لا يختلف أحد، على أن الحرب الصهيونية ضد قطاع غزة، قد سحبت البساط تماما من قضايا دولية وإقليمية مهمة، منها الانتخابات الرئاسية المصرية، التي انطلقت أمس رسميا في الخارج، قبل أن تدور رحاها بالداخل في العاشر من الشهر الجاري، وعلى مدى ثلاثة أيام.
كذلك لا يختلف أحد، على أن هذه الانتخابات ستخلو في الغالب من أي مفاجآت، قد تغير من شكل المشهد السياسي في مصر، بل إن تقديرات الكثير من المراقبين، تشير إلى أن نتائجها تبدو محسومة سلفا، لصالح المرشح الأوفر حظا وهو الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي يستعد للحصول على ولاية ثالثة وبأغلبية مريحة من الجولة الأولى.
أسباب كثيرة يبني عليها هؤلاء المراقبون تقديراتهم، أهمها أن الوضع المتفجر على الحدود مع فلسطين المحتلة منذ شهر ونصف، والمخططات الإسرائيلية المعلنة والمدعومة غربيا، لتصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار ومنها مصر، عبر توطين الجزء الأكبر من سكان غزة في سيناء، لن يدفع الناخب المصري إلى المقامرة بإحداث هزة عنيفة في شكل النظام السياسي الحالي، خصوصا بعدما اتخذ مواقف قوية وواضحة ضد تلك المخططات، وشدد صراحة على رفضه لها، مؤكدا أن «تهجير الفلسطينيين بالنسبة لمصر خط أحمر ولن نقبل أو نسمح به».
لكن سهولة حسم هذا الماراثون الرئاسي لصالح الرئيس السيسي، لا يعنى بالتأكيد أن ولايته الرئاسية الثالثة، ستتمتع بهذا القدر من اليسر والأريحية، إذ ستكون هناك تحديات وعقبات تتطلب من حكومته التعامل معها بأكبر قدر من الجدية والتركيز والحكمة والإبداع في معالجتها، حتى تتمكن من عبور مطباتها الكثيرة، وتحافظ على استقرار البلاد من أي هزات محتملة.
أبرز هذه التحديات أو المنغصات الملف الاقتصادي المتخم بتعقيداته، والذي يتطلب من الحكومة العمل بجدية وسرعة أكبر لحل مشاكله الصعبة، والهرولة إلى حماية الطبقات الفقيرة والمتوسطة في المجتمع، والتي دفعت ثمنا مضاعفا جراء إجراءات الإصلاح الاقتصادي القاسية في السنوات الماضية، والتصدي لشهوة الزيادات المتلاحقة في أسعار جميع السلع والخدمات، والتي استنزفت فئات واسعة من المواطنين، حتى إنها لم تعد قادرة على توفير نفقات الحياة اليومية.
كذلك من بين التحديات، العمل على حل أزمة الديون الخارجية، التي وصلت إلى معدلات مرتفعة للغاية، حيث ذكر تقرير حول الوضع الخارجي للاقتصاد المصري الصادر عن البنك المركزي المصري في أكتوبر الماضي، أن «الدين الخارجي المصري ارتفع إلى 165.361 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام الحالي، بزيادة قدرها 1.5% أو ما يعادل 2.43 مليار دولار، مقارنةً بالربع الأخير من عام 2022 عندما سجل 162.928 مليار دولار». وأشار التقرير إلى أن «قيمة الديون الخارجية المستحقة السداد على الحكومة المصرية تبلغ نحو 29.229 مليار دولار خلال العام المقبل 2024»!!.
الحكومة في الولاية الثالثة المرتقبة للرئيس الحالي، أمام تحدٍ آخر يتمثل في التقليل من نشاط بناء المدن والشقق ومشاريع الطرق والقطارات فائقة السرعة، وتوجيه كل الطاقات والدعم لتشغيل المصانع المتوقفة، والتي تصل وفق الكثير من الإحصاءات إلى نحو 1000 مصنع، وهو الأمر الذي من شأنه توفير وظائف لآلاف المصريين العاطلين عن العمل، ويساهم في زيادة معدلات التصدير إلى الخارج ويرفع رصيد البلاد من النقد الأجنبي.
أيضا من ضمن التحديات التي ينبغى إيجاد حلول جذرية لها، فتح المجال العام وإعادة إحياء السياسة التي تم تغييبها عن المشهد خلال الفترة الماضية، والبناء على ما تحقق في جلسات الحوار الوطني، ومصالحة الغاضبين والناقمين جراء تأزم الوضع الاقتصادي، واحتضان المعارضة التي لا تمارس العنف ولا تحرض عليه، والسماح للإعلام بحرية أكبر في الحركة وممارسة دوره المهني الطبيعي.
("الشروق") المصرية