صحافة

حول الاتفاقية البحرينية الأمريكية

سوسن الشاعر

المشاركة
حول الاتفاقية البحرينية الأمريكية

سألتُ ما الفرق بين الاتفاقية الأمريكية البحرينية الأخيرة، وبين ما تسعى إليه المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة الأمريكية كشرط من شروط التطبيع مع إسرائيل؟ وكنت معنية بالجانب الدفاعي تحديدًا. جاءتني الإجابة أن «المملكة العربية السعودية تسعى إلى معاهدة حسب ما ورد في الـNew York Times. والمعاهدة تختلف عن الاتفاقية في معايير كثيرة، أهمها أن المعاهدة تتطلب الحصول على التشريع من الكونغرس وتصديقه من مجلس الشيوخ".

الاتفاقية الشاملة للتكامل الأمني والازدهار الموقعة من قبلنا مع الولايات المتحدة الأمريكية ترفع سقف الضمانات المتعلقة بالدفاع المشترك كما هو مذكور في المادة الثانية من الاتفاقية، والسقف الذي توفره هذه الاتفاقية يعتبر أعلى سقف ممكن إذا كنا نتحدث عن اتفاقية بين قيادة الدولتين، ودون المعاهدة. تعبر الاتفاقية عن مفهوم جديد، ومن الصعب مقارنتها بالاتفاقيات الأخرى، إلا أن السقف متساوٍ -وإن اختلف- فقد اختلف بسبب البيئة الإستراتيجية والمتغيرات الجيوسياسية.

سألت: إن سعادة السفير الأمريكي، وفقاً لما نشر في «أخبار الخليج»، يقول: «كما أننا نتفق على العمل معاً للمساعدة في ردع ومواجهة أي عدوان خارجي أو التهديد بالعدوان، فإننا نجتمع على الفور على أعلى المستويات لتحديد الاحتياجات الدفاعية الإضافية والاستجابات» فمن الذي يحدد الاحتياجات وما هي طبيعتها؟ فجاءتني الإجابة: تحديد الاحتياجات المقصود منه هو التأكد من أن القدرات المتوافرة في مملكة البحرين تتناسب مع التهديد؛ أي إذا كان التهديد أكبر من القدرات المتوافرة، تعزز هذه القدرات للمستوى المطلوب لتحقيق الغاية (الردع).

أول الهواجس التي استدعت تلك الأسئلة هو البحث عن ضمانات لعدم تكرار موقف الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2011، وهو موقف نجم عن الاختلاف في تحديد مصدر وحجم «التهديدات»، وكان ذلك الاختلاف سبباً في تهديد أمن البحرين تهديداً وجودياً.

إذ اعتبرت إدارة باراك أوباما حين ذاك أن ما يحدث في البحرين ما هو سوى احتجاجات مشروعة واضطرابات عادية، وأن على حكومة البحرين أن ترضخ لها وتستجيب وتجلس معها للتحاور، في حين كانت المسألة الواضحة للعيان ولجميع أبناء الشعب البحريني أن تلك كانت تنظيمات مسلحة بحرينية عميلة بالوكالة وبقيادة الحرس الثوري الإيراني، وهي من يقود الحراك، وقدمت البحرين حينها كل الأدلة على ذلك. لكن إدارة أوباما سدت آذانها ولم تكتف بعدم إدانة هذا التهديد، بل بالعكس دعمته ووقفت معه، ومن ذلك الموقف الأمريكي استمد وكلاء إيران قوتهم، والأكثر أنها منعتنا من التعامل مع تلك التهديدات، وحاولت منع الأشقاء في الخليج من دعمنا كما هو معروف من محاولات هيلاري كلينتون. ذلك كان أكبر تهديد تعرضت له مملكة البحرين في التاريخ المعاصر، ومع ذلك لم نجدكم معنا بل كنتم ضدنا.

تلك الهواجس هي التي نبحث لها عن أجوبة؛ لأن خبرتنا مع النظام الإيراني ليست في البحرين فحسب، بل في المنطقة كلها أن تهديداته لا تكون خارجية، فلا يستعين بجيشه النظامي ولا بحرسه الثوري للهجوم على دول الجوار، بل بوكلائه كما فعل معنا عام 1980 و1995 و2011، وكما فعل في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

فإن كانت الاتفاقية ما زالت تمنح الضمانات للتهديدات الخارجية فقط فلا بأس، إنما شريطة أن تترك لنا حرية التعامل مع التهديدات التي تأتي من الوكلاء المحليين، ولا تتدخل في شأننا الداخلي بحجة ملفات حقوق الإنسان وملفات حريات... وتضع عقوبات وتمتنع عن استقبال قياداتنا.. إلخ، ما كان يتخذ كذريعة لحماية ودعم التنظيمات والجماعات العابرة للحدود كسياسة وإستراتيجية كانت سائدة إبان حكم الإدارات الديمقراطية في المنطقة.

الاتفاقية لها جوانب متعددة أخرى اقتصادية ولوجستية في صالح شعوب المنطقة والشعب الأمريكي، ونود أن يستفيد منها الطرفان فعلاً، وخاصة أننا نرى تغيراً كبيراً قد طرأ على تلك السياسة الليبرالية اليسارية الأمريكية التي ظنت أننا كشعوب وحدنا من نستفيد من تلك الاتفاقيات حتى اصطدمت بالواقع، وتعلمت أنها بحاجة إلينا ربما أكثر مما نحن بحاجة إليها.

(الوطن) البحرينية

يتم التصفح الآن