لا يزال السودان مبتلى بحرب طاحنة، على مدار ستة أشهر، بين «قوات الدعم السريع» والجيش السوداني، راح فيها آلاف القتلى والجرحى، ونزح ولجأ الملايين إلى دول الجوار، في حين لا يوجد أفق حل حتى اللحظة بين الطرفين المتقاتلين، أو بوادر انفراج يمكن أن تضع حداً لاستنزاف البلد الذي يكتوي أصلاً، ومن قبل اندلاع الصراع، بأزمات أمنية واقتصادية لا حصر لها.
الاشتباكات تأخذ منحى تصاعدياً؛ إذ كانت البداية تقتصر على مناطق معينة في العاصمة الخرطوم، ثم توسعت إلى مدن وأقاليم أخرى، كأم درمان، ودارفور، وغيرهما، في حين أن الأسلحة الثقيلة تستخدم، في محاولة كل طرف لسحق الآخر، ولكن الضحية الأبرز هم المدنيون، الذين يدفعون كُلفاً ضخمة؛ إذ أضحوا بين مطرقة القنابل المتساقطة فوق رؤوسهم، وسندان العوز والفقر والتيه وانعدام أبسط مقومات الحياة.
هذا الصراع يكمن فيه الخطر المحدق الذي يهدد تماسك السودان، ووحدته؛ إذ إنه أيقظ النعرات العرقية، خصوصاً في دارفور التي شهدت في السابق مشكلات لا حصر لها، ويعيدها إلى مربع التناحر الأول الذي خلّف أكثر من 300 ألف قتيل، كما أن هذا الوضع يطبع الأوضاع الحالية؛ بحيث تكون تحت حكم الأمر الواقع، كل طرف يدير ما يقع تحت يده، أي ستكون هناك إدارتان، إحداهما مدعومة من الجيش، وأخرى من «الدعم السريع»، ما لم تتم صياغة توافق على حكومة موحدة، تنقذ ما تبقى من البلاد، وهو ليس بالأمر الوارد الآن، أو في المستقبل القريب. والأخطر من ذلك كله، هو تغلغل عناصر إرهابية، واستغلال ما يحدث لتنفيذ أجنداتها، وبناء قاعدة لها، للسيطرة على مناطق، والتوسع منها، وأيضاً تهديد الدول المجاورة، تماماً كما يحدث في الصومال بعد سيطرة حركة «الشباب» الإرهابية على مساحات شاسعة تنطلق من خلالها بهجمات في أنحاء البلاد، وليس من المستبعد أن يتكرر هذا السيناريو في السودان أيضاً.
أما على المستويين، الإنساني والاقتصادي، فهو كارثي، فمئات الأطفال فقدوا حياتهم، ولم يبلغوا بعد سن الخامسة، بسبب تفشي الأمراض، كالكوليرا وحمى الضنك، بينما خرج ثلثا المستشفيات، خصوصاً في الخرطوم، من الخدمة، في حين أن الوضع الاقتصادي من سيئ لأسوأ، في ظل تعطل مؤسسات الدولة، وعدم وجود قدرة على التحكم في المقدرات، وتوزيع الموارد والرواتب على الشعب، أو بناء الحد الأدنى من البنى التحتية، أو مواجهة الكوارث، خصوصاً أن السودان تعرض لفيضانات، وقد يواجه المزيد مستقبلاً، كما أن التضخم وصل إلى مستويات قصوى.
السودان البلد الغني، بشعبه وثرواته، يواجه خطر الفشل الذريع، إن لم تتم تنحية الخلافات جانباً، والنظر إلى مصلحة البلاد العليا، والترفع عن المصالح الضيقة، التي لن تعود على البلاد إلا بمزيد من التيه والضياع، فلا خيارات كثيرة، والوقت ضيق جداً، والمتربصون الخارجيون ينتظرون الفرصة السانحة للانقضاض على فريستهم، بعد أن تنهك تماماً، فهل يستيقظ الطرفان، أم أن الاحتراب هو اللغة الوحيدة بينهما؟.
("الخليج") الإماراتية