صحافة

استراتيجية ترامب.. لا جديد

أحمد مصطفى

المشاركة
استراتيجية ترامب.. لا جديد

كمٌ هائلٌ من التعليقات والتحليلات أعقبت صدور استراتيجية الأمن القومي لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وذلك طبيعي ومفهوم لأنها ترسم الخطوط العريضة لسياسة أقوى دولة في العالم، وما تضمنته لا يخص أمريكا وحدها، إنما تتأثر به بقية الدول. لكن الحقيقة أن استراتيجية ترامب لم تحمل جديداً يختلف عن تصريحاته وقراراته التنفيذية بالفعل، ليس في فترة رئاسته الحالية، وإنما أيضاً فترة رئاسته الأولى السابقة. يذكر أنه في فترة رئاسته الأولى قال مستشاره للأمن القومي وقتها إن "الرئيس ليس لديه استراتيجية". وقياساً على مسيرة ترامب ترى ببساطة أنه يمكن أن يقرر شيئاً اليوم ليقرر عكسه غداً، إنما وضعت ورقة الاستراتيجية من قبل موظفيه لأنها جزء من "استكمال الهيئة الرئاسية" وقد كتبت بشكل يعكس طريقة تفكير الرئيس.

ليس بخافٍ أن الملمح الأهم للاستراتيجية، والمعبر عنه بشعار "أمريكا أولاً"، هو "فك الارتباط" الأمريكي مع العالم على عكس ما كان عليه الوضع منذ الحرب العالمية الثانية. إنما من المهم الإشارة إلى أن ذلك ليس "توجهاً ترامبياً" مبتكراً، بل هو نهج حثيث بدأ منذ فترة الرئاسة الثانية لجورج بوش الابن طلع هذا القرن. الجديد فقط هو تركيز استراتيجية ترامب على أمريكا اللاتينية، ليس فقط باعتبارها "الفناء الخلفي" للولايات المتحدة استراتيجياً (أو ما تسمى البطن الرخوة).

إنما بالأساس هو تغيير جذري للعلاقات عبر الأطلسي، مع أوروبا، نحو العلاقات في المحيط الجغرافي للبلاد بعيداً عما وراء البحار. وإذا كانت الاستراتيجية أشارت إلى احتمال عودة أمريكا لممارسات القرن الماضي من التدخل السافر في دول أمريكا اللاتينية بانقلابات ترتبها الـ"سي آي ايه" أو دعم ميليشيات مسلحة لتغيير الأنظمة، فإن ذلك لم يتوقف منذ الحرب الباردة وإن خفّت وتيرته إلى حد ما.

أكثر ما شغل مساحة في ورقة الاستراتيجية هو موضوع الهجرة، وهو ما رآه بعض المعلقين تناقضاً من قبل دولة قامت بالكامل على "أكتاف المهاجرين"، أنما هو ترديد مقصود لشعارات يتبناها التيار الذي يمثله ترامب. ذلك التيار الآن هو أكثر من نصف سكان الولايات المتحدة وله أصداء ليس في أوروبا والعالم الغربي فحسب بل وفي كثير من دول العالم. قرأ كل طرف في العالم استراتيجية ترامب بطريقته، وفي الأغلب ارتاح كثيرون لتخلي الولايات المتحدة عملياً عن "الاهتمام" بمناطق كثيرة، حيث لم يكن ذلك "الاهتمام" أمراً إيجابياً. ولربما كانت قوى مثل الصين وروسيا أكثر رضى واطمئناناً عن غيرها بما أعلن.

أما النصيب الأكبر من القلق والانزعاج فكان لأوروبا الغربية التي تضمنت استراتيجية ترامب حملة غير مسبوقة عليها. وحين كررت الورقة افتراءات نائب الرئيس السابقة عن "حرية التعبير" في أوروبا، فليس القصد هو حرية الرأي كما يفهمها غالبية البشر. فترامب وفريقه الحالي لا يتحملون حرية التعبير ولا يقبلون أصلاً بوجود رأي غير رأيهم. إنما القصد هو أن تيارات اليمين المتطرف والعنصري في أوروبا لا تحظى بمساحة أكبر تمكنها من إعادة تشكيل الرأي العام في البلدان الأوروبية.

لا يريد ترامب وفريقه أن يحكم اليمين المتطرف دول أوروبا لحرصهم على ما يسمونه "الهوية المسيحية - اليهودية" للغرب، وإنما لمصالح نفعية آنيّة. فمشكلة الأمريكيين تقليدياً مع أوروبا أن الأخيرة لديها قواعد وقوانين ما زالت تحترم، بينما يراها ترامب وإدارته "تعيق النفاذ الاقتصادي الأمريكي" في القارة. حتى بريطانيا، حين خرجت من الاتحاد الأوروبي على أمل أن ذلك سيحررها من المعايير والقواعد الأوروبية بما يمكنها من عقد اتفاقيات تجارية واقتصادية سخية مع أمريكا لم تحقق ما أرادت.

رغم أهمية استراتيجية الأمن القومي لأي إدارة أمريكية إلا أنها ليست في النهاية سوى خطوط عريضة قابلة للتعديل والتغيير حسب تطورات الأوضاع في العالم. وبالنسبة للرئيس ترامب، فالأمر أكثر سهولة لأنه يغير رأيه مئة وثمانين درجة أحياناً في غضون ساعات.

(الخليج الإماراتية)
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن