فاتورة الحرب في غزة قاسية على كل الأطراف، ولا بد من تكثيف الجهود العربية الدبلوماسية ليس من أجل هدنة مؤقتة أو صفقات تبادلية للرهائن، وإنما من أجل حل دائم ومستمر، مثل حل الدولتين، وبدون ذلك سيستمر الصراع في الشرق الأوسط مع سقوط آلاف المدنيين.
وعلى سبيل المثال، مقال في صحيفة التايمز البريطانية لكل من وزير الخارجية البريطاني ووزيرة الخارجية الألمانية يؤكدان فيه على أن حل الدولتين يتطلب أن يشعر الجانبان بالأمان ويعيشان جنبا إلى جنب، ولذلك فهما يدينان بشدة الأعمال البغيضة التى يفعلها المستوطنون المتطرفون فى الضفة الغربية، وسعيهم إلى تخريب أى جهود لحل الدولتين، وإجبارهم الفلسطينيين على ترك منازلهم بعنف، مطالبين بتوقف القتال اليوم وفي المستقبل.
كما أن هناك دعوات في الإدارة الأمريكية بضرورة الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أجل وقف الحرب وحماية الرهائن، خاصة مع سقوط ضحايا بطريق الخطأ، الى جانب عدم قدرة الجيش الإسرائيلى على التفرقة بين المدنيين وقادة حماس الذين تبحث عنهم إسرائيل.
الدبلوماسية العربية مطلوب منها وبسرعة التقاط هذه الرسائل، وسرعة مخاطبة البيت الأبيض من خلال خطة نحو وقف الحرب والضغط على نتنياهو لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة، بل والتعاون مع الأصوات اليهودية التي بدأت تنتشر في مدن أمريكية للمطالبة بوقف الحرب، والتفرقة بين دعم واشنطن المستمر لإسرائيل، وبين الضغوط التي يمكن أن تمارسها الإدارة الأمريكية على رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يتمسك باستمرار خيار الحرب رغم كل ما حدث.
وحسب متابعتي لما ينشر في الصحافة الأمريكية والبريطانية، الضغوط مستمرة من أجل دعوات وقف الحرب، وإذا كان من الصعوبة بمكان تغيير المواقف الغربية المساندة لإسرائيل، لكن وقف دعم خطط رئيس الوزراء الإسرائيلي هي الأكثر واقعية حاليا، فهو يبحث عن مصالح شخصية خشية تقديمه للمحاكمة وانتهاء دوره السياسي، كما أن الحديث عن مستقبل غزة بدون حماس يعقد الأمور ويجعل الحركة مستمرة في المواجهة، فليس من الممكن أن تسيطر حماس على القطاع منذ 2007، ثم يطلب منها حاليا الانزواء بحثا عن قيادة جديدة للقطاع، فالأمر شبه مستحيل ولن تتمكن أي جهة من تنفيذ ذلك.
وأعتقد أن ما قاله محمد دحلان مسؤول الأمن السابق في حركة فتح إن حكم القطاع لا بد أن يكون عبر حماس ثم الدعوة للانتخابات الفلسطينية، هو الحل الأمثل، أما محاولة إعادة احتلال القطاع من جانب إسرائيل أو مطالبة الدول العربية بتولي أمر القطاع، فمحكوم عليها بالفشل، وغير واقعية بالمرة.
لذلك لا بديل عن تشديد الجهود الدبلوماسية للتواصل مع الاتحاد الأوروبي والبيت الأبيض من أجل وقف الحرب أولا، مع سيناريوهات حكم القطاع ثم إجراء الانتخابات تمهيدا لإقامة الدولة الفلسطينية مع حل الدولتين، بدون ذلك ستظل المشكلة مستمرة، والحرب لن تتوقف، حتى ولو تم التوصل إلى هدنة مؤقتة، إذ لا ضمانات من عدم اندلاعها مستقبلا.
وإذا كان الرئيس الأمريكي جو بايدن حذر إسرائيل من قبل بخسارتها للدعم الدولي إذا استمرت الحرب بهذه الطريقة، لكنه تناسى أن الولايات المتحدة أصبحت تواجه المجتمع الدولي كله بسبب دعمها لإسرائيل بشكل مستمر، وهو ما بدا في قرارات الأمم المتحدة التي يصوت عليها أكثر من 190 دولة، بينما تعارضها الولايات المتحدة ومعها عدد لا يزيد على 10 بلدان على الأكثر.
عزلة واشنطن الدولية ستكون لها انعكاسات على الانتخابات القادمة، حيث هناك أصوات لمنظمات يهودية تنتقد استمرار الحرب وعدم القدرة على وقف شطحات نتنياهو، وصوت المسلمين في الولايات المتحدة وخاصة الولايات المتأرجحة سيكون لمنافس بايدن، إلا لو كان المرشح الجمهوري دونالد ترامب، حينها سيكون الأمر مختلفا في ظل التمسك بالأفكار العدائية للمسلمين والأجانب.
(المصري اليوم)