صحافة

صراع حضارات جديد بين الدول العربية

فاروق جويدة

المشاركة
صراع حضارات جديد بين الدول العربية

هناك ظاهرة جديدة على العالم العربي بدأت تأخذ مكانتها ووقائعها في فكر وثقافة عدد من المثقفين العرب يمكن أن يطلق عليها نسب الحضارات واختلاق الأدوار ومحاولة العدوان على حقائق التاريخ.. وقد بدأت الظاهرة في عمليات البحث والتنقيب عن الآثار ومحاولة البحث عن الوثائق حتى لو تطلب الأمر اختلاق بعضها.

ولا شكّ في أنّ الظاهرة غريبة على العالم العربي لأنّ الأدوار ثابتة ومسيرة الحضارات لا خلاف عليها والأماكن محددة.. ولكل حضارة دورها ومسارها ورموزها وهي صفحات أصبحت واقعًا وتاريخًا.. لا خلافات بيننا حول أطول الحضارات تاريخًا وتأثيرًا وهي الحضارة الفرعونية وقد تكون اشتركت مع حضارات أخرى فى الزمن والتوقيت ولكنها حافظت على تفردها وخصوصيتها في الفنون والحروب والطب والعمارة ولم ينافسها أحد فى ذلك.

أعظم الحضارات في التاريخ في استفتاء دولي أن الحضارة المصرية القديمة كانت أعرق وأعظم الحضارات الإنسانية حيث كانت مصر أول دولة في العالم القديم عرفت مبادئ الكتابة وابتدعت الحروف والعلامات الهيروغليفية ومن أولى الدول التي لها تاريخ مكتوب فى العالم.. المصريون أول من اكتشفوا الورق وأول من اخترعوا التقويم وضبط الوقت ويذكر المؤرخ اللبنانى نجيب مترى مؤسس دار المعارف المصرية في كتابه «ملخص التاريخ القديم» أنّ الحضارة المصرية هى أطول تاريخ مستمر لدولة حيث تزيد على 7000 سنة وهى أقدم حضارة فى التاريخ الإنسانى.

على جانب آخر شهد العالم العربي حضارات أخرى فى بابل بالعراق والفينيقيين والأشوريين والحضارات الدينية في عاد وثمود ولوط في مناطق أخرى وإن ظلت بعيدة عن حضارات مصر التى امتدت آلاف السنين وتجاوزت حدود مصر، وإن بقيت الحضارات الدينية جزءًا من الحضارة المصرية ابتداءً بسيدنا إبراهيم عليه السلام وزواجه من هاجر المصرية ويعقوب واسحاق ويوسف وموسى وعيسى عليهم السلام.. هنا يمكن أن يقال إن الحضارات اختلطت في مراحل ظهور الأنبياء المختلفة والكثير منهم عاش فى مصر وكان جزءًا من حضارتها وتأثيرها.. وتعد العراق من أقدم الدول في العالم على الإطلاق حيث تم تأسيسها في العام 5300ق.م وتعاقب عليها أهم الحضارات في التاريخ مثل السومرية والبابلية والأشورية.. وهناك خلاف حول الحضارة المصرية والحضارة اليمنية أيهما أقدم.. كانت حضارة سبأ في اليمن من أقدم الحضارات في التاريخ.. ويأتى ترتيب الحضارات القديمة تبعًا للزمن حضارة بلاد ما بين النهرين, حضارة وادي السند والحضارة المصرية القديمة وحضارة المايا والحضارة الصينية والحضارة اليونانية القديمة والحضارة الفارسية والحضارة الرومانية.

إن البعض الآن يحاول أن يفتش عن الأدوار ومن سبق وهل عرفت الكتابة في بابل بالعراق أم مصر القديمة خاصة أن هناك جوانب تفردت بها الحضارة المصرية القديمة في الطب والتحنيط والعمارة والمعابد والمقابر والأهرامات وهي إنجازات حضارية لم يسبق إليها أحد.

إن خلط الأوراق الذي تشهده الساحة في العالم العربي هو اختلاق سباق بين مراحل التاريخ العربي أي البلاد كان سباقًا حتى وصل الأمر إلى الاختلاف حول ثوابت تاريخية وحقائق لم تكن مجالًا للخلاف، ومنها الآثار والمعابد والمومياوات وما حدث أخيرًا في لون نفرتيتى السوداء أكبر دليل على العدوان على ثوابت التاريخ.

من وقت لآخر نشاهد عمليات تنقيب فى مناطق أثرية كما حدث في آثار قوم لوط واليهود لا يتركون مكانًا فى العالم العربي إلا وفتشوا فيه.. وما فعلوه حتى الآن في الأراضي المحتلة عدوان سافر على حقوق شعب.. وما زالت أطماع إسرائيل في مصر والمدينة المنورة محاولات لسرقة التاريخ.

إنّ من حق الدول العربية أن تنقب عن تاريخها آثارًا وجذورًا ولكن ينبغي ألا يكون ذلك على حساب ثوابت تاريخية خاصة أن هناك جهات كثيرة مشبوهة تسعى لفتح أبواب لصراعات حضارية خارج التاريخ والزمن.. إن دولًا عربية كثيرة تنقب الآن في أراضيها بحثًا عن آثار أو معابد أو مومياوات ربما اختلطت الأوراق وتكشفت حقائق أخرى ولكن المؤكد أن هناك من يريد هذه الصراعات..

إن من حق الشعوب أن تبحث عن جذورها وحضارتها خاصة أننا نعيش فى وطن واحد في ظل حضارات تأثرت ببعضها ولكن أمام التاريخ لا ينبغي خلط الأوراق والعدوان على الأدوار.. لا احد يمنع بحث الشعوب عن جذورها وأدوارها في ظل حقائق ثابتة الحضارات جزء من مكونات كل شعب ولكن بما يحفظ للتاريخ قدسيته.

تبقى الخلافات حول صفحات التاريخ من سبق الآخر هل كان السومريون على ضفاف النهرين أول من علم الكتابة أم هم المصريون القدماء الذين وضعوا للكون أبجديته الأولى.. لن تكون الكتابة آخر مناطق الخلاف الحضاري سوف تبقى معجزات أخرى صنعها الإنسان وجمعت كل الحضارات حتى وإن اختلفت في الزمن والأوطان والأحداث.

ليس المهم الآن من سبق ولكن المهم أن نستعيد قدرتنا على أن نصنع حاضرًا جديدًا يضيف لما قدمنا للبشرية من أمجاد وإنجازات قديمة، إن السباق بين الأشقاء ينبغي أن يكون على المستقبل لأن الحضارات فى ذمة التاريخ وكثيرًا ما وحدت بيننا في الماضى ويجب أن نبحث عن كل ما يوحدنا الآن.

(الأهرام)

يتم التصفح الآن