدولية للطاقة الذرية دعوتها إيران للسماح لها بالتحقق من مخزوناتها من اليورانيوم وخصوصًا عالي التخصيب، مشيرة إلى أن عملية التحقق "تأخرت كثيرًا" وأن هناك انقطاعًا لديها في المعلومات "المتعلقة بكميات المواد النووية المعلنة سابقًا في إيران داخل المنشآت المتضررة".
على المقلب السوداني، أدانت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى تصاعد العنف في السودان، حيث تسبب النزاع بين الجيش و"قوات الدعم السريع" في "أكبر أزمة إنسانية في العالم"، بحسب ما نقلته "وكالة الصحافة الفرنسية". في الأثناء، أعلن "الدعم السريع"، في بيان، أنه بسط سيطرته الكاملة على 3 محاور في بابنوسة بولاية غرب كردفان ويحكم الحصار على مقر الفرقة 22 فيها وسط مناشدات انسانية لحماية المدنيين العُزل ووقف جرائم التطهير والإبادة التي تنتشر على نطاق واسع. في الشؤون الدولية، أقر الكونغرس الأميركي مشروع قانون يمكنه أن ينهي أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة، والذي استمر مدة 43 يومًا، معطلًا قطاعات عدة من الاقتصاد الأميركي.
هذه التطورات وغيرها أفردت لها الصحف العربية الصادرة اليوم مساحة في عناوينها ومقالاتها، وإليكم أبرز ما تضمنته:
رأت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "الرئيس الأمريكي يردد كثيرا أنه لو أن "حماس" خالفت او اخترقت خطة وقف اطلاق النار فى غزة فإننا سوف ندمرها، ونقضي عليها، ولكنه لم يحذر ولو مرة واحدة إسرائيل التي تخترق واخترقت الاتفاق كل يوم عدة مرات". وأضافت " إذن ترامب هو الذي اعطى اسرائيل اكثر مما ينبغى عسكريًا وسياسياً، وهو الذي يدعمها فى معظم المحافل الدولية ويوفر لها الحماية في مجلس الامن الدولى حتى وان استخدم "الفيتو" ضد اي قرارات دولية ضدها، ويوفر الحماية والدعم المعنوي الكبير لنتنياهو... لأنه من وجهة نظر ترامب،لا ترتكب اسرائيل اي جرائم ولا تقتل ولا تجوع ولا تطرد الفلسطينيين من أراضيهم لتستولي عليها وتوزعها بعد ذلك على المستوطنين الذين هم من اليهود المتعصبين" .
الموضوع عينه تناولته صحيفة "الخليج" الإماراتية التي لفتت إلى أن "مسودة المشروع الأمريكي المعروضة على مجلس الأمن، لا تجعل من الأمم المتحدة مرجعية لـ"قوة الاستقرار"، بل تمنحها صلاحيات تشكيلها من دون أي دور عملياتي لها، أو مراقبتها ومحاسبتها، أي أنها لا تجعل من الأمم المتحدة جهة مرجعية، إنما تريد منها فقط الموافقة على تشكيلها، ومن دون أن يتم تأكيد أن انتشار هذه القوة يجب أن يتم بعد انسحاب القوات الإسرائيلية"، موضحة أن "إسرائيل هي التي ستحدد الدول التي ستشارك في هذه القوة، وهو أمر لم يحدث في تشكيل أية قوة سلام سابقة، في أن تحدد دولة ما الدول المشاركة فيها. لذلك أعلنت العديد من الدول عدم رغبتها بالمشاركة في هذه القوات، طالما اتسم وجودها في القطاع بالغموض، بما يهدد حياة جنودها للخطر".
صحيفة "الدستور" الأردنية، لفتت إلى ان إقرار "الكنيست الإسرائيلي" بالقراءة الأولى لما يسمى قانون الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين، يعد جريمة سياسية وقانونية وإنسانية، وتشريع رسمي للقتل وإرهاب الدولة المنظم الذي تمارسه حكومة الاحتلال اليمينية ضد الشعب الفلسطيني، داعية "المجتمع الدولي ومؤسساته الحقوقية والبرلمانية إلى التحرك العاجل لوقف القانون العنصري، وفرض العقوبات على "الكنيست الإسرائيلي" وطرده من الاتحادات البرلمانية الدولية، ويجب التحرك الدولي لحماية الأسرى ومساءلة قادة الاحتلال أمام محكمة الجنايات الدولية"، على حدّ تعبيرها.
الوضع اللبناني ناقشته صحيفة "اللواء" اللبنانية، التي شدتت على أن الحرب الاسرائيلية المتصاعدة على البلاد لم تعد "مجرّد تبادلٍ للاتهامات أو خروقاتٍ ميدانية متقطّعة، بل صارت مواجهة سياسية مكشوفة على طاولة لجنة "الميكانيزم" الدولية، التي تحوّلت من هيئة لمراقبة وقف النار إلى طرفٍ منحاز يوزّع الأحكام وفق مقاييس السياسة لا معايير العدالة". وأردفت " ومع استمرار الانحياز الدولي، وانغلاق أفق المفاوضات، رغم دعوة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون للذهاب إلى التفاوض غير المباشر، يقترب الوضع من نقطة الانفجار. فكل يوم يمرّ تحت صمت "الميكانيزم" وصلف إسرائيل، يقرّب المنطقة من مواجهةٍ أوسع قد تطيح بما تبقى من استقرار هشّ على جانبي الحدود".
(رصد "عروبة 22")

