المتابع للمشهد الانتخابي المصري لا يستطيع إلا أن يبدي تخوّفات عميقة مما هو آتٍ، فهناك رغبة لدى النظام الحاكم وشبكة مصالحه الممتدة في أحزاب الموالاة، في احتكار العملية السياسية، وتحويل الاستحقاق الانتخابي إلى مجرد مسرحية لا هدف من إخراجها إلا إرضاء المجتمع الدولي، وخصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية والجهات المانحة، التي تحتاج القاهرة لها في الفترة المقبلة للحصول على قروض جديدة تنقذ الحكومة من شبح إعلان الإفلاس.
ورأينا كيف بذلت أجهزة الدولة جهودًا مستميتةً لمنع المعارض أحمد الطنطاوي من استكمال جمع توكيلات تمكّنه من دخول السباق الرئاسي، وهو أمر كاشف عن رغبة مبيّتة في إخراج مسرحية انتخابية بحضور بطل أوحد للعرض، هو الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يعاني من تراجع حاد في الشعبية بسبب الأزمة الاقتصادية بعد عشر سنوات قضاها في الحكم بصورة منفردة.
يحصد النظام المصري ثمرة سياساته الاقتصادية خلال السنوات الماضية بالإنفاق السفهي على مشروعات بلا عائد مباشر
ويلخّص المشهد الحالي أزمة المجتمع المصري ككل، ويبيّن مدى الهوة التي تحيط بأكبر دولة عربية سكانًا، وإحدى أهم بلدان الشرق الأوسط، فالجميع انفض من حول الصندوق الذي احتكرت السلطة مفاتيحه، وأغلقت الطريق أمام أي حياة سياسية تسمح بالاختلاف والنقد، ورفضت أي مشاركة شعبية أو سياسية في صناعة القرار السياسي والاقتصادي على مدار عقد كامل. لذا لم يكن غريبًا أن نكون أمام حالة انسداد، بما ينذر بتفجّر المشهد المحتقن بفعل أزمة اقتصادية هي الأعنف والأكثر قسوة في تجلّياتها على جيوب ملايين المصريين.
الخوف من انتخابات حقيقية له ما يبرّره، إذ يحصد النظام المصري حاليًا ثمرة سياساته الاقتصادية خلال السنوات الماضية بالإنفاق السفهي على مشروعات بلا عائد مباشر (لاحظ مثلًا الاعتراف الرسمي بأنّ مشروع ازدواج قناة السويس لم يكن الغرض منه العائد بل رفع المعنويات).
في المقابل، زادت معدلات إفقار المصريين الذين يعانون من تبعات ارتفاع قياسي لمعدلات التضخم، وهي مرشّحة للزيادة العام المقبل في ظل حقيقة أنّ الديون مستحقة السداد في 2024 تبلغ 29.2 مليار دولار، أي ما يوازي الاحتياطي النقدي المصري من العملة الأجنبية تقريبًا، وهو احتياطي قائم بالأساس على ودائع خليجية في البنك المركزي المصري، أي أننا أمام دولة مرشّحة لإعلان الإفلاس خلال أشهر، إذا لم تحدث معجزة.
وأمام فشل الحكومة في تقديم أي رؤية للخروج من الأزمة الحالية في ظل استبعاد أي حوار مجتمعي جاد، زاد حجم الغضب الشعبي، ولم تجد قطاعات من المصريين للتنفيس عن غضبها إلا الالتفاف حول الطنطاوي، ودعمه، ويبدو هنا فعل المكايدة حاضرًا، فالهدف هو التعبير عن الغضب من النظام الحاكم، أكثر منه الإيمان بالقدرة على إطاحة السيسي، ولما فشل الطنطاوي في دخول السباق الرئاسي، فقد المواطن العادي اهتمامه بالانتخابات ولم يعد مهتمًا بفصولها الماسخة في ظل انشغاله، أولًا: بما يجري على حدوده الشرقية من مذابح وعمليات إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، وثانيًا: بمتابعة الارتفاعات القياسية في أسعار سلع أساسية مثل؛ السكّر والأرز.
مصر في مواجهة المجهول مع تراكم الأزمات الوجودية بلا حل ولا أمل في تغيير المسار
مصر كلّها تعلم نتيجة الانتخابات الرئاسية، لذا لا تجد أي اهتمام حقيقي بها في الشارع المشغول حد الإنهاك بتوفير لقمة العيش، وسط حالة من اليقين بأنّ تغيير الأحوال عبر الصندوق الانتخابي لم يعد متاحًا، وأنّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تلقي بظلالها على أحوال المصريين الاجتماعية مستمرة، ربما يفسّر هذا تصاعد التململ في الشارع المصري الذي يعبّر عن غضبه عبر وسائل التواصل من ارتفاع الأسعار وتدني الأجور.
من كل ما سبق يظهر لأي متابع أنّ الانتخابات الرئاسية لن تحلّ أزمات الشعب المصري، ولن تخلق واقعًا جديدًا، بل على العكس ستزيد من تأزّم المشهد، وتجعل مصر في مواجهة المجهول مع تراكم الأزمات الوجودية بلا حل ولا أمل في تغيير المسار، فقط سنجلس على الهامش ونشاهد الأزمات تصل إلى لحظة الانفجار إذا لم تغيّر السلطة من نهجها الذي قاد إلى تلك اللحظة الخطرة في تاريخ مصر.
(خاص "عروبة 22")