عالم مخيف في أحداثه، ميراث أحادي القطبية له تبعاته المأساوية، قبضة الدولار لا تستأذن، الأحداث المتلاحقة عالمياً لم تعط فرصة للإفاقة، المسرح الدولي يبحث عن نوافذ أمل تخفف من حدة اللهيب الاقتصادي والسياسي.
«بريكس» مفتاح للخروج من قيود النظام الاقتصادي الموروث منذ الحرب العالمية الثانية، والذي يطلق عليه النظام القائم على القواعد.
مجموعة «بريكس»، فتحت أبوابها بتوقيت الأول من يناير من عام 2024، لكن هذه المرة تستقبل رسمياً أعضاءً جدداً: «الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر وإيران وإثيوبيا».
حراك منتظر، وطموحات كبرى في عهدة العام الجديد، ومجموعته «بريكس».
السوق العالمي يبحث عن طوق النجاة في بحر الدول الناشئة، مفارقات جيوسياسية في انتظار إرادات اقتصادية.
روسيا تستضيف قمة «بريكس» في كازان، في أكتوبر المقبل. ولا شك أن صدى التكتل الجديد يربك التفرد الأمريكي بالقرار الدولاري. الاقتصاديون داخل البيت الأبيض قابعون في مختبرات تقدير المواقف لإعادة ترتيب حسابات المستقبل.
لم تغب عن ذاكرتهم صورة الرجل الذي صاغ فكرة مجموعة «بريكس»، فهو كبير الاقتصاديين في بنك جولدمان ساكس، جيم أونيل، في دراسة أجريت عام 2001، بعنوان «بناء اقتصادات عالمية أفضل لدول «بريكس». وبالطبع «بريكس» هي منظمة سياسية بدأت المفاوضات لتشكيلها عام 2006، وهي اختصار لأربع دول أعضاء هي (البرازيل وروسيا والهند والصين) BRIC، وانضمت جنوب إفريقيا إلى المجموعة لاحقاً في عام 2010، لتصبح «بريكس» هذه المجموعة صاغت بعض أسس إصلاح النظام المالي والنقدي الدولي، عبر إنشاء بنك التنمية الجديد (NDP)، برأسمال قدره 100 مليار دولار، مقسمة بالتساوي بين الدول الخمس في عام 2014، وتكون مهمة البنك تقديم القروض والمعونات للدول الأكثر احتياجاً، ولم تغفل المجموعة أيضاً إنشاء صندوق احتياطي للطوارئ لدعم الدول الأعضاء التي تكافح من أجل سداد الديون، بهدف تجنب ضغوط السيولة، وأيضاً تمويل البنية التحتية والمشاريع المناخية في البلدان النامية. مع الوضع في الاعتبار أن عدد سكان المجموعة سيبلغ بعد توسعتها نحو 3.5 مليارات نسمة، أي نحو 45 % من سكان العالم.
وتبلغ قيمة اقتصاداتها مجتمعة أكثر من 28.5 تريليون دولار، أي نحو 28 % من الاقتصاد العالمي. وستنتج دول «بريكس» أيضاً نحو 44 % من النفط الخام في العالم.
هذا التجمع بات يهدد الصيغة العالمية التقليدية في إدارة السوق العالمية، فلا يمكن تجاهل التقرير، الصادر عن مؤسسة «أكرون ماركو للاستشارات» البريطانية، الذي قال إن مساهمة مجموعة «بريكس» في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بلغ 31.5 %، مقارنة بـ30.7 % للدول السبع الصناعية الكبرى.
وأشار إلى أن هذه التغيرات الكبرى ترجع بصورة خاصة إلى النمو الاقتصادي القوي الذي سجلته الصين والهند.
فضلاً عن أن التقرير توقع ازدياد مساهمة «بريكس» في الناتج المحلي الإجمالي العالمي على مدار السنوات المقبلة، لاسيما مع توسع التكتل بضم دول جديدة لعضويته.
إذاً، نحن أمام تكتل يزداد قوةً ليس فقط على المسرح الاقتصادي، بل سيكون له تأثيره القوي على المسرح السياسي أيضاً، فهو يهدف إلى مزيدٍ من القوة لأعضائه، من خلال تعزيـز التبـادل التجاري والاستثمارات بيــن الدول الأعضاء، وتنسيق المواقف في المنتديـات الدوليـة، مثـل الأمم المتحدة ومجموعة العشرين، وتعزيز الأمن والاستقرار العالمي، وذلك من خلال التعاون في مكافحة الإرهاب، وتعزيز الأمن السيبراني والتعاون الدفاعي، وتوفير تمويل لمشاريع التنمية الاقتصادية والبنية التحتية في الدول الأعضاء، والعمل على امتلاك القدرة للدول الناشئة للتعبير عن مصالحها ومواقفها في المنتديات الدولية، وتحقيق التنمية المستدامة والشاملة في الدولة الأعضاء.
أخيراً، أطالب مجموعة «بريكس»، سواء الأعضاء المؤسسين أم الأعضاء الجدد، أن يستثمروا هذه الفرصة، وأن تكون لديها مساحات مشتركة، ورؤية مشتركة لإدارة التكتل، بما يجعله منبراً ومنصة دولية لتحقيق مبادئ العدالة والإنصاف للشعوب، في ظل نظام عالمي مختطف من قبل قوى غربية فرضت هيمنتها منذ تأسيسه عام 1945.
("البيان") الإماراتية