قضايا العرب

بالأسماء والوقائع... هكذا وقع تنظيم "القاعدة" تحت الوصاية الإيرانية!

القاهرة - محمد خيال

المشاركة

لا تمرّ ذكرى تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول، التي استهدف فيها تنظيم "القاعدة" قلب الولايات المتحدة، دون أن تتجدّد التساؤلات حول مصير التنظيم الذي تسبّب في إعادة تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية، وحقيقة الدور الإيراني في توجيهه.

بالأسماء والوقائع... هكذا وقع تنظيم

رغم حالة التفكّك التي ضربت أعمدة التنظيم بعد مقتل مؤسّسه أسامة بن لادن، وخليفته أيمن الظواهري، إلا أنه لا يزال مؤثّرا بأشكال عدّة في صياغة السياسات الأمنية والتحالفات الدولية بحكم نشاطه في عدة مناطق من العالم، إضافة إلى متغيّر جديد طرأ على إدارته وقيادته في أعقاب الاجتياح الأمريكي لأفغانستان عام 2001، مرتبط بالدور الإيراني الغامض في توجيه وصياغة تحرّكاته، وذلك في ظلّ ما توثّق من إقامة قيادته الجديدة في طهران وتحت حماية مباشرة من الحرس الثوري الإيراني.

ماذا بقي من "القاعدة"؟

تنشط أفرع التنظيم، الذي يعاني أزمة قيادة في أعقاب مقتل زعيمه الثاني أيمن الظواهري في غارة أمريكية على منزل كان يتواجد داخله في العاصمة الأفغانية كابول في يوليو/تموز 2022، في عدة مناطق، أبرزها منطقة القرن الأفريقي حيث "حركة شباب المجاهدين" فرع التنظيم في الصومال والتي تُعدّ الأقوى بين أذرعه في الوقت الراهن، إذ تسيطر حاليًا على نحو 30% من مساحة الصومال، كما باتت معسكراتها بمثابة قاعدة تدريب لأذرع التنظيم الأخرى وتحوّلت إلى أحد مهدّدات الأمن في تلك المنطقة الهامة التي تمسّ أمن التجارة العالمية.

وفي منطقة الساحل الأفريقي تنشط أيضًا جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التي تمّ الإعلان عنها في 2017 بعد اندماج وتحالف مجموعة من أذرع "القاعدة" في شمال وغرب أفريقيا، ونفّذت تلك الجماعة عمليات ضد القوات الفرنسية في مالي، وكذا الجيش المالي، وكان أحدث تحركاتها حصار مدينة تمبكتو الأثرية ذات الأهمية الخاصة في أغسطس الماضي في خطوة أثارت مخاوف بشأن نشاط "القاعدة" في تلك المنطقة بسبب هشاشة الوضع الأمني الناجم عن الانقلابات العسكرية الأخيرة في النيجر وبوركينا فاسو ومالي.

أما ثالث أبرز أفرع التنظيم فهو تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية، والذي انحصر نشاطه مؤخرًا في اليمن فقط، فوفقًا لـ"مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثه" (ACLED) ارتفع نشاط "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية باليمن عام ٢٠٢٢، وتحديدًا في الجنوب اليمني الذي تجدّد النشاط فيه نهايات ٢٠٢٢ وبدايات ٢٠٢٣، وتركّزت الاشتباكات وقتها مع قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، حيث توقف بشكل شبه تام نشاطه ضد الحوثيين. وفي منتصف نيسان/ أبريل ٢٠٢٣، أصدر التنظيم رسالة جدّد فيها تأكيده على استمرار نشاطه ضد جماعة الحوثي لحين إنهاء سيطرتها على اليمن، وذلك دون وجود دلائل عملية على ذلك.

"القاعدة" كان مشروعًا فرديًا قائمًا على اسم بن لادن، وبمجرد اختفائه تشقّقت أعمدته وتفكّكت

في هذا الإطار يرى خبير في شؤون التنظيم، أنّ "القاعدة" القوية انتهت بمقتل مؤسّس التنظيم أسامة بن لادن، لافتًا إلى أنّ مستقبل التنظيم يكاد يكون توقّف بغياب بن لادن، وأية محاولات من جانب قيادات التنظيم بعد هذا الحدث هي مجرّد محاولة للإبقاء على اسم التنظيم فقط.

ويرجع الخبير في حديثه لـ"عروبة22" رؤيته تلك إلى كون تنظيم "القاعدة" بالأساس كان "مشروعًا فرديًا قائمًا على اسم أسامة بن لادن، وبمجرد اختفائه تشقّقت أعمدة التنظيم وتفكّكت".

وحول شكل "القاعدة" مستقبلًا، يعرب عن ثقته بأنّ "التنظيم لن يلتئم مجددًا، وسيقتصر فقط على مجموعة فروع منفصلة تتبنّى نهج "القاعدة" دون أن يكون هناك قيادة مركزية بل قيادات يغلب عليها الطابع المحلّـي".

إدارة إيرانية لـ"القاعدة"

إثر الاجتياح الأمريكي لأفغانستان في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، فرّت قيادات "القاعدة" تحسّبًا للملاحقة الأمريكية، ووقتها وفّرت لهم إيران ملاذًا آمنًا بعيدًا عن أيدي الأمريكيين، وفق عملية مهندسة تمّ بموجبها نقل مجلس شورى التنظيم باستثناء زعيمه بن لادن ورفيقه الظواهري ومسؤول الملف المالي سعيد المصري إلى إيران، وذلك بحسب ما كشفته مصادر متطابقة، من بينها قيادي سابق في التنظيم أشرف على عملية تأمين انتقال هؤلاء القيادات بالتنسيق مع الجانب الإيراني وقتها.

كان أبرز هؤلاء القيادات؛ "سيف العدل" الذي يُعتقد أنه الزعيم الحالي للتنظيم، والمعروف وقتها بوزير دفاع "القاعدة"، و"أبو محمد المصري" الذي قُتل في عملية نوعية بقلب طهران عام 2020 وكان يوصف وقتها بالرجل الثاني في التنظيم، إضافةً إلى "أبو الخير المصري"، والذي كان يعرف بوزير خارجية "القاعدة" وقُتل في سوريا عام 2017 بعدما انتقل إليها بتكليف من زعيم التنظيم أيمن الظواهري للمشاركة فيما سُمي بـ"الجهاد السوري" عام 2015.

في 12 يناير 2021، وخلال مؤتمر صحفي بنادي الصحافة الوطني في العاصمة الأمريكية، أدلى وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو بتصريحات اتّهم فيها إيران صراحةً بأنها "المركز الرئيسي الجديد" لتنظيم "القاعدة"، مؤكدًا رفع إيران والتنظيم، بعد 30 عامًا من التعاون، علاقتهما إلى مستوى جديد في السنوات الأخيرة. ففي عام 2015، من المرجّح أن طهران "قرّرت السماح لـ"القاعدة" بإنشاء مقر عملياتي رئيسي جديد" على أراضيها، و"تعمل حاليًا المنظّمة الإرهابية تحت القشرة الصلبة لحماية النظام الإيراني".

من يوفّر الملاذ والتمويل يملك الوصاية والقرار

من جانبه، ينقل الخبير نفسه عن قيادي سابق في التنظيم تأكيده سيطرة طهران على قرارات "القاعدة" عبر التحكّم في رأس التنظيم، قائلًا: "طالما أنّ قيادة التنظيم ممثلة في سيف العدل والذي يقيم في إيران وتحت حمايتها فلا بدّ أن يكون هناك تأثير إيراني يضمن مصالح الإيرانيين في أيّ مركز من مراكز التنظيم بالعالم". ويستطرد: "المتابع للفترة الماضية سيكتشف أنّ كافة قرارات "القاعدة" كانت تصبّ في خدمة المصالح الإيرانية وذلك في مقابل توفير الحماية للتنظيم ودعمه".

وبشأن التعاون بين "القاعدة" وطهران رغم التباين العقائدي المفترض بينهما، يجيب: "المصالح السياسية تطغى على الجوانب العقائدية، حتى أنهم يستحضرون نصوصًا شرعية وقواعد فقهية لتبرير إجراءاتهم".

ويجزم القيادي السابق بالتنظيم أنّ "قيادة "القاعدة" لا تزال في إيران، حيث يتواجد "سيف العدل" وأسرته ونجله الأكبر خالد، إضافة إلى عبد الرحمن المغربي صهر زعيم التنظيم السابق أيمن الظواهري والذي يتولى الإشراف على الذراع الإعلامية للتنظيم عبر مؤسسة "السحاب"، وبالتالي فإنّ التنظيم أصبح بمثابة "ورقة ضغط" في يد طهران تستخدمها حين وحيث تريد خدمةً لمصالحها... على قاعدة أنّ من يوفّر الملاذ والتمويل يملك الوصاية بل والقرار".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن