يبدو مجلس الأمن الدولي مشلولاً خلال واحدة من أخطر اللحظات على السلم والأمن الدوليين في الشرق الأوسط منذ فترة طويلة. فمشروع القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة للتصويت حصد ليس فيتو واحد، وإنما اثنين من روسيا والصين. وكان مشروع قرار تقدمت به روسيا قد فشل في الحصول على الأصوات المطلوبة أيضاً للتصويت. يأتي الفيتو المزدوج بعدما كانت الولايات المتحدة استخدمت منذ أيام حق النقض «الفيتو» أيضاً ضد مشروع قرار تقدمت به البرازيل ودعا إلى وقف إطلاق نار إنساني. هذا يعني أن المأساة اليومية للمدنيين من قصف ودمار مستمرة في غزة في ظل الحرب الطاحنة بين إسرائيل و«حماس».
مجلس الأمن مقفل أيضاً من قبل روسيا التي استخدمت الفيتو لمنع صدور أي قرار حول الحرب في أوكرانيا السنة الماضية. فمجلس الأمن الذي أناط به ميثاق الأمم المتحدة مسؤولية الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين يتوقف عن مهمته هذه عندما يتعلق الأمر بقضية تخص أي من الدول الخمس الكبار الذين يتمتعون بحق النقض أو الفيتو للدفاع عن مصالحهم أو مصلحة حليف لهم.
والواقع أن المجلس مقفل في قضايا الشرق الأوسط منذ مدة، ولم يتمكن من إصدار أي قرار يتعلق بالمنطقة منذ 2016.
وكان التوتر والإحباط باديين على الجميع خلال جلسات المجلس هذا الأسبوع؛ لأن الأمم المتحدة التي تأسست من أجل تجنب الهاوية التي ينظر الجميع فيها اليوم، تقف عاجزة عن وقف الانزلاق إلى المجهول. ويرى البعض أن ما يجري يهدد العمل المتعدد الأطراف والأمن والسلم الدوليين بشكل غير مسبوق، كما يضعف المنظمة الدولية في أحرج الظروف والحاجة الماسة لها.
لقد كان الفيتو دائماً ومنذ بداية الأمم المتحدة ومجلس الأمن عقبة في طريق قيام المجلس بعمله وهو يستخدم من جميع الأعضاء الدائمين، وإنْ بوتيرة مختلفة. فالاتحاد السوفياتي استخدم الفيتو كثيراً في المرحلة الأولى من حياة المجلس وخلال الحرب الباردة؛ لأن الولايات المتحدة كانت تتمتع بقوة كبيرة في المجلس فتتحول قاعة المجلس إلى حلبة صراع بين الطرفين لوقف مشاريع كل طرف من الطرف الآخر. فروسيا استخدمت الفيتو 152 مرة حتى أوائل هذه السنة، بينما استخدمت واشنطن الفيتو 88 مرة معظمها يتعلق بإسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط. أما الصين فلم تستخدم الفيتو كثيراً في السابق، ولكنها الآن تستخدمه أكثر. فالصين استخدمت الفيتو 19 مرة فقط حتى اليوم منها 16 مرة منذ 1997 فقط. والعضوان الدائمان الآخران، فرنسا وبريطانيا، لم يستخدما الفيتو منذ 1989.
إن الإحباط الذي ولّده استخدام الفيتو دفع بالمجموعة العربية ممثلة بالأردن، رئيس المجموعة لهذا الشهر ورئيس منظمة التعاون الإسلامي، لطلب فتح دورة استثنائية للجمعية العامة بشكل عاجل؛ لبحث الوضع «الخطير، خصوصاً الحصار والعدوان العسكري من قبل إسرائيل، القوة المحتلة، ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة».
والواقع أن رئيس الجمعية العامة السفير دينيس فرنسيس استجاب لهذه الرسالة ولطلب آخر من مجموعة دول بينها روسيا وماليزيا وإندونيسيا، ودعا إلى عقد جلسة، أمس الخميس.
إن هذه الجلسة الطارئة الخاصة للجمعية العامة هي إحدى وسيلتين نجح أعضاء الجمعية العامة في التوصل إليهما للتغلب على إقفال مجلس الأمن من قبل الدول الدائمة العضوية عبر سلاح «الفيتو».
المبادرة الأولى جاءت بعد سنوات قليلة من إنشاء الأمم المتحدة عندما أصدرت الجمعية العامة، ورداً على استخدام الفيتو لمنع اتخاذ قرار من قبل المجلس حول الوضع في كوريا من قبل الاتحاد السوفياتي، القرار الرقم 377 في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 1950، والذي يوفر وسيلة للجمعية العامة لتناول المسألة والتصويت عليها عندما يقفل الفيتو مجلس الأمن أمام اتخاذ قرار.
وتُعقد الجلسة الطارئة هذه بناء على طلب تسعة أعضاء من مجلس الأمن أو غالبية الجمعية العامة.
وعقدت هذه الجلسات الطارئة نحو 12 مرة (نصفها يتعلق بالوضع في الشرق الأوسط) حتى الآن، آخرها هذا الأسبوع، ومن المتوقع أن تصوّت على مشروع قرار تتقدم به المجموعة العربية. وبالطبع، فإن هذا القرار سوف تتم الموافقة عليه؛ لأن الجمعية العامة فيها أغلبية تؤيد الموقف العربي، ولكن قرارات الجمعية العامة غير ملزمة مثل قرارات مجلس الأمن، وخصوصاً إذا صوّت المجلس على قرار ووضعه تحت الفصل السابع، وهذا غير مطروح في موضوع الحرب بين «حماس» وإسرائيل أصلاً، حيث يصبح بالإمكان فرض تطبيق هكذا قرار.
المبادرة الثانية ولدت السنة الماضية بعدما استخدمت روسيا الفيتو؛ لتمنع مرور قرار ضد الحرب في أوكرانيا. وهذا القرار الجديد الذي صوتت الجمعية العامة عليه بالإجماع في 26 أبريل (نيسان) 2022، يشير إلى مدى التأييد في الجمعية لإيجاد حل لمشكلة الفيتو ولشلل مجلس الأمن من قبل الدول الكبرى. وحسب هذا القرار، على الدولة التي تستخدم الفيتو أن تحضر جلسة للجمعية العامة وتشرح فيها لماذا لجأت إلى الفيتو.
ولم تعقد الجمعية العامة اجتماعاً بناء على هذا القرار الجديد، ولجأت إلى عقد دورة طارئة خاصة؛ لأنه حسب قرار الجمعية العامة حول مبادرة الفيتو هذه، تتقدم الجلسة الطارئة عليه.
وعبّر أعضاء مجلس الأمن عن خيبتهم إزاء فشل المجلس في اتخاذ قرار، ولكن كل طرف كان يشعر بالخيبة؛ لأن قراره لم يمر بسبب الانقسام الحاد في المجلس. سفيرة الولايات المتحدة عبرت عن خيبة كبيرة؛ لأن القرار لم يمر مع «أننا سمعنا لكم جميعاً». وأكدت أنه على الرغم من هذا التراجع فإننا لن نتوقف». السفير الصيني كان حاسماً عندما قال إنهم استخدموا الفيتو ضد القرار الأميركي «بناء على الحقائق، وعلى القانون، وعلى الضمير، وعلى العدالة».
إن شلل مجلس الأمن هو مرآة للوضع الدولي المتأزم، وللتوتر بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، والصين وروسيا وحلفائهما من جهة أخرى. إن نظرة إلى تاريخ العلاقات بين الدول العظمى داخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن تؤشر إلى مرحلة صعبة من عرقلة عمل المجلس والتعاون الدولي، كما كان يحدث دائماً عندما يسود التوتر هذه العلاقات. ولكن الوضع اليوم أصعب وأخطر؛ لأن النزاع هو على تشكيل نظام عالمي جديد، وتهديد جدي للنظام القائم. فحتى المأساة التي تحل بالشعب الفلسطيني وخطر توسع الحرب في المنطقة لم يقنعا الدول الكبرى بوقف التهور نحو الهاوية. في هذا الجو ما على الدول الصغرى إلا الانحناء للعاصفة اليوم. فهناك مَثَل أفريقي يقول: عندما تتقاتل الفيلة يدفع العشب الثمن. أتمنى ألا يصبح العالم العربي عشباً في الحروب.
(الشرق الأوسط)