صحافة

صدمة بعض العرب في إسرائيل

عماد الدين حسين

المشاركة
صدمة بعض العرب في إسرائيل

أظنّ أن هناك صدمة لدى بعض الحكومات العربية، بعد أن اكتشفت الوجه الأكثر إجراما ووحشية لدى إسرائيل، وأظن أيضا أن رهانات بعض العرب على إسرائيل قد سقطت تماما بعد ثلاثة أسابيع من العدوان الإسرائيلى الهمجي على قطاع غزة ردا على عملية «طوفان الأقصى» في ٧ أكتوبر الجاري.

العرب، وأقصد هنا بعض الحكومات وليس الشعوب، مدوا أيديهم بالسلام مراهنين على أن ذلك سيغير من الطبيعة العدوانية لهذا الكيان الأكثر إرهابية في العالم أجمع.

نعلم أن مصر مثلا هي أول دولة عربية بادرت بمد أيديها بالسلام حينما زار الرئيس الأسبق محمد أنور السادات القدس في ١٧ نوفمبر ١٩٧٧، وخاطب الكنيست الإسرائيلي عارضا عليهم السلام العادل، ثم وقع معهم اتفاقيات كامب ديفيد في سبتمبر ١٩٧٨ وبعدها بشهور تم توقيع معاهدة السلام في ٢٥ مارس ١٩٧٩.

في عام ١٩٩٣ اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني بإسرائيل وقبلت بالقرار ٢٤٢ و٣٣٨، ووقعت مع إسرائيل اتفاقيات أوسلو عام ١٩٩٣، بعد مفاوضات مدريد التمهيدية نهاية عام ١٩٩١، ثم وقعت الأردن اتفاقيات وادي عربة عام ١٩٩٤.

ونعلم أن الدول العربية وبعد ممانعات كثيرة طرحت المبادرة العربية للسلام عام ٢٠٠٢ عقب قمة بيروت، ونعلم أيضا أن العديد من الدول العربية أقامت علاقات مع إسرائيل في السنوات الثلاث الأخيرة مثل المغرب والبحرين والإمارات والسودان.

ورأينا زيارات متبادلة كثيرة وتوقيع العديد من الاتفاقيات في العديد من المجالات.

الحكومات العربية ربما تكون فعلت ذلك لأسباب مختلفة لدى كل دولة، ومعظمها يقول إننا حاولنا التأثير في الرأي العام الإسرائيلي وإقناعه بأن العرب يمدون أيديهم بالسلام للإسرائيليين، بل وإزالة الصور المترسخة في الأذهان الإسرائيلية بأن العرب قوم متوحشون يريدون إبادة الإسرائيليين وإلقاءهم في البحر طبقا للمزاعم والدعاية الصهيونية.

لكن ومع هذا العدوان البربري فقد اتضح أن إسرائيل لم تتغير إطلاقا، بل اتضح لمعظم العرب أنها أكثر عدوانية مما ظنوا. والأخطر أن الإسرائيليين ينظرون للعرب في سرهم وعلنهم باعتبارهم كائنات دونية لا تستحق العيش، ولا يفرقون في ذلك بين مقاومة مسلحين ومعتدلين مسالمين.

ورأينا وزير الدفاع الإسرائيلي أولاف جالانت يصف المقاومين الفلسطينيين بأنهم «حيوانات بشرية».

وثبت يقينا أن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي الأكثر إجراما وتطرفا وتحلم بتطبيق إسرائيل الكبرى من النيل للفرات.

اتضح للحكومات العربية ما كان واضحا ومعروفا ومكشوفا لكثيرين، وهو أن إسرائيل لا تؤمن بفكرة الأرض مقابل السلام، بل حتى لا تؤمن بفكرة السلام مقابل السلام، لأن سوريا مثلا المنشغلة بحرب أهلية وبمواجهة الإرهاب، ولديها هضبة الجولان المحتلة، لا تسلم من اعتداءات إسرائيلية متكررة تكاد تكون أسبوعية وأحيانا يومية.

لدى إسرائيل عقيدة ثابتة لا تتغير وهي أن يظل العرب متفرقين منقسمين ضعفاء.

طبعا لا نلوم إسرائيل على ذلك بقدر ما نلوم العرب الذين يعطونها الفرصة لذلك، لكن ما أقصد قوله إن مجمل سلوكها لم يكن إطلاقا يهدف للعيش في سلام، بل أن تكون سيدة المنطقة. والباقون أو «الأغيار» يعملون لديها عبيدا أو حراسا لأمنها، وهو الأمر الذي يؤمن به بعض الصهاينة.

اتضح لكثيرين أن إسرائيل تريد أموال العرب وثرواتهم، دون أن تقدم لهم أي شيء في المقابل.

المشكلة الأكبر هي في الذهنية الإسرائيلية التي تنظر للعربي باعتباره إما يملك أموالا كثيرة لا يستحقها أو أيدي عاملة رخيصة، وأنهم أي الإسرائيليين الأقدر على تشغيلها والاستفادة منها سواء للأموال أو البشر، مقابل أن يضمنوا رضاء الولايات المتحدة والحكومات العربية عن هذه الدولة أو ذاك المسؤول.

أظن أن الحكومات العربية مطالبة أن تدرس بهدوء النتائج والدروس الصحيحة مما حدث ويحدث من عدوان إسرائيلي ونوايا لا تغيب عن أحد خصوصا فكرة تهجير أهالي وسكان غزة إلى سيناء المصرية.

تحتاج الحكومات العربية أن تبحث عن حلول عملية لمواجهة هذه العقلية الإسرائيلية شديدة الخطورة، خصوصا أنها مدعومة بصورة سافرة من كل الحكومات الغربية وبالأخص من الولايات المتحدة الأمريكية.

("الشروق") المصرية

يتم التصفح الآن