صحافة

"السياسة العربية" للدول الأوروبية

الحسين الزاوي

المشاركة

يستمد الحديث عن السياسة العربية للدول الأوروبية أهميته الراهنة انطلاقاً من الأحداث المأساوية التي يشهدها الشرق الأوسط، ليس بسبب الاستقطاب الحاد بين القوى الدولية والإقليمية في المنطقة فقط، ولكن نتيجة للأثمان الباهظة التي يدفعها الشعب الفلسطيني بسبب العدوان الإسرائيلي على المدنيين في قطاع غزة، والضفة الغربية.

وهناك – في اعتقادنا- تعميم غير سليم عندما نتحدث عن السياسة العربية للدول الأوروبية، لسبب بسيط بطبيعة الحال، وهو أن هناك دولاً أوروبية لا تربطها سوى علاقات بروتوكولية مع البلدان العربية، ومن غير المفيد أن نتحدث مثلاً عن السياسة العربية لدول، مثل بولندا وسلوفاكيا؛ ومن ثم فإن الدول الأوروبية التي تحرص على أن تكون لها سياسة عربية في علاقاتها الدبلوماسية، تقع في مجملها في جنوب أوروبا، من منطلق أن دول أوروبا المتوسطية تربطها علاقات تاريخية قوية بالمنطقة العربية، فضلاً عن أن حرصها على الحفاظ على مصالحها، وأمنها القومي، يجعلها مجبرة على إقامة جسور صداقة صلبة مع جيرانها في جنوب المتوسط.

لقد ظلت فرنسا مثلاً، خلال العقود الماضية، من أكثر دول القارة العجوز حرصاً على دفء علاقاتها الدبلوماسية مع الوطن العربي، وكانت هي الوحيدة التي أنشأت معهداً يهتم بشؤون «العالم العربي»، وتواصلت هذه السياسة بشكل لافت في عهد الرئيسين، ميتران وجاك شيراك، إلى غاية وصول ساركوزي إلى الحكم، وتخلّيه عن حياد فرنسا تجاه السياسات الأمنية للحلف الأطلسي، وتقاربه الكبير مع الإدارة الأمريكية.

ومن الصعب القول إن الرئيس الحالي ماكرون يملك سياسة عربية واضحة، بخاصة أن موقفه بشأن المشاهد الدامية في فلسطين لم يكن متوازناً في بداية الأحداث.

وتعدّ إسبانيا الدولة الثانية في أوروبا التي يمكن أن نقول إن لها سياسة عربية ناضجة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مع الجنرال فرانكو. وعليه، فقد جاءت التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسباني، المندّدة بالعدوان الإسرائيلي على المدنيين في غزة، وإعلانه السعي لاعتراف الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية، لكي تعطي مزيداً من الدعم والمصداقية للسياسة العربية لإسبانيا.

يمكننا أن نتحدث أيضاً، علاوة على ما تقدم، عن السياسة العربية لدولتين أوروبيتين، هما إيطاليا وبريطانيا. وبالنسبة لإيطاليا، يمكن القول إنها ترتبط مع الوطن العربي بأواصر تاريخية قوية، ومواقفها من الصراع في الشرق الأوسط كانت دائماً متوازنة. أما بالنسبة لبريطانيا، فإنها لا تملك في واقع الأمر، سياسة عربية، بقدر ما تملك مصالح متأرجحة، وتتبادل مع حليفتها واشنطن الأدوار من أجل إدارة حالة عدم الاستقرار، وخيوط الصراع في المنطقة العربية، من دون العمل على تقديم حلول حقيقية قادرة على حسمه.

("الخليج") الإماراتية

يتم التصفح الآن