صحافة

عن نزع السلاح في غزة ولبنان

جيلبير الأشقر

المشاركة
عن نزع السلاح في غزة ولبنان

حرب إسرائيل لم تنته. ليس بمعنى أن الدولة الصهيونية، بصفتها دولة استعمارية اضطهادية، تقوم على الحرب الدائمة وحسب، بل بمعنى أضيق يحيل إلى حرب الإبادة التي شنّتها تلك الدولة على قطاع غزة قبل عامين وما رافقها من توسيع متعمد لنطاق العمليات إلى حرب إقليمية ضد "محور الممانعة" الذي تهيمن عليه إيران. فإن هدفين أساسيين ومباشرين من أهداف حرب إسرائيل الجارية لم يكتملا بعد، ألا وهما نزع سلاح "حماس" في غزة وسلاح "حزب الله" في لبنان.

ومما يزيد في التوازي بين الهدفين الحربيين أن الدولة الصهيونية اتّكلت على حليفها وحاميها الأمريكي لاستكمال إنجازهما بعد أن وجّهت لكلّ من المنظمتين ضربة حاسمة. أو بالأحرى، أن واشنطن أخذت على عاتقها استكمال إنجاز الهدفين بوسيلة أخرى، غير حرب إسرائيل المباشرة، وذلك سعياً منها لتهدئة الأوضاع الإقليمية وفسح المجال أمام مواصلة مسار "التطبيع" بين الدول العربية، لاسيما الخليجية منها، والدولة الصهيونية.

هكذا جرى وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان قبل عام على أساس وعد أمريكي بإنجاز نزع سلاح "حزب الله" من خلال الدولة اللبنانية. جاء ذلك الوعد بعد أن رجحت في الساحة اللبنانية كفة الولايات المتحدة، إثر إضعاف الكفة الإيرانية في ميزان القوى الذي يحكم تلك الساحة. وكذلك جرى تعليق الاجتياح الإسرائيلي لغزة قبل شهرين على أساس وعد أمريكي بإنجاز نزع سلاح "حماس" من خلال "قوة استقرار دولية" تُشرف عليها واشنطن. وسريعاً ما تبيّن في الحالتين أن تبجّح دونالد ترامب لا يستطيع أن يخفي عجز الولايات المتحدة عن إنجاز أي من الهدفين، شأنهما في ذلك شأن العديد من أهداف واشنطن المعلنة وهي لم تفطن بعد أنها تشرف على إمبراطورية في طور الأفول.

ذلك أن الدولة اللبنانية ليست قادرة على نزع سلاح "حزب الله" بالقوة، وهي دولة لا يزال جيشها أضعف من جيش الحزب وأقل استعداداً للقتال منه بكثير. أما "قوة الاستقرار"، فقد أبدت دولٌ عربية وإسلامية شتى استعدادها للمشاركة فيها عندما ظنّت أن "حماس" راضية عن أن تسلّمها أسلحتها. كان ذلك بعد أن أبدت الحركة "ثناءها" على "خطة ترامب للسلام" عندما أعلنها الرئيس الأمريكي قبل شهرين. لكن بعد أن استدركت الحركة وأعلنت رفضها لفحوى الخطة الأمريكية وقرار مجلس الأمن الدولي الذي كرّسها، تراجعت الدول عن وعدها بالمشاركة في القوة المفترضة.

فها أننا أمام حالة من تعطيل الرغبة الأمريكية في مواصلة السعي لإنجاز ما بدأته إسرائيل، وذلك بأدوات أخرى، لبنانية في لبنان وإقليمية في غزة. والحقيقة أن هذا الوضع يريح الدولة الصهيونية: فلا شك في أن نتنياهو قد أعرب لترامب وسائر أعضاء فريقه عن تحفّظه إزاء ثقتهم بنجاح المسارين المتوازيين. لكنه قبِل بوقف إطلاق النار من باب الاستعداد لمنح المسارين فرصة، نزولاً عند رغبة واشنطن. هذا وقد احتفظ الحكم الصهيوني بحق في خرق وقف إطلاق النار بصورة دائمة، بحجة منع "حماس" و"حزب الله" من تجديد نشاطاتهما. فكانت النتيجة أن الحرب لم تتوقف قط في الحالتين، بل استمرت "على نار خفيفة".

وقد انتهزت الدولة الصهيونية هذه الفرصة كي تلتقط أنفاسها وتريح جنودها بعد سنتين من الحرب المكثفة، وهي ترى في الأمر هدنة مؤقتة ليس إلّا، وتستعد لمعاودة عدوانيها المتوازيين عندما يتبيّن لإدارة ترامب أنها، أي الإدارة، عاجزة عن تحقيق ما التزمت به. في هذه الأثناء يستمر القصف الإسرائيلي لغزة ولبنان كما ولسوريا، برضى الإدارة الأمريكية التي ترى فيه ضغطاً يفيد مسعاها وراء نزع سلاح الحزب والحركة. كما يفيد مسعاها لحثّ النظام السوري الجديد على الالتحاق بقافلة "التطبيع"، بالرغم من أن الدولة الصهيونية ما برحت تحتل هضبة الجولان السورية وليس لديها أي نية في التخلّي عنها، بل ضمّتها رسمياً إلى أراضيها قبل 44 عاماً.

وفي هذه الأثناء، تجهّز الحكومة الصهيونية الجماعات والقوى الموالية لها أو المتحالفة معها في غزة ولبنان وسوريا، على أساس عشائري تارة وطائفي تارة أخرى، سيراً وراء المشروع الصهيوني الفجّ الذي تجسّده الحكومة الراهنة والذي يمرّ بإنجاز "التطهير العرقي" لكامل الأرض الفلسطينية بين البحر والنهر، مع إبقاء أقلية فلسطينية تحت رقابة المتعاونين مع الاحتلال، وإنجاز تفتيت لبنان وسوريا على أساس طائفي مع إقامة دويلات حليفة لإسرائيل.

(القدس العربي)
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن