«إذا أردتَ أن تتفادى الهزيمة العسكرية فعليك توريط أطراف أخرى بها».
العبارة السالفة تعد من قواعد نظريات الحروب التي عَكفَ على دراستها واستنتاجها علماء كثيرون في حقل العلاقات الدولية.
دون الإسهاب بالشرح، ينتهي هؤلاء المختصون إلى أن معظم الهزائم والانتصارات لم تكن بفعل قوة وقدرات من قام بشن الحرب ولكن ذلك كان بسبب تدخل أطراف أخرى (الطرف الثالث) في الحرب.
الأمثلة كثيرة وعلى رأسها الحربان العالميتان الأولى والثانية اللتان كانتا في مسار ثم تحولتا إلى مسار آخر بسبب تدخل الولايات المتحدة بهما، كذلك الحرب الإيرانية - العراقية التي كانت تمضي في مسار الانتصار لصالح إيران ولكن تدخل الولايات المتحدة حال دون ذلك... والأمثلة كثيرة.
الكيان الصهيوني، وبعد مضي ثلاثة شهور لم يستطع أن يحقق أياً من الغايات التي قصدها من استهدافه لغزة، بل على العكس من ذلك حيث لحق به الكثير من الخسائر البشرية والمادية علاوة على تصاعد وتيرة الاختلافات السياسية الداخلية على إثر مجريات الحرب، بالإضافة إلى انقلاب نوعي في الرأي العام العالمي ضد الكيان الصهيوني خصوصاً في الدول الحليفة له. لذلك، يسعى نتنياهو من خلال جوقته الصهيونية العسكرية أن يورّط أطرافاً أخرى في هذه الحرب لكي يغيّر من مسارها لصالحه ويخفّف أعباءها السياسية والعسكرية.
الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية تقدم العون والمساعدات لكي تساند الكيان الصهيوني في حربه القذرة لكنها تتفادى التدخل المباشر كطرف مشارك فعلياً طالما أن قواعد الاشتباك محدودة في إطار مواجهة «حماس» ودعم من محور المقاومة. ويبدو أن الكيان الصهيوني أدرك أن الهزيمة آتية لا ريبَ فيها، فأخذ بمحاولة توسيع نطاق الحرب عبر اغتياله لأحد كوادر «حماس» في لبنان، وتورطه في التفجير الإرهابي في إيران في إحدى المناسبات الدينية، وكذلك مهاجمته لبعض الأماكن الأمنية في العراق.
خلف تلك الاعتداءات الصهيونية التي تتعدى الخطوط الحمراء يود أن يحظى بردة فعل عسكرية من إيران تحديداً أو من «حزب الله» في لبنان بشكل يمكنه من توسيع رقعة الحرب لكي يستدعي دخول القوات الأميركية وبعض من الدول الغربية في حلف الناتو للمشاركة بشكل مباشر تحت ذريعة «ضرورة التدخل المشترك للاعتداء المتعدد الأطراف ضد إسرائيل»، خاصة في وقت سخونة الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، حيث يزايد جميع المرشحين على مدى استعدادهم لتقديم الجندي الأميركي ضحية على المذبح الصهيوني!
المشكلة الإستراتيجية الأكبر التي ستنحدر من هذا السيناريو فيما لو حصل، أن دولاً عربية وخاصة خليجية ستكون في وسط مرمى تبادل إطلاق النار، وهذا بدوره سيجعل كامل منطقة الشرق الأوسط في وسط لهيب المعركة، ما قد يستدعي تعقد المعادلة السياسية نظراً لتقاطع المصالح الإستراتيجية بين دول عالمية أخرى كالصين والهند وروسيا.
مع هذه المعادلة الصعبة، التي يسعى نتنياهو المهزوم أن يقدم أثمانها في مقابل حفظ ماء وجهه الملوث بدم الأبرياء، تكون خيارات الدول بالمنطقة محدودة ومكلفة ما ينبغي بذل أقصى درجات الديبلوماسية من أجل ضمان عدم وقوعها.
("الراي") الكويتية