تتمة للهجمات التي تنفذها المقاومة الإسلامية في العراق، وهي ميليشيا مدعومة من إيران، ضد بعض القواعد الأمريكية في العراق وسوريا والتي بلغ عددها قرابة 143 هجمة منذ عملية الاقصى في 7 أكتوبر الماضي، استهدفت الصواريخ الإيرانية مواقع في سوريا والعراق بالإضافة إلى باكستان.
أطلقت طهران 4 صواريخ تجاه ما اعتبره الحرس الثوري الايراني مجموعة تكفيرية، في مدينة إدلب بسوريا، خلال ما قيل عنه في اجتماعها السري بغرفة العمليات المخصصة لاستهداف إيران. أيضا، أطلقت إيران 11 صاروخا تجاه ما اعتبره الحرس أنه المقر الصهيوني في إقليم كردستان العراق، في إشارة إلى جهاز الموساد. لتنفيذ عملياتها اختارت إيران ثلاثة مواقع تحمل كل واحدة منها رسائل لأكثر من جهة، منها اظهار القدرة التخريبية الهائلة لصواريخها ودقتها، وأيضا اثبات أن صواريخ ايران الباليستية قادرة على قطع مسافات طويلة فوق القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، دون أن تتمكن المضادات الجوية لتلك القواعد من رصدها.
أيضا، يقول مسؤول إيراني إن استهداف المواقع في سوريا والعراق يحمل رسالة مباشرة إلى الإسرائيليين والأمريكيين مفادها عدم الاقتراب من إيران وإيقاف الحرب في غزة، معتبرا ان إيران لا تريد حربا مباشرة مع إسرائيل وأمريكا، لكنها تريد أن يرى الأمريكيون كم باستطاعة طهران أن تكون شديدة. والحقيقة انه رغم دقة الصواريخ الإيرانية وقدراتها العالية، فإننا عندما نرى إيران تستهدف مواقع تمر جانبا من المصالح الأمريكية، او انها تدعي زورا، وفق تصريحات العراقيين، استهدافها مقرا للموساد في أربيل، في وقت هي تستهدف مدنيين ورجال اعمال، فهذا ليس تعبيرا عن البأس والشدة بقدر ما هو تعبير عن العجز عن المواجهة المباشرة. والحقيقة انه تعبير، أيضا، عن الفشل في التعاطى مع التصعيد الإسرائيلى في غزة منذ 4 أشهر والذي طال حلفاء ايران في لبنان. التخوف من ان يقود أي رد مباشر على إسرائيل الى توسيع دائرة الحرب في المنطقة، لا تجد ايران من مخرج سوى اللجوء الى الحديقة الخلفية (سوريا والعراق) لتصريف مواقفها وتصدير أزماتها.
نجحت إيران منذ عدة سنوات في تشكيل حلقة حول إسرائيل يطلق عليها حلقة النار او محور المقاومة، وهى تقوم على استراتيجية اعتمدها النظام الإيراني من أجل تطويق إسرائيل عبر وكلاء طهران في المنطقة، تحديدا في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والأردن والعراق واليمن. المفروض ان تقوم حلقة النار هذه بشد الخناق على إسرائيل وتهديد أمنها، مقابل الدفاع عن المصالح الإيرانية في المنطقة وتنفيذ أجندتها. لكن منذ بداية الحرب على غزة، واستهداف إسرائيل قيادات تابعة لحماس وحزب الله، لم تقم إيران بالدفاع عن أذرعها. طهران تعتمد، حتى الآن، على سياسة ضبط النفس، وعدم التورط في الرد المباشر، لكن مع إظهار بعض القوة امام شعبها وأنصارها ووكلائها من خلال سياسة غير منطقية تقوم على مواجهة الخصوم بضرب الجيران!
باستهدافها مواقع خارج حدودها، إيران لا تنتهك فقط السيادة الوطنية لتلك الدول، لكنها تتورط في عمليات سيكون الرد عليها مماثلا او أشد قسوة. من ناحية نددت الخارجية العراقية بالعدوان على سيادة العراق واعتبرت ان استهداف اربيل هو إساءة إلى حسن الجوار وأمن المنطقة، معتبرة أنها ستتخذ جميع الإجراءات القانونية من بضمنها تقديم شكوى إلى مجلس الأمن. من ناحية أخرى، اذا كانت إيران، في السابق، تنتقد الغرب وأمريكا، لقيامهما بتنفيذ عمليات عسكرية خارج الحدود ومن دون مبرر قانونى أو غطاء دولي مشروع، فهي اليوم تقوم بنفس تلك الانتهاكات وتعطي لنفسها نفس التبريرات التي كانت تنكرها على الغرب سابقا وتنتقدهم عليها.
أيضا، الهجمات الإيرانية الراهنة على جيرانها ستعرض طهران لهجمات مماثلة. من المتوقع ان تقوم أمريكا او إسرائيل او غيرهما مستقبلا باستهداف مواقع او قيادات إيرانية او عناصر من الميليشيات التابعة لطهران سواء داخل سوريا او العراق. كما ان عمليات إيران غير المسبوقة اليوم ضد مواقع في إقليم كردستان، ستبرر غدا استهداف القوات الامريكية وحلفائها لأي هدف او جهة تحمل الأسلحة الإيرانية الى ميليشيات الحوثي في اليمن أو الحشد الشعبى في العراق أو حزب الله في لبنان وغيرهم.
وسيبقى استقرار دول المنطقة هو الذي دائمًا على المحك.
("الأهرام") المصرية