ربما يكون توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء ممر اقتصادي جديد للتجارة من الهند إلى أوروبا عبر الجزيرة العربية، وتحديداً الإمارات والسعودية، أهم قرار صدر عن قمة العشرين التي عقدت بالهند مؤخراً، وذلك للعديد من الأسباب والنتائج التي يمكن أن تتمخض عنه، فأولاً هناك أهمية الدول المساهمة في هذا المشروع والذي يضم إلى جانب الدولتين الخليجيتين، كلاً من الهند والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مما قد يتيح إعادة تشكيل طرق التجارة العالمية وبنيتها التحتية، خصوصاً وأنه يتضمن إقامة خطوط للسكك الحديدية وموانئ ووسائل نقل لوجستية عديدة، بما فيها وسائل نقل الطاقة الكهربائية والهيدروجين.
وقد أثار ذلك مسألتين في غاية الأهمية، الأولى علاقة هذا المشروع بالمشروع الصيني «الحزام والطريق» ومدى المنافسة المتوقعة بينهما، علماً بأن المشروع الثاني قطع شوطاً مهماً في عملية التنفيذ، في حين لا يزال الأول في بداياته، أما المسألة الثانية فتتعلق بتأثير الممر الهندي الأوروبي على قناة السويس والتي تشكل أهمية كبيرة للاقتصاد المصري.
ولنتناول المسألتين بشيء من التفصيل، مع التركيز على التداعيات الخاصة بهما، فقد أدى إطلاق المشروع الصيني ومشاركة العديد من الدول فيه، بما فيها بعض دول الاتحاد الأوروبي، كإيطاليا التي انسحبت مؤخراً بفعل الضغوط، إلى ما يشبه الاستنفار في الجانب الغربي، وجرت محاولات لإيجاد منافس بمشاركة الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، إلا أن الأمور لم تسر وفق ما خُطط له لأسباب يضيق المقام عن ذكرها، وهو ما طرح البديلَ المتمثلَ في الممر الهندي الأوروبي.
وبالتأكيد ستكون هناك منافسة قوية بين المشروعين، حيث ستتوقف العديد من أسباب النجاح على بعض العوامل، كحجم الاستثمارات، وأهمية الدول المساهمة وثقلها الاقتصادي والتجاري وما تملكه من بنى تحتية.. إذ سيكون هذا التنافس لصالح الدول التي ستمر بها هذه الممرات والتي ستساهم في تنمية بنيتها الأساسية وتزيد من حجم تجارتها ومعدلات النمو فيها، حيث ستكون دول مجلس التعاون الخليجي، وبالأخص السعودية والإمارات، في مقدمة هذه الدول بفضل مشاركتها في المشروعين، وهي خطوة تشير إلى التقييم الصحيح لتشابك المصالح الدولية والاستفادة من كافة المشاريع المطروحة لتحقيق المزيد من المكاسب لصالح تقوية مواقعها في التجارة العالمية.
أما فيما يخص قناة السويس، وهي مسألة لا تهم مصر وحدها، وإنما أيضاً دول مجلس التعاون والدول العربية بشكل عام، وذلك بحكم أهمية مصر وأهمية نموها واستقرارها، إذ يمكن القول إنه لا تأثير لهذين المشروعين على القناة، وذلك لاعتبارات منها أن هذه ليست أول مشاريع للبنية التحتية للتجارة يتم تطويرها منذ شَقِّ قناة السويس قبل أكثر من 150 عاماً، فقد تطورت هذه البنى بصورة مذهلة في القرن الماضي، إلا أن القناة لم تحتفظ بأهميتها فحسب، وإنما تنامت استخداماتها بدليل شق قناة موازية قبل 8 سنوات.
ويقود ذلك إلى الاعتبار الآخر، فالتأثيرات والمخاوف السابقة لم تتحقق، وذلك بفعل النمو المستمر للتبادل التجاري العالمي والذي يتطلب إقامة بنى تحتية جديدة لاستيعابه، فقناة السويس لوحدها لن تتمكن من تلبية النمو التجاري المتوقع، حيث ستحافظ القناة على موقعها، كأهم معبر للتجارة حتى في ظل المشاريع الجديدة.
أما ما يتم تداوله حول هذا التأثير، والذي تحاول جماعة «الإخوان المسلمين» استغلاله للتحريض، فينم عن سطحية في إدراك طبيعة نمو التجارة العالمية نتيجة للنمو الاقتصادي والسكاني، حيث تشير توقعات جديدة للأمم المتحدة صدرت مؤخراً إلى أن عدد سكان العالم سيصل إلى 8.5 مليار نسمة في عام 2030 و9.7 مليار في عام 2050 وإلى 11 ملياراً بحلول عام 2100، ما يعني أن البنية التحتية الحالية للتجارة لا يمكنها استيعاب احتياجات هذا النمو المتوقع، وهو ما يتطلب تلبية الاحتياجات المستقبلية للتجارة، علماً بأن المشروعَين الجديدين بحاجة لعدة سنوات لاستكمالهما بالتدريج، مع الحاجة الكبيرة لتوفير التمويل اللازم لإقامة المرافق الخاصة بهما.
("الاتحاد") الإماراتية