على الرغم من دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ في 11 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلا أن إطلاق النار لم يتوقف لحظة واحدة، بينما البروتوكول الإنساني لم يتم الالتزام به حسب الاتفاق، في ظل عجز الوسطاء، والتبريرات الأمريكية العلنية للخروق الإسرائيلية.
تخفي هذه الخروق وغيرها من التفاصيل حقيقة التعقيدات التي تحول دون الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق. ولا يتعلق الأمر بالذرائع التي تسوقها إسرائيل لتبرير اعتداءاتها، سواء الحديث عن جثث الرهائن الثلاث المتبقية في غزة، أو تعرضها لتهديدات أمنية وما إلى ذلك، وإنما يتعلق الأمر بسياسة تصعيدية ممنهجة تستهدف في جوهرها إفشال الاتفاق برمته والعودة لاستئناف الحرب بحثاً عن صورة الانتصار التي لم تتحقق من قبل.
ومعها أيضاً يتم الحفاظ على تماسك الائتلاف الحكومي، ونفي الخضوع لضغوط أو إملاءات خارجية، لتحقيق مكاسب انتخابية مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقبلة. غير أن هذه الصورة سرعان ما تتراجع في ظل الحضور الأمريكي القوي الذي يدافع عن صمود خطة غزة ووقف إطلاق النار رغم الخروق الإسرائيلية، وإن كان دائماً ما يبرر ويسند هذه الخروق للطرف الفلسطيني.
بالنسبة لواشنطن، يبدو أنها أصبحت أكثر حماساً، بعد اعتماد مشروع القرار الأمريكي في مجلس الأمن، للمضي قدماً والانتقال للمرحلة الثانية من الخطة. لكنها في نفس الوقت تدرك حجم التعقيدات المترتبة على ذلك، وفي مقدمتها تشكيل "القوة الدولية" التي يفترض أن تنتشر في قطاع غزة، وطبيعة مهمتها وولايتها والدول المشاركة فيها، وما إذا كانت ستفرض الأمن ونزع السلاح بالقوة، كما ترغب واشنطن وتل أبيب، أم أنها ستتحول إلى قوة مراقبة وحفظ سلام، كما يرغب الجانب العربي عموماً.
وبسبب صعوبة المهمة، يبدو أن واشنطن آثرت تأجيل مسألة نزع سلاح غزة إلى مرحلة لاحقة، وبدأت التخطيط، كما تشير التقارير، لتقسيم غزة إلى قسمين، أحدهما يظهر على الخريطة باللون الأخضر، وهو الجزء الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، والآخر باللون الأحمر وهو الخاضع لسيطرة "حماس"، على أن يتم إعادة إعمار المنطقة الخضراء، وتأهيلها من خدمات وبنى تحتية وتقديمها كنموذج للعيش في "غزة الجديدة"، سعياً لجذب سكان القطاع، وعزلهم عن الفصائل المسلحة. وهو تصور يتعارض مع الأولويات الإسرائيلية التي لا تزال ترغب في تحقيق أهداف الحرب.
كما أن تعقيدات أخرى تتعلق بالجانب الفلسطيني ناجمة عن الخلافات حول تشكيل لجنة مستقلة لإدارة غزة، التي يفترض أن تكون خاضعة لإشراف "مجلس السلام" برئاسة ترامب، ناهيك عن عدم جهوزية الشرطة الفلسطينية التي يفترض أن تتولى حفظ الأمن في القطاع. لكن ما بين الخرائط الملونة بالأخضر والأحمر والأصفر، ثمة مساحة واسعة للخروق الإسرائيلية التي يدفع ثمنها الفلسطينيون في ظل كارثة إنسانية تتفاقم يوماً بعد يوم، من دون أن تتخلى إسرائيل عن محاولاتها لإفشال الاتفاق.
(الخليج الإماراتية)

