واشنطن ترتكب جريمة حرب!

أصبح على واشنطن أن تصمت تماماً عن الحديث حول حقوق الإنسان، تتهم العالم كله بانتهاك حقوق الإنسان وتستخدم هذه الورقة للتهديد وقطع المعونات، بينما هي ترتكب جريمة بشعة يجرمها القانون الدولي الإنساني، تدعم، وتشارك في جريمة العقاب الجماعي الذي توقعه على شعب فلسطين الذي لا يحارب بل مدنيين عزل أغلبهم من كبار السن والأطفال والنساء، بدلا من أن يقتصر الصراع على مواجهة القوة العسكرية لحماس.

تعلن أنها تأمرهم بالهجرة حماية لهم، وهذا ليس صحيحا فهي تقصفهم بالقنابل في أثناء خروجهم إلى الجنوب في رحلة قاسية. إن تهجير أكثر من مليون شخص خلال مهلة زمنية معينة أمر صعب التنفيذ إن لم يكن مستحيلاً. هؤلاء المهاجرون يتركون بيوتهم قهراً ليذهبوا إلى ظروف أكثر سوءا رغم أن هذا بدوره يعتبر جريمة حرب حسب اتفاقيات جنيف سنة 1949 التي تنص على أن إجبار مواطنين على ترك بيوتهم وأوطانهم وإلا تعرضوا للقتل، جريمة حرب، لكن واشنطن تدعمها بالمال والسلاح و2000 جندي والبوارج الضخمة.

وهنا أرجو أن يسمح لي القارئ بتصحيح عنوان المقال (ليصبح واشنطن ترتكب جرائم حرب). هؤلاء المدنيون العزل تنص المواثيق الدولية على ضرورة حمايتهم، وأن التعرض لهم جريمة دولية وهي الجريمة الثالثة التي ترتكبها إسرائيل بدعم من واشنطن، المدنيون محرومون من الغذاء، والماء والدواء والعلاج والطاقة، بينما إسرائيل عليها واجب حمايتهم. تدعي حكومة إسرائيل أنها ترتكب كل ذلك لحماية أمنها القومي وهو عذر واهٍ غير صحيح سخرت منه قيادات دولية في مقدمتها الصين التي أعلن رئيسها أن ما ترتكبه إسرائيل يفوق كثيرا دواعي الأمن القومي، هؤلاء المدنيون لا يمثلون أي خطر عليهم حتى تواجههم بهذه القسوة دون أي تكافؤ في استعمال القوة.

عندما أعلن رئيس وزراء إنجلترا أنهم يدعمون إسرائيل في حقها في الدفاع عن النفس قام أحد كبار أساتذة القانون في إنجلترا ليحذره ويطالبه بالرجوع إلى قانون الحرب والقانون الدولي الإنساني للتأكد من أن ما يحدث لغزة اليوم على يد إسرائيل هو جريمة حرب بكل معنى الكلمة، وطالبه بعدم الزج بإنجلترا في صراع قائم على انتهاك قوانين الحرب، وإلا أصبح شريكا في الجريمة يستحق العقاب.

يشكو الأطباء، بعضهم فلسطينيون والبعض الآخر متطوعون من دول مختلفة، أنه ليس لديهم طاقة لتشغيل أجهزة العلاج إلا لعدة ساعات، وليس لديهم الأدوية المطلوبة، وأن اللاجئين يفقدون الوعي بسبب عدم الغذاء. إسرائيل تطالب الأطباء بنقل المرضى إلى الجنوب، وهو أمر مستحيل، صرح رئيس منظمة الصحة العالمية بأن نقلهم وأغلبهم يعيشون على أجهزة تنفس صناعية، وأطفال فى الحضانات يعتبر بمثابة حكم إعدام عليهم. لم تكتف إسرائيل بعدم الاستجابة لمطالب الأطباء بل على العكس ارتكبت جريمة تعتبر من أبشع جرائمها وقامت بقذف المستشفى المعمداني دمرته وقتلت مئات من المرضى واللاجئين وطاقم العلاج. هذه الجريمة أثارت اعتراض الرأي العام العالمي بشدة، وقامت المظاهرات تدافع عن فلسطين في الدول العربية، وأوروبا وآسيا عندئذ أرادت إسرائيل التخلص من المسؤولية، وإلقاء اللوم على غيرها فأعلنت أن القصف قامت به حماس ثم عادت لتقول إنه من فعل حزب الله من لبنان ولا علاقة له به ولا غرابة في ذلك فهي اشتهرت بعدم قول الصدق (أي الكذب) وتغيير الأقوال للهروب من المسؤولية، فعلت ذلك بالنسبة لمقتل الصحفية شرين، تماماً مثلما فعلت عندما ضربت مدرسة «بحر البقر» للأطفال وعندما قصفت منذ أيام إحدى الكنائس في غزة، وغير ذلك كثير.

طالب البعض الأمم المتحدة القيام بتحقيق دولي في هذه الجريمة لتحديد مرتكبيها لكن إسرائيل كعادتها لن تسمح بذلك ـ علاقتها بالأمم المتحدة سيئة بسبب موضوعية السكرتير العام لأنه أشار إلى معاناة شعب فلسطين وتحاربه كما فعلت مع بطرس غالي لموقفه العربي العادل من أحداث (قانا). قدمت الصين وروسيا مشروع قرار في مجلس الأمن يطالب بوقف إطلاق النار والاعتراف بدولة فلسطين لم توافق عليه واشنطن رغم أنه الوسيلة الصحيحة للسلام وهي بذلك تعرقل جهود السلام، وترتكب جريمة أخرى إضافية. كل هذا الواقع يثبت أن واشنطن ترتكب أكثر من جريمة حرب وتعرقل السلام وهو ما يفرض على جامعة الدول العربية والمنظمات الإنسانية تقديم شكوى لمجالس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة وإلى المدعي العام في محكمة العدل الدولية، إن ما يحدث ليس فقط يعرض العالم للخطر إنما يفرض الحرب فرضاً.

قام الرئيس المصري بتأكيد وتوضيح رفض مصر محاولات إسرائيل التي تسعى لنزوح الفلسطينيين للدول العربية حتى تخلو لها الضفة والقطاع وتصفية القضية ـ إن مؤتمر (فاس) لجامعة الدول العربية حذر من توطين الفلسطينيين خارج أرض فلسطين وتركها لإسرائيل، إن هدف إسرائيل المعلن هو توطين الفلسطينيين في سيناء، وبذلك يستمر الصراع بينهم كما أنه سوف يدخل سيناء بعض الإرهابيين بعد أن قامت مصر بتخليص وتطهير سيناء منهم ولن نفرط في شبر من أرضها ولعل أهم نتائج هذا الاجتماع أنه أعاد للساحة أولوية الحل الحقيقي، والوحيد لحل النزاع، وهو الاعتراف بدولة فلسطين بعد أن كان الحديث يدور أساساً على منع جرائم إسرائيل ودخول المعونة ومصير اللاجئين وحق الفلسطينيين في دولتهم.

إن قرار الأمم المتحدة بإنشاء دولة إسرائيل لم يلغ دولة فلسطين إنما قام بتقسيمها وإنشاء إسرائيل على جزء منها مما يعني أن فلسطين قائمة استناداً إلى نفس القرار الذي تقدم عليه إسرائيل والمطلوب هو ليس إنشاء دولة فلسطين إنما الاعتراف بها.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن