وجهات نظر

الكلفة الاقتصادية لزلزال المغرب: تجاوز الصدمة وإعادة الإعمار

من السّابق لأوانه رصد حجم الكلفة الاقتصادية للزلزال الذي ضرب المغرب مؤخّرا، لأنّ حجم الخسائر التي نقيس بها مجمل الكلفة لم يتم تحديدها لحدّ السّاعة. لكنّ الثّابت أنّ الاقتصاد المغربي سيعيش صعوبات جدّية تنضاف إلى آثار الأزمة الجيوسياسية مُمثّلة في الحرب الرّوسية الأوكرانية ومخلّفات الجفاف المتعاقب على المغرب لمدّة أربع سنوات متلاحقة. هذه العوامل أبطأت معدّل النموّ الذّي سينتكس مع آثار الزلزال ويجعل التّقديرات الرّسمية وتوقّعات المؤسّسات المالية تعرف مراجعات سلبية.

الكلفة الاقتصادية لزلزال المغرب: تجاوز الصدمة وإعادة الإعمار

إذا كانت الزلازل عمومًا في مختلف بلاد العالم تعقبها آثار اقتصادية وخيمة، فإنّ النّاتج المحلي المغربي سيتضرّر بالتّأكيد، ولكن ليس إلى حدّ التوقّع الذي ذهبت إليه هيئة المسح الجيولوجي الأمريكي التّي قدّرت الخسائر الاقتصادية لزلزال المغرب بثمانية في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (مئة وثلاثين مليار دولار)، وهو رقم مبالغ فيه لأنّ هذه الخسائر لن تتجاوز 2,5 في المئة من الناتج المحلي. كما أنّ المناطق المتضرّرة عبارة عن مناطق جبلية تحتوي على دواوير مشتّتة يعتمد ناسها على إمكانات معيشية بسيطة، وليس لها أيّ دور حيوي في دورة الاقتصاد المغربي.

الدرس الاقتصادي المستفاد من زلزال المغرب هو الدّور الذي يلعبه البُعد الثقافي في تقليص الخسائر

ما ينبغي الانتباه إليه، أنّ تلك الخسائر البشرية التي تحمل كلفة اجتماعية وإنسانية ثقيلة ستُفضي إلى آفة تشرّد جيل من أطفال المنطقة الأيتام والأرامل والشيوخ الذين فقدوا عوائلهم تحت الأنقاض. الأمر الذي يجعل من هذه الكلفة في حالة إهمال هذه الشّريحة دالة بتحوّلها إلى هدر اجتماعي قد يصبح انحرافًا ومجالًا للجريمة.

إذا أردنا أن نقيّم الخسائر المباشرة في قطاع السياحة، خاصة في مدينتي مراكش وورزازات، سنلحظ تراجعًا ملحوظًا في عدد السيّاح، إذ فقد نقطتين ضمن مجمل 1,65 مليون سائح حلّ بمراكش في النّصف الأوّل من العام الحالي. وتؤكّد بعض التقديرات أنّ عائدات السياحة بعد الزلزال فقدت نقطة واحدة من ضمن 4,7 مليار دولار التّي تمّ تسجيلها كعائد في النّصف الأوّل من العام الحالي.

وإذا كان بنك المغرب وصندوق النقد الدولي قد خفّضا توقّعاتهما للنموّ، قبل الزلزال، إلى 3 في المئة، فإنّ هذا التوقّع لن يصمد أمام حجم الخسائر العامة، خاصة ما سوف تقتضيه إعادة الإعمار وتوابعها من نفقات مالية ثقيلة. وهذا يعني أنّ نسبة النموّ خلال سنتي 2023 و2024 لن تتعدّى 1,5 في المئة إجمالًا.

المساهمات من مختلف جهات المغرب ستخفّف عن ميزانية الدولة عبئًا ماليًا ثقيلًا قد يتجاوز 80%

غير أنّ الدّرس الاقتصادي المستفاد من زلزال المغرب هو الدّور الذي يلعبه البُعد الثّقافي في تقليص الخسائر الاقتصادية وإحداث الطمأنينة وسط المتضرّرين. يتمثّل هذا الدّور في التضامن الشعبي الذي يُعزى إلى الأخلاق التاريخية للمغاربة ضمن ما يُسمّونه "التّمَغْرابيِتْ". فالمساهمات المالية والعينية التّي انطلقت من مختلف جهات المغرب القريبة والبعيدة بحماسة غير مسبوقة، ستخفّف عن ميزانية الدولة عبئًا ماليًا ثقيلًا قد يتجاوز ثمانين في المئة، لأنّ حجم التبرّعات الدّاخلية المتوقّعة لتدبير مخلّفات الزلزال قد تصل إلى 50 مليار دولار حسب مؤشّر مقارن يستند إلى حصيلة الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا الذي بلغ 42 مليار درهم، وكذلك حسب مُؤشر حجم التبرّعات الذي شهد انطلاقة قويّة ببلوغه خمس مليارات درهم في الأيام الخمسة الأخيرة. كما أنّه سيكون لتبرّع ملك المغرب بمليار درهم وقعًا مؤثّرًا على أغنياء المغرب ورجال الأعمال في القطاع الخاص للانخراط اللامشروط في إنجاح فعل التّضامن وتحقيق أهدافه، ناهيك عن الدّعم المالي من طرف أصدقاء المغرب، خاصة دول منطقة الخليج. بذلك، سيكون الاقتصاد المغربي مؤهّلًا لتجاوز الصدمة وقادرًا على إعادة الإعمار وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية لسكّان المناطق المتضرّرة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن