بين BBC وغزة!

أوسخ القلوب هي تلك التي تفرح بموت طفل أو اعتداء آثم على أسرة، ومعها الحبور بقتل مدني أعزل من قبل جماعة أو جيش نظامي.. سواء كان المجني عليه عربياً أو يهودياً أو غيرهما.. وبين هذا وذلك لم يكن الجيش الإسرائيلي إلا سافكاً لدم الأبرياء عدوانياً، سرق الأرض وقتل أهلها، ومع ذلك لم تكن مناظر قتل الأبرياء أو اختطاف المسالمين من قبل عناصر من حماس، بذلك الذي يدل على سلامة التوجه أو انتصار لقضية.. بل بعيداً عن معايير الأخلاق في المساواة في معايير الانتقام.. ولو صوبت سلاحك لمن يحمل السلاح ضدك لكان أشرف وأقوم وأسلم.

وبين وساخة القلوب ومرضها تختلف درجة الحماقة من إنسان لآخر في تقييم الوضع، لكن هل القناة الكبيرة BBC تحمل درجة الحماقة نفسها في التقييم والفرح بالقتل والتأييد له، هي كذلك مع كثير من نظيراتها الغربية، ففي الوقت الذي بكت فيه على اقتحام حماس للمستعمرات الإسرائيلية، هللت فرحاً بقتل المدنيين بغزة وفق أوصاف حملت الانتقام ورد الاعتداء، وكأن ليس هناك مسالمون لا ذنب لهم في ما يجري، سوى أنهم ينتمون ديناً وعرقاً لمن تريدهم إسرائيل!

سواد القلب بحد ذاته مرض ولكنه ليس كغيره من الأمراض لأنه متأصل في الدم الغربي، الذي يرى في غيره أقل منه ليتحول فكره الاستعلائي إلى حماقة، حتى كثير من الفكر الغربي غير المقيد بالإعلام والقرار السياسي يرفضها وهو ما شاهدناه عياناً بيناً عبر المنتديات ومواقع التواصل من تعاطف مع المستهدف البريء سواء فلسطينياً أو إسرائيلياً.. وهو تأصيل أن داء الحماقة يبدأ من أصحاب الرأي والتأثير إعلامياً وسياسياً.

السؤال القائم الآن.. لماذا يصر بعض الإعلام والسياسيين أن يكونوا بكل هذه الحماقة، كما هي القناة البريطانية الشهيرة، أن يصادروا حتى الرأي العام لشعوبهم وفكرهم الذي لم يعد للإعلام سيطرة فيه بسبب التقنيات التي تجعل الناس يستقون الحقيقة مجردة، هم يريدونهم أن يكونوا حمقى تابعون، لا يرون إلا ما يرون، يريدون العالم وحتى ضيوفهم في "الاستوديوهات" على أن يلبسوا ثوب الجهل والغباء والعمالة، يريدون أن يحقّروا كل ما هو عربي إسلامي، وتمجيد كل ما هو صهيوني! يريدون وبكل إصرار أن يكون الضيف والمتلقي والعالم كله صهاينة أكثر من الصهاينة أنفسهم!

الرأي العام الغربي.. أصبح بدون مصداقية، والـBBC أحد أهم أركانها، وهنا نحن لا يعنينا أي صوت أحمق حتى لو بلغ به الفجور أن انقلب على عقبيه من فرط حقد يعميه، ولا يستفزنا رأي أخرق إذا ما كان مصدره قناة موغلة بالتطرف هدفها تمزيق العرب وبث الكره والفرقة فيما بينهم.. لكن أن لا يندفع بعضنا بالنظر إلى جزء من الحدث وإغفال الأهم فيه، محملون بتأييد كامل ضد كل ما هو فلسطيني، وفق مبدأ "خالف تعرف"، يتصدرون القنوات، يريدون حضوراً يخدم الإعلام الذي استضافهم، ولا عليهم إن كانوا لا يعرفون القصة، فقط هم يستمعون ويريدون حضوراً!

العالم جميعاً وفيما يخص قتل المسالمين وبينهم النساء والأطفال، مخوّل بأن يقول من هو على حق أو باطل، ولن نكون عوناً أو موافقين على دعوة بتوسيع آفاق النزاع خارج فلسطين كما يفعل بعض أنصار الجهل، لكن لنكن منطقيين في وصف ما يتعرض له المدنيين في غزة من قتل وتهديم وهو ما تصفه الأمم المتحدة في المادة 33 "1949" بأنه جريمة حرب ضد الإنسانية.. لكن من يقنع الأمم المتحدة بتحريك هذا القانون ويوقف الاعتداء، والضحايا من النساء والأطفال.

الآن الـ BBC ومن خلفها يعبثون بالفكر العالمي، وفق تحديد الظالم والمظلوم، ومن يموت ومن له الحق في الحياة.. كامتداد لتاريخ من التسلط، يريدون تصوير الإسرائيليين بالمُعتدَى عليهم الأبرياء.. ونساء وأطفال فلسطين المعتدين، ولا مجال لذكر حقوقهم حتى وهم يقتلون.. وكل ذلك نعرفه.. لكن الأقسى هم المتواطئون، الذين يسترزقون من القضية حتى لو بحضور إعلامي مخجل!

("الرياض")

يتم التصفح الآن