تجنح الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب إلى الدفع نحو اتفاقيات أمنية بين لبنان وسوريا واسرائيل والحفاظ على الاتفاق الهش في قطاع غزة – رغم الخروقات والانتهاكات اليومية – وذلك سعيًا وراء ضمان الاستقرار في الشرق الأوسط ولكن ضمن ما يخدم مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة. ومن هنا يبدو التشدّد واضحًا في المقاربات المعتمدة لتوفير مظلة أمان وحماية للرئيس السوري أحمد الشرع بهدف تمكينه لقيادة البلاد خاصة أن واشنطن تدفع بقوة نحو إلغاء "قانون قيصر" ووقف كل تداعياته بهدف منح دمشق فرصة للبناء وإعادة الاستقرار لما لها من دور كبير ومؤثر في ملفات وقضايا رئيسية. هذا ناهيك عن المقاربة الاخرى والقاضية بالحدّ من النفوذ الايراني عبر فرض ضغوطات على بيروت وبغداد لسحب السلاح "غير الشرعي" وحصره بأطر الدولة المدعوة – تحت الضغوط – إلى فرض سيطرتها بشكل كامل على اراضيها.
ومن هنا يمكن فهم ما يحدث في العراق اليوم من تجاذبات بين واشنطن وطهران، لاسيما أن المفاوضات بين الجانبين "مقطوعة" منذ حرب الـ12 يومًا، رغم وجود وساطات عربية تدفع بإتجاه إنضاج الظروف الملائمة ولكنها تتعثر بسبب الاختلاف الحاد في وجهات النظر وتمسك كل طرف بشروطه. وكانت ايران جدّدت في الآونة الأخيرة استعدادها أكثر من مرة للحوار وإجراء المباحثات ولكنها رمت الكرة في الملعب الأميركي الذي يبدو اليوم يصب جام تركيزه على الدفع نحو الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة إلى جانب التوصل لحل للحرب الأوكرانية المُعقدة. وبين هذين الملفين يبرز لبنان الساعي للحدّ من الانتهاكات الاسرائيلية اليومية وتلقف المبادارت والجهود الدولية الساعية للتوسط وأخرها رسالة الدعم التي حملها الموفد الرئاسي الفرنسي الوزير السابق جان إيف لودريان، الذي جدّد دعم باريس للبنان وأمنه واستقراره. كما جرى التطرق للاجتماع الذي سيُعقد في 18 من الشهر الجاري في فرنسا، ويضمّ الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس ومستشارة الرئيس الفرنسي آن كلير لوجاندر والموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان وقائد الجيش العماد رودولف هيكل للتحضير لمؤتمر دعم الجيش المرتقب مطلع العام المقبل.
وبات من المعلوم أن دعم الجيش يعتبر ضمن الأولويات المطلقة نظرًا للتحديات الجسام التي تُخيّم على لبنان. وفي هذا الإطار، كشف السفير الأميركي لدى لبنان ميشال عيسى، خلال زيارته وزير الخارجية يوسف رجي عن وجود "اتصالات لعودة زيارة قائد الجيش رودولف هيكل إلى واشنطن"، متوقعًا أن "الزيارة ستتم". وكانت لقاءات الأخير في الولايات المتحدة توقفت أو تم الإلغاء نتيجة تحريض بعض المحسوبين على تل أبيب في واشنطن بعد انتقاد قائد الجيش للضربات الاسرائيلية المستمرة وعدم الالتزام بوقف النار. وتدفع واشنطن نحو بلورة اتفاق أمني وهي التي رحبت بفكرة "تطعيم" لجنة "الميكانيزم" بشخصية مدنية هي السفير السابق المحامي سيمون كرم ووصفتها بالخطوة الايجابية. ولكن المفاوضات الجارية لا تزال تحتاج إلى الكثير من البلورة خصوصًا أن تل أبيب فصلت بين المسار العسكري ومسار المفاوضات وذلك عبر استكمال سلسلة غاراتها وأخرها مساء أمس، الاثنين، مستهدفة مرتفعات إقليم التفاح وأطراف وادي رومين وأطراف بلدة جباع جنوب لبنان.
من جهته، سارع جيش العدو إلى تبرير تلك الهجمات بالتأكيد أنها شملت بنى تحتية تابعة لـ"حزب الله". وقال إنه استهدف مجمع تدريب تستخدمه "قوة الرضوان" كما منشآت عسكرية وموقع إطلاق. ووفق البيان عينه، فإن الأهداف التي جرى قصفها، والتدريبات العسكرية التي تُجرى استعدادًا لعمليات ضد إسرائيل، تُعدّ خرقًا للتفاهمات وتهديدًا لأمن دولة إسرائيل. وتكرّر تل ابيب سرديتها بشكل يومي وتدأب الحديث عن استعادة "حزب الله" لقواته العسكرية بهدف فرض المزيد من الضغوط على الجانب اللبناني كما لتبرير هجماتها اليومية وعدم الالتزام بإتفاق وقف النار، الذي هو اشبه بحبر على ورق دون أي تطبيق فعلي على الأرض. إلى ذلك، شاركت العديد من المناطق اللبنانية أمس في وقفات ومسيرات سيّارة احتفالًا بمرور عام على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا نظرًا لما يجمع البلدين من تاريخ مشترك وللتعبير عن فرحهم بخلع نظام الوصاية الذي استمر زهاء 15 عامًا ولم يخرج إلا بعد ما عُرف بإنتفاضة "ثورة الأرز" التي أنهت الوجود العسكري وانسحاب الجيش في 26 نيسان/ أبريل 2005.
التضامن اللبناني مع دمشق والترحيب بالتحولات الجارية هناك جاء على وقع الاحتفالات العارمة التي لفت مختلف المناطق السورية لليوم الثالث على التوالي تلبية لدعوة الرئيس احمد الشرع للاحتفال والتجمهر. وقد نزل السوريون بالآلاف إلى الشوارع معربين عن فرحهم وتفاؤلهم بعد 14 عامًا من الحرب الدامية والتي تركت ندوبًا لا تُمحى بسرعة، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي. في الأثناء، تعهد الرئيس السوري بالعمل على ضمان عدم تكرار أي انتهاكات تجاه طوائف الشعب، كما جدّد التزامه بتحقيق العدالة الانتقالية. وقال، في كلمة بمناسبة الذكرى الأولى لسقوط نظام بشار الأسد: "النظام البائد حاول سلخ سوريا من عمقها التاريخي طيلة عقود، لكننا نريد سوريا قوية تعيد تموضعها بمحيطها العربي والإقليمي". كما أشار الشرع إلى التزام الحكومة السورية بالبحث عن المفقودين بلا توقف. ويمثل هذا الملف تحديًا كبيرًا للإدارة الجديدة وسط مطالبات بالكشف عن مصيرهم لطي صفحة سوداء في تاريخ البلاد التي تسعى للتعافي من جديد. ولكن تحديات كبيرة تواجهها حكومة الشرع وأهمها تعزيز الوحدة الداخلية وطمأنة الأقليات عبر السعي إلى حل سياسي للمشاكل في الجنوب، الساحل، وشمال شرق البلاد.
وكانت مظاهر الاحتفالات غابت كليًا عن السويداء والرقة والحسكة، وسط دعوات "درزية" للمقاطعة لأسباب تتعلق بأحداث تموز/يوليو الماضي. فيما اعلنت "الإدارة الذاتية" منع أي تجمعات للاحتفال بالذكرى تحت التهديد بمحاسبة المخالفين، كما كان المشهد مماثلًا في القسم الخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في محافظة دير الزور. وهذه "الرسائل" تؤكد أن التوصل لاتفاقيات لا يزال يحتاج إلى بلورة قواسم مشتركة وتعزيز عامل الثقة والحدّ من التدخلات الخارجية التي تزرع الفتن وتعززها سعيًا وراء تقويض النظام وزعزعته. وتلعب اسرائيل دورًا كبيرًا في هذا المضمار من خلال تكرار سيناريو الاعتداءات والمماطلة في عقد اتفاق أمني عبر رفع سقف المطالب، لاسيما مع إدراكها أن النظام "ورث" عن سابقه أزمات لا تُعد ولا تُحصى وعدم مقدرته على مقارعتها. ويبقى التعويل هنا على الدور الأميركي الذي يقوم به الموفد توم برَاك الذي أوضح أكثر من مرة أن واشنطن تريد أن تمنح النظام الجديد فرصة.
في هذا السياق، شدّد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو على الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للإدارة السورية وشعبها، وقال "قبل عام فتح الشعب السوري صفحة جديدة في تاريخه. اليوم، نُقدر الخطوات الهامة التي اتخذتها الحكومة والشعب في المرحلة الانتقالية لسوريا وكذلك دعم الشركاء الدوليين لها". وإذ أعرب عن احترام صمود الشعب السوري، كرّر دعم بلاده "لسوريا سلمية ومزدهرة، شاملة للأقليات، وتعيش في سلام مع جميع جيرانها". في حين شدّد أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي على دعمهم لرفع عقوبات "قانون قيصر" وتعهدوا بمواصلة العمل من أجل ازدهار الشعب السوري. ويتجه الكونغرس لإتخاذ مثل هذه الخطوة، حيث ذكرت وكالة "رويترز" أن مجلسي الشيوخ والنواب أدرجا إلغاء ما يُسمى بعقوبات "قيصر" في نسخة توافقية من قانون تفويض الدفاع الوطني، وهو مشروع قانون سنوي شامل لسياسة الدفاع كُشف عنه في وقت متأخر من يوم الأحد. وفي حال تم رفع العقوبات سيمهد ذلك أمام انطلاقة جديدة وجذب الاستثمارات والمشاريع الاقتصادية التي يمكن أن تسهم في إعادة إعمار البلاد وإطلاق خطة التعافي.
الدور الأميركي في لبنان وسوريا يبرز أيضًا في قطاع غزة عبر المساعي التي تقوم بها الإدارة الأميركية للدفع نحو المرحلة الثانية من الاتفاق المُبرم، والذي من المتوقع ان يكون مدار بحث ونقاش خلال الاجتماع الذي سيجمع ترامب برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في 29 كانون الاول/ ديسمبر الجاري، بحسب ما أفاد به مكتب الأخير. من جهتها، ذكرت القناة "12 الإسرائيلية" أن البيت الأبيض يتجه لدعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى اجتماع فلوريدا – الذي يجمع بين ترامب ونتنياهو - ليكون جزءًا من الجهود المبذولة لضمان موافقة تل أبيب على ترتيب استراتيجي متعلق بغزة مع القاهرة. وتحاول واشنطن رأب الصدع بين اسرائيل ومصر وذلك نتيجة تصاعد الخلافات بسبب حرب غزة ما ادى إلى انقطاع التواصل بين السيسي ونتنياهو لأكثر من عامين. إلى ذلك، نقلت صحيفة "الغارديان" البريطانية عن مصادر مطلعة أن عملاء إسرائيليين ينفذون عمليات مراقبة واسعة النطاق للقوات الأميركية المتمركزة في مركز التنسيق الأمني الذي يراقب وقف إطلاق النار بغزة.
وهذا المركز الذي أنشىء بهدف مراقبة تطبيق خطة ترامب ووضع خطط لمستقبل القطاع وتنسيق المساعدات لا يزال نطاق مهامه محدود، إذ أن خطة المساعدات لم تقر بعد ولا يزال الجانب الاسرائيلي يمعن بأساليب الحدّ من دخول الطعام والمساعدات وإلحاق أكبر ضرر ممكن بالعائلات الفلسطينية. وحذّر صندوق الأمم المتحدة للسكان من تفاقم الوضع الإنساني في القطاع، مشيرا إلى أن 1.7 مليون شخص يواجهون فصل الشتاء وسط نقص حاد في الغذاء والمياه والرعاية الصحية. أما ميدانيًا، فقد نفذ جيش الاحتلال سلسلة غارات ترافقت مع عمليات نسف وقصف مدفعي وإطلاق نار مكثف مستهدفًا مناطق عدة خلف ما بات يُعرف بـ"الخط الأصفر" في قطاع غزة. ومع مواصلة العدو عملياته في غزة، فإن التصعيد "المدروس" سيد الموقف في الضفة الغربية التي تعيش أيامًا مصيرية وسط تهجير ممنج للسكان. وقد اندلعت مواجهات، أمس الاثنين، بين فلسطينيين وجيش الاحتلال عقب اقتحامات بعدة بلدات في الضفة أُطلق خلالها الرصاص والقنابل الصوتية.
في السياق السوداني، أعلنت "قوات الدعم السريع" سيطرتها على أكبر حقل نفطي في البلاد يقع في إقليم كردفان، على الحدود مع دولة جنوب السودان. ويُعد حقل "هجليج" أكبر حقول النفط في البلاد، ومنشأة رئيسة لضخ النفط المنتج من جنوب السودان عبر خط الأنابيب إلى ميناء بشائر بمدينة بورتسودان على البحر الأحمر للتصدير، ما يجعل السيطرة عليه ضربة قوية لقطاع الطاقة السوداني. وشهدت هذه المنطقة الإستراتيجية في الأسابيع الماضية معارك دامية بعدما سيطرت "قوات الدعم السريع" نهاية تشرين الأول /أكتوبر على كامل إقليم دارفور في غرب البلاد.
دوليًا، عبّر قادة دول أوروبية عن شكوكهم بشأن تفاصيل المقترح الأميركي المطروح لإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا، وجددوا دعمهم لكييف مع تجديد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رفضه التنازل عن أراضٍ لموسكو، موضحًا أنه سيرسل مسودة خطة السلام إلى أميركا، اليوم الثلاثاء، بعد مراجعتها. وكلام الأخير جاء قبل عقد اجتماع مع رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريديش ميرتس حيث جرى البحث بأخر المستجدات وضرورة توفير الضمانات الأمنية وإعادة الإعمار. ويتخوف القادة الاوروبيون من أن تكون الخطة المطروحة تصب لصالح روسيا وتعزّز نفوذها وسيطرتها وهو ما يشكل مصدر قلق وهاجس حقيقي لهم.
على صعيد الصحف العربية الصادرة اليوم، هنا أهم ما اوردته ضمن تحليلاتها وعناوينها التي تناقش فيها مواضيع الساعة والتطورات الراهنة:
اعتبرت صحيفة "البيان" الإماراتية أن "لقاء نتنياهو القريب مع الرئيس ترامب في واشنطن، هو اجتماع بالغ الأهمية، ويأتي في توقيت شديد الدقة بالنسبة للطرفين"، مشيرة إلى أن الهدف من هذا اللقاء "دفع نتنياهو للالتزام بتنفيذ الجزء الثاني من مبادرته، وهي الهادفة لبدء مرحلة الإدارة المدنية في غزة ومحاولة الاتفاق على شكل التعامل الإسرائيلي مع "حزب الله"، خاصة بعد إقرار مبدأ التفاوض بين الطرفين، إلى جانب محاولة دفع المفاوضات الأمنية المتعثرة بين إسرائيل وسوريا وتنسيق المواقف بين واشنطن وتل أبيب، في ما يختص بالمفاوضات المجمدة بين واشنطن وطهران".
أما صحيفة "الأهرام" المصرية، فلفتت إلى أنه "بينما تواصل إسرائيل عربدتها وخروقاتها لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة تبذل القيادة المصرية جهودا مكثفة لتطويق إسرائيل دبلوماسيا وإقليميا ودوليا لحملها على الانصياع للإرادة الدولية وتنفيذ الاتفاقيات الموقعة والتخلي عن أطماعها التوسعية"، متطرقة إلى البيان المشترك الصادر عن ثماني دول عربية وإسلامية كبرى بشأن فتح معبر رفح من جانب واحد بهدف إخراج سكان قطاع غزة إلى مصر، ورفضهم المطلق لأي محاولات صهيونية لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه وهي "الرسالة الذي أراد البيان إيصالها للرئيس الأمريكي والعدو الصهيوني والعالم أجمع".
صحيفة "الدستور" الأردنية رأت أن "أن تسليم مقاتلي "حماس" لسلاحهم سيقود إلى فوضى، تمامًا كما حدث في العراق عقب حلّ الجيش العراقي؛ حيث ستتفكك القوة المركزية إلى مجموعات مسلّحة متعددة لا تنتج استقرارًا ولا أمنًا"، مشيرة إلى أن الضغوط ستتواصل ولكن من الصعب العودة مجددًا إلى حرب كبرى، فالمزاج العالمي لم يعد يسمح بها. ولذلك قد نشهد تباطؤًا في عملية إعادة الإعمار، وحصارًا خانقًا، واستهدافا للمدنيين، واستمرارًا في هدم المنازل، فيما تبقى المقاومة تتهيّأ لمواجهة قادمة"، بحسب تعبيرها.
بدورها، تطرقت صحيفة "الرياض" السعودية إلى العلاقات السعودية – القطرية التي شددت على أنها تشهد "تطورًا ملحوظُا في جميع المجالات، يرتكز على استدامة التنسيق والتعاون والتشاور المستمر بين قيادتي البلدين، حول مستجدات القضايا والموضوعات الإقليمية والدولية". وقالت "تأتي زيارة سمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للمملكة، تجسيدًا لعمق العلاقات التاريخية بين البلدين، وتجديداً لمسار التعاون المشترك، إذ تعكس الزيارة حرص قيادتي البلدين، على الارتقاء بهذه العلاقات الأخوية إلى آفاق أرحب، تعود بالنفع على شعبيهما، وتعزز أمن واستقرار المنطقة، وتقود التكامل الخليجي إلى مزيد من التقدم والازدهار".
(رصد "عروبة 22")

