وجهات نظر

خليط "العار والجنون"

منذ بدء حرب الإبادة التي يشنّها العدو الصهيوني حاليًا على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، وفي الضفة الغربية أيضًا وإن بوتيرة أقل، ونحن نسمع يوميًا تقريبًا تصريحات متكررة لكبار المسؤولين الأمريكيين بشأن ما يسمونه "اليوم التالي" للحرب.

خليط

كثير من هذه التصريحات تتضمّن سؤالًا لعصابة القتل والإجرام التي تحكم كيان العدو للإعلان عن رؤيتهم السياسية لما يجب أن يحدث بعد هذه المحرقة الجهنمية غير المسبوقة في كل الحروب المعاصرة، لكنّ العصابة حتى الآن لا ترد على هذا السؤال الحيوي ولا تقول شيئًا سوى أنّ بعض المجرمين من أعضائها ينطقون أحيانًا بعبارات تشي بجنون تام أكثر مما تعني شيئًا يمكن فهمه بمنطق السياسة.

أعراض الجنون واضحة وحاضرة بقوة منذ بداية هذه الحرب الشنيعة

إذن لماذا هذا الجنون، أليس الحرب هي دائمًا وأبدًا سياسة، وإن بوسائل عنيفة؟!

في الواقع لا إجابة على هذا السؤال سوى بعبارة واحدة، أنّ العدو لا يعرف تحديدًا ماذا يريد من هذه الحرب الإجرامية، أو هو في الحقيقة لا يريد شيئًا سوى التخريب الشامل والقتل والإبادة الجماعية، وهذه بالطبع ليست أهدافًا سياسية، وإنما محض نوازع إجرامية ولا يمكن عقلًا أن تُقال علنًا إلا من مجرم عاتٍ ومجنون.. لكنهم قالوها فعلًا!!.

الحقيقة أنّ أعراض الجنون واضحة وحاضرة بقوة منذ بداية هذه الحرب الشنيعة، ولا تفسير لها إلا تفاقم حال الفساد والانحطاط العمومي "الدستوبيا" - تحدثتُ عنها هنا من قبل - التي شكّلت نسيج المجتمع الصهيوني منذ وُجِد وتأسّس على أيديولوجية عنصرية وعدوانية تسوغ القتل والسرقة بالقوة لأرض ووطن شعب آخر.

لقد كان إجرام مجتمع كيان العدو وتوحّشه حقيقة تفقأ عيون "عميان البصر والبصيرة" الذين ذهبوا بعيدًا خلف أوهام السلام مع هذا الكيان، لكن هذا المجتمع تدحرج في العقود الثلاثة الأخيرة خصوصًا إلى حال هوس زاعق نراه وقد سكن حاليًا واستقر تمامًا في قلب الجنون، على نحو ما تشي به ظاهرة حكوماته المنتخبة المتتالية شديدة الشبه بعصابات الشوارع التي تستعصي عليها أوصاف السياسة كاليمين واليسار، بل والفاشية وخلافه.. وإنما يلائمها أكثر نعوت وكلمات منتقاة من قاموس اللغة الجنائية لا السياسية.

أطلقت حكومة العدو الحالية بقيادة المجرم نتنياهو الحرب على غزّة ردًا على الخيبة التاريخية المذلّة التي وقعت يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ليس فقط على نحو غريزي وبهياج الوحش الجريح، ولكن أيضًا باستدعاء ترسانة الأحلام والأوهام الصهيونية والأمنيات العنصرية الملامسة لحدود الخرافة، مثل حلم إبادة الشعب الفلسطيني واستئصال شأفته من أرض وطنه المسروق، فمن اللحظة الأولى للحرب راح كبار قادة العدو يتواقحون بالقول صراحة بأنّ هدف الحرب ليس فقط القضاء على المقاومة، بل القضاء على سكان غزّة جميعًا، لأنّ "غزّة ليس فيها أبرياء"، بحسب ما قال المجرم إسحاق هرتزوغ رئيس دولة الكيان الصهيوني، فضلًا عن تصريحات وأقوال مجرمين آخرين أشد جنونًا وهمجية.

أهم ملامح "اليوم التالي" تفكيك أشد الكيانات السياسية عنصريةً وتوحّشًا في كل التاريخ الإنساني

إذن، ولأنّ الأهداف هي على هذا النحو من الخرافية، بما يستحيل تنفيذها على أي جيش مهما كان إجرامه وحجم المتاح له من أحدث وأقوى وسائل القتل والتخريب، ولأنّ جيشهم لم ينجح طوال ما زاد على مائة يوم في تحقيق شيء من هذه الأهداف المجنونة، رغم تحويل أرض قطاع غزّة إلى ركام وخراب هائل وتدمير كل أسباب ومظاهر الحياة فيه، فضلًا عن قتل وجرح عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والبشر العزّل عمومًا، لذلك فإنّ استمرار هذه الحرب المتفوّقة في الإجرام ضد البشر والحجر في القطاع، يبدو أنّ ليس لها من نهاية، فكما انطلقت بأحط الغرائز ستنتهي على الأرجح كذلك، ولن يحصد العدو منها إلا استنزافًا موجعًا لقواه بسبب بسالة المقاومة، هذا على الصعيد التكتيكي، أما استراتيجيًا فهذه الحرب لها نتيجة واحدة مؤكدة ألا وهي تدشين "بداية نهايته" وتفكيك أشد وأقسى الكيانات السياسية عنصريةً وتوحّشًا في كل التاريخ الإنساني.. وهذه هي أهم ملامح "اليوم التالي" لأفظع الحروب وأبعدها إجرامًا.

غير أنّ وصمة العار تبقى في ما يتسرّب هذه الأيام من كلامٍ خُلاصتُه أنّ هناك من لا يزال يتأهب في الوطن العربي لكي يستأنف مسيرة التطبيع مع العدو بعد انتهاء الحرب، ومن ثم إهداء هذا العدو جائزة الاعتراف الرسمي به.. وكأنّ بين هؤلاء من يتوهّم مِن فرط الغفلة والجهل أنّ باستطاعته بث الروح في ميت!!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن