في الانتخابات الرئاسية الحالية، والتي ستعلن نتيجتها النهائية يوم الإثنين القادم، والتي بدأت بوادر إرهاصاتها تتدحرج شيئًا فشيئًا، أمام المتابعين للشأن الانتخابي خاصة والسياسي عامة في مصر، ظهر للجميع أن هناك جهدا كبيرا للغاية بذلته الأحزاب السياسية لحشد وحث المواطنين على الاقتراع. هذا الجهد لم يقتصر على أيام الاقتراع الثلاثة في الداخل، بل سبقه قيام بعض الأحزاب ببدء تدشين حملات منظمة لتعبئة المؤهلين للاقتراع في هذا الاستحقاق الدستوري المهم.
اللافت للنظر في تلك الحملات أنها حتى الآن ووفقًا للنتائج التي تتسرب من هنا وهناك، أن تلك الأحزاب قد نجحت في هذا الحشد حتى إن المتحدث باسم الهيئة الوطنية المستقلة للانتخاب قد أعلن بعد منتصف اليوم الثاني للاقتراع، أن نسبة الاقتراع في الداخل وصلت لحد 45%، وهي بالطبع نسبة مرتفعة، وتشير إلى أن النتيجة العامة ربما تفوق الـ50%.
الأحزاب السياسية المصرية معروف عنها مع الخلاف في الدرجة أنها ضعيفة، ووضعها كما يصفها قيادات ونخب الأحزاب ذاتهم، تحتاج إلى وقفة، بسبب أوضاعها البعيدة كل البعد عن التفاعل مع الشارع، ما جعلها تفتقد للعضوية، وهو ما يلاحظ في طغيان وميل الشعب المصري الجارف لظاهرة الاستقلال عن العمل الحزبي خاصة والسياسي والعام عامة. وكل ذلك يمكن ملاحظته منذ التعددية الحزبية الثالثة في مصر المعلنة بقرار فوقي من رئيس الدولة أنور السادات في 11 نوفمبر 1976.
على أن الناظر إلى العديد من الأحزاب، حتى تلك التي لم تشارك بالدفع بمرشحين في انتخابات الرئاسة، يجدها قد نشطت بشكل فوري ومفاجئ وبأداء منظم بغض النظر عن تقييمه القانوني من وجه نظر قانون انتخابات الرئاسة أو قانون مباشرة الحقوق السياسية أو الهيئة الوطنية للانتخابات.
فتلك الأحزاب سارعت في الحشد والتعبئة وعقد المؤتمرات واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة، لحث المواطنين على الاقتراع في أيام الانتخاب الثلاثة، وأوكل بعضها شأن تلك التعبئة وهذا الحشد لحملات من قبيل «حملة مشارك» أو «كلنا هنشارك» وغيرها من أسماء الحملات. حتى إن المرء بدأ يتعرف بالفعل على أسماء أحزاب لم يكن يعلم بوجودها أصلا على الساحة الحزبية من خلال نشاطها في الحشد في انتخابات الرئاسة الحالية.
كل تلك الأمور أدهشت المراقبين، لا سيما أنها مع أعمال أخرى قامت بها أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، ترجمت على الأرض بحشد كبير قلما سمعنا عنه في أية انتخابات سابقة.
جدير بالذكر أن انتخابات الرئاسة 2018 قد شهدت حضور 41,05% من الناخبين، وانتخابات الرئاسة عام 2014 شارك فيها 47.34%، بينما شارك في انتخابات الرئاسة عام 2012 47% ثم 50.1% في دورتيها الأولى والثانية على الترتيب.
من هنا ونحن قريبا، مع جري الأيام وتدحرج الزمن، سوف نشهد عام 2030 انتخابات رئاسية أخرى، سوف تصبح معها مصداقية تلك الأحزاب على المحك. عندئذ يكون السؤال الذي يجب أن يطرح من الآن: طالما أن تلك الأحزاب فعلت ما فعلته، أليس من الأجدر لها أن تنشط في الشارع، وتحقق طفرة إيجابية في التفاعل السياسي، فتقوم بجذب العضوية لها، وتجعل لها امتدادات في الشارع تعبر عنها؟ أليس لها من باب أولى استعدادًا لهذا الموقف، أن تنظم ذاتها، وتعقد مؤتمراتها لهياكلها التنظيمية دوريا، فتختار نخبها وكوادرها، وتتخذ قراراتها بالأغلبية وليس عبر دكتاتورية القيادة، وتتفاعل مع احتياجات المواطنين خاصة الخدمية، وتعقد المؤتمرات الجماهيرية التي تنغمس عبرها في قضايا المجتمع، فتطرح خلالها البدائل الممكنة لانتشال المواطن من براثن الفقر والفاقة. كل ذلك وغيره من أمور من المهم أن تقوم به الأحزاب من اليوم، بدلا من أن تجلس تنتظر أية حوافز أو فرص ملتقطة من هنا أو هناك عند عقد انتخابات برلماية أو محلية أو غيرها، حيث يكون العائد محدودا ولا يزيد على عضويات في هذا المجلس أو ذاك.
("الشروق") المصرية