من الغريب أن نتنياهو لا يزال مستمراً في هدفه، الذى وضعه بنفسه منذ ما بعد ضربة حماس في 7 أكتوبر الماضي، عندما رآها فرصة تَصبّ فى مصلحته، فعمل على إطالة أمد الحرب أطول فترة ممكنة، وذلك دون إشارة منه، حتى الآن، على إدراكه أنه بهذا يساعد معارضيه ومنافسيه داخل إسرائيل! لأن استمراره في إطالة الحرب، التي لا يزال يَتصوَّر أنها توفر له الإفلات من المحاكمة على تهم الفساد والاعتداء على السلطة القضائية في إسرائيل، صار يحقق للطرف الآخر فرصة أكبر في تجميع مزيد من الأدلة ضده تُعَجِّل بالإطاحة به، بسبب فشله العسكري في غزة، بعدم تحقيق أي من الأهداف التي أعلنها بنفسه، عن تصفية حماس بالكامل، وعن استعادة كل أسراه سالمين.
بل على العكس فقد تحقق عكس شعاراته، بعد أن ثبت أن إطالة الحرب تزيد من فشله في تحقيق أي من هذه الأهداف، كما أنها تتسبب في خسائر جمة في ضباطه وجنوده، القتلى والجرحى والمشوهين والمأزومين نفسياً، وحتى إذا كانت إسرائيل لا تكترث بالخسائر في السلاح والعدة والعتاد باعتبار أنها تأتيها من الخارج مجاناً، فإنها تُحسَب في المناكفات السياسية الداخلية.
كما أن قصف صواريخ حماس المستمر على الداخل الإسرائيلي، وبرغم أنه لم يوقِع خسائر مادية يُعتَدّ بها، في القتلى أو في هدم المنشآت، فإن لها أثراً رهيباً في فزع الإسرائيليين الذين كانوا يظنون أنهم في مأمن تام من أي هجمات، مع رؤيتهم لارتباك الأجهزة الإسرائيلية التي تجبرهم على إخلاء بيوتهم والنزوح إلى أماكن أكثر أمناً. أضف أيضاً أن هذه النتائج ترفع الروح المعنوية لمقاتلي حماس، مما يترتب عليه أن ينشطوا أكثر في عملياتهم ضد إسرائيل.. إلخ.
هذه الخسائر وتوابعها تعطي فرصة كان يتمناها معارضو ومنافسو نتنياهو ليجمعوا أدلة أكثر ضده تساعدهم في النيل منه لدى الناخبين الإسرائيليين، وليعرضوا أنفسهم كبديل أفضل لتجاوز أزمة لم يمر الإسرائيليون بها قبلاً.
ولكن، يبقى أن كل هذا لا يُبَشِّر بأن بدائل نتنياهو أفضل منه في استقرار الأوضاع، أو في التهدئة، أو في التفاوض الجاد لحل جذور المشاكل مع الفلسطينيين، بل من الوارد أن يكونوا أكثر تطرفاً منه، استجابة للتطرف العام وسط جماهيرهم.
("الأهرام") المصرية