دُسّت إسرائيل في قلب الأمة العربية بدعوى لم الشمل اليهودي واتقاء شرورهم، فوعد من لا يملك، وقدم لهم فلسطين لتحقيق أهداف شيطانية، تبدأ بلم شتاتهم من أوروبا وأمريكا ودول المشرق والمغرب، وتنتهي بأن تكون خنجرا في ظهر الأمة العربية التي كان العالم يرى فيها قوة المستقبل، ومنارة العلم والمعرفة.
ومنذ ذلك الحين، تقوم إسرائيل بكل أنواع الممارسات العدوانية والعدائية والقمعية ضد الشعب الفلسطيني من قتل، وتنكيل، وهدم للبيوت، وحرق وتقليع الزروع وأشجار الزيتون، وقمع الحريات، حتى ممارسة الشعائر الدينية يقف الجنود الإسرائيليون لمنع المسلمين من ممارسة صلواتهم بالضرب والنهر والاعتقال. كل هذا بغرض واضح وصريح ألا وهو مزيد من التوسع الاستيطاني على أرض فلسطين، ولا تقف أطماع دولة الاحتلال عند هذا، فهم يعلنونها دوما، ولا ينكرونها، وهي أطماعهم من النيل إلى الفرات. ولقد أعادوا لإحياء هذه الأطماع مجددا مع دول عناصر الشر في السنوات العشر الأخيرة برسم خريطة للشرق الأوسط الجديد. ولكن تحطمت خططهم التوسعية في كسب أرض جديدة على صخرة الشعب المصري الأصيل قيادة وشعبا بقوته وقدرته وتماسكه.
وتستمر القوى الاستعمارية وتحاول مرارا وتكرارا كسب كل شبر من أرضنا، ولكن نحن لهم متيقظون ومتربصون. يحاول الإسرائيليون فرض أحزمة أمنية لحماية دولتهم الهشة، تارة باستخدام أسلاك شائكة، وأخرى بأسوار متعالية، وصولا إلى جدار خرساني ونظم إليكترونية سعيا وراء أمان لحظي، وحماية مؤقتة وأمن واه، لا يقوى على حماية نفسه حتى من ذبابة. وكانت هذه هي أدوات إسرائيل لتحقيق الأمن لحماية كيان الاحتلال.
ويرجع فشل نظرية الأمن الإسرائيلية إلى: أولا فشل إسرائيل في تجييش المجتمع الدولي لصالحهم، ويقظة الشعوب ووصول المعلومات الصحيحة حول ما يدور في غزة من جرائم إبادة جماعية، وتهجير قسري. ثانيا حالة العصبية واللاوعي التي أصابت القادة الإسرائيليين والتي أشاطت أذهانهم فوسعوا في مدى وشدة الحرب على المواطنين العزل، والذي أدى إلى زيادة إدانتهم ووقوعهم في دائرة إدانة جرائم الحرب. ثالثا خلال يوم واحد فقط كان الوصول إلى عمق الكيان الصهيوني وكأنها نزهة، رغم كل المتاريس وكافة الإجراءات الأمنية، مما يدل على ضعف وهوان شديد في المنظومة الأمنية الإسرائيلية. رابعا ظهور أجيال فلسطينية وعربية ودولية طالعت الوجه القبيح لآلة الحرب الصهيونية، ولذا فقد ضمنت إسرائيل كراهية وبغض هذه الأجيال لسنوات طويلة. خامسا الزج بالقوات الإسرائيلية إلى حرب المدن التي لا يدخلها وبلا أدنى شك إلا خاسرا ومهزوما.
وإن كانت دولة الاحتلال تسعى إلى سلام، وهذا درب من دروب الخيال، فلو أنها كانت تسعى إلى سلام حقيقي كما تدعي «سلاما عادلا شاملا» قائما على أسس العدل واحترام المعاهدات والقوانين الدولية وسيادة القانون، كانت كل الدول تعيش في وئام وسلام وأمان واستقرار، وتسعى الدول إلى منافسة شريفة لتقديم مقومات التنمية والتطوير والرخاء لشعوبها، ولكن يأبى الكيان الصهيوني إلا أن يكون آلة للحرب في المنطقة العربية.
أي قانون يسمح للكيان الصهيوني بقتل المدنيين العزل والأطفال والنساء والمرضى المقعدين داخل المستشفيات بدعوى تتبع وتعقب مسلحي المقاومة، لقد سئمنا الأكاذيب، وسئمنا تعاطيهم أنهم السامية ومن يهاجمهم فهو يهاجم السامية. لقد كفرنا بازدواجية المعايير وما يتم الادعاء به ويسمى بـ"حقوق الإنسان"، أي حقوق هذه؟ وأي إنسان يتحدثون عنه؟ أهو الإسرائيلي أم الفلسطيني، أم هو مواطن أي بلد في العالم؟ فلا تقولوا لي أهدافًا للتنمية المستدامة ونحن نشاهد حملات تجويع الأطفال والنساء، وقطعا للمياه، وإمدادات الوقود حتى التي تغذي المستشفيات حتى يموت الأطفال عطشا وخنقا في إبادة جماعية للعرق الفلسطيني.
لقد استيقظت الشعوب الغربية من غيبتها، وانتفضت لوقف سيل الدم الفلسطيني وحملات التجويع المسعورة، هذه الشعوب الطيبة التي صدقت حكوماتها ووثقت فيها، وهم ليسوا أهلا لهذه الثقة. لم ولن أصدق هذه الحكومات الضالعة في هذا المخطط الاستعماري البغيض، وفي محاولاتهم إخفاء الحقائق عن شعوبهم، وتغليب مصالحهم الشخصية على مصلحة الأوطان والقيم الإنسانية.
أنتظر ثورات شعبية في المجتمع الدولي خاصة الغرب، تعيد للإنسان حقه في المعرفة المجردة الصحيحة وغير المغرضة ولا المضللة ولا المسيسة، وتعيد له ولبلاده إنسانيتها وكرامتها. حفظ الله مصر قيادة وشعبا من كل سوء، وقدرنا على مساندة القضية الفلسطينية مع المخلصين من دول العالم.
("الأهرام") المصرية