قضايا العرب

ارتدادات "الطوفان": تغيير قواعد الاشتباك وتجميد مسار التطبيع

القاهرة - محمد خيال

المشاركة

حرب هي الأولى من نوعها مع الجانب الفلسطيني تواجهها إسرائيل منذ نكبة عام 1948، إذ استيقظت دولة الاحتلال صباح يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، على طوفان فلسطيني أغرق مستوطنات غلاف غزة، بمقاتلي فصائل المقاومة الفلسطينية الذين اقتحموا السياج الحدودي بين القطاع والمستوطنات من 4 نقاط، ثم اقتحموا بعدها بحسب الإعلام العبري 14 موقعًا في الداخل، في يوم وصفه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بـ"شديد القسوة".

ارتدادات

قسوة هذا اليوم لن تتوقّف حدودها عند عدد قتلى وجرحى الإسرائيليين بالمئات، فضلًا عن عشرات الأسرى من جنود وكبار القادة العسكريين لجيش الاحتلال والذين قدّرتهم وسائل إعلام عبرية بنحو 55 أسير، لكن الأمر قد يقود إلى تغييرات مفصلية في قواعد الاشتباك والتفاوض والتهدئة، عدا عن تعديلات في خريطة المفاوضات الإقليمية.

التداعيات تتجاوز الحدود الجغرافية للعمليات العسكرية

اللواء الدكتور أحمد الشحات، استشارى الأمن الإقليمي ورئيس مركز "شاف" للدراسات المستقبلية بالقاهرة، يرى أنه ستكون هناك تداعيات أوسع تتجاوز الحدود الجغرافية للعمليات العسكرية التي شهدتها غزة ومحيطها، مشيرًا إلى أنه ربما يطال تأثير تلك العمليات مسار التطبيع العربي الإسرائيلي، الذي سيصاب بالجمود، متوقعًا أن تكون هناك وقفة متأنية من جانب بعض الدول العربية التي بدأت مفاوضات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل خلال الفترة الماضية، في ظلّ حالة الانهيار التي ضربت القدرات العسكرية الإسرائيلية، وفي وقت كانت تعوّل فيه بعض الدول على تل أبيب لحمايتها من التهديدات الإيرانية.

كما أعرب الخبير الأمني المصري عن اعتقاده بأن تصل هذه التداعيات أيضًا إلى التعاون العسكري والأمني والاستخباري بين إسرائيل وحلفائها في ظل ما أسماه بـ"الفشل الذريع لأجهزة المخابرات الإسرائيلية"، ويقول: "تلك الأجهزة كان من المفترض أن تقدّم معلومات مسبقة لباقي المنظومة العسكرية الإسرائيلية حتى تتحضّر لمواجهة ما جرى، وهو ما لم يحدث فأثّر سلبًا على عمل منظومة القبة الحديدية التي كانت تتفاخر بها إسرائيل سابقًا، لكنها انهارت أمام التكتيكات الجديدة لفصائل المقاومة الفلسطينية".

وأعلن القائد العام لكتائب "عزّ الدين القسّام" الجناح العسكري لحركة "حماس" محمد الضيف، صباح السبت السابع من أكتوبر بدء عملية "طوفان الأقصى"، ردًا على جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين واقتحاماته المتكررة للمسجد الأقصى.

وقال الضيف في كلمة مسجّلة بثّتها "قناة الأقصى": "نُعلن بدء عملية طوفان الأقصى، ونعلن أن الضربة الأولى التي استهدفت مواقع العدو وتحصيناته تجاوزت ٥ آلاف صاروخ وقذيفة". وأضاف: "بدءًا من اليوم ينتهي التنسيق الأمني، وكل من عنده بندقية فليخرجها فقد آن أوانها" في إشارة لمبدأ وحدة الساحات، في الوقت الذي تسعى فيه فصائل المقاومة لإشعال النيران حول الاحتلال من مختلف الجهات، حيث من المنتظر خلال الساعات المقبلة شنّ عمليات للمقاومة في الضفة والقدس وربما داخل الخط الأخضر.

بُعد آخر تطرّق إليه رئيس مركز "شاف" للدراسات المستقبلية، مرتبط بمصير حكومة بنيامين نتنياهو وائتلافه السياسي، مرجّحًا مساهمة تلك الأحداث في انهيار هذا الائتلاف وسقوط الحكومة الإسرائيلية في مدى زمني قريب، "في ظل الفشل الذريع، وحالة الغضب المسيطرة على الشارع الإسرائيلي".

تطوّر نوعي... وتغيير قواعد التفاوض

على المستوى الميداني والعسكري، يرى خبراء أمنيون أنّ الرد الإسرائيلي لن يكون على مستوى الحدث، في ظل وجود متغيّر نوعي هام هذه المرة، مرتبط بعدد الأسرى الذين نقلتهم المقاومة إلى داخل غزة، ومستوياتهم القيادية، و"هذا المتغيّر سيحدّ من قدرة إسرائيل على الردّ، بل وقد يدفع بتحوّل كبير في طبيعة عملية المفاوضات"، لا سيما وأنّ "سقوط هذا العدد من الأسرى في أيدي المقاومة، قد يغيّر قواعد التفاوض لتتحوّل من أسرى مقابل أسرى إلى مطالب جديدة أعلى سقفًا، منها على سبيل المثال، المطالبة بإخلاء مستوطنات غلاف غزة"، يضيف الخبير الأمني المصري أحمد الشحات.

إعادة القضية الفلسطينية إلى الأجندة الإقليمية

ثمّة مكاسب نوعية أخرى حقّقتها العملية العسكرية الواسعة للمقاومة الفلسطينية، في مستوطنات غلاف غزة، مرتبطة بوضع القضية الفلسطينة، في مقدّمتها استعادة الحاضنة الشعبية الداخلية والعربية لمسار المقاومة المسلّحة، إضافةً إلى إعادة تموضع ملف القضية الفلسطينية في أجندة الاهتمامات الإقليمية بعدما عملت إسرائيل طوال الفترة الماضية على ترسيخ فكرة موت القضية وإخراجها من دائرة اهتمام بعض الأنظمة العربية في إطار اتفاقيات التطبيع.

عملية غزة ستدفع في اتجاه "فرملة" قطار التطبيع

ومن بين المكاسب السياسية، في إطار مسارات التعامل مع ملف القضية الفلسطينية، الجانب المرتبط بتعظيم أوراق ضغط المقاومة، ورفع سقف التفاوض خلال الفترة المقبلة من خلال العديد من المكتسبات التي يُعدّ أبرزها الأسرى الإسرائيليين، ووضع قواعد جديدة للاشتباك تجمع ما بين التكتيكي والاستراتيجي، خصوصًا وأنّ نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" صالح العاروري أعلن أنّ الحركة مستعدة للتصعيد إلى أبعد الدرجات، مبينًا أنّ كل الاحتمالات متوقعة وأنهم جاهزون لأسوأ الاحتمالات بما فيها الدخول البرّي للعدو، كاشفًا أنّ بين الأسرى عددًا من كبار الضباط الإسرائيليين.

في جميع الأحوال، لم تتكشّف بعد كل أبعاد عملية "طوفان الأقصى"، فالقصف المتبادل لا يزال قائمًا، وقد يتصاعد خلال الساعات المقبلة، والهجوم الصاروخي على غزة أسقط عشرات الشهداء ومئات المصابين، لكن مما لا شك فيه أنّ تلك العملية ستغيّر من معادلات الاشتباك والتهدئة بين المقاومة والاحتلال، كما ستدفع في اتجاه "فرملة" قطار التطبيع بين تل أبيب وبعض العواصم العربية التي اجتازت شوطًا كبيرًا في مفاوضات تبادل العلاقات الدبلوماسية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن