قضايا العرب

"خطّة جهنم".. هل يُشعل نتنياهو الشرق الأوسط لإنقاذ عنقه؟

القاهرة - محمد خيال

المشاركة

لا يمكن لأي مراقب للمشهد الراهن في قطاع غزّة أن يجزم باجتياح جيش الاحتلال لرفح الفلسطينية حيث يتكدّس قرابة مليون و300 ألف نازح فلسطيني، وكذلك لا يمكن لأي من هؤلاء المراقبين أن يجزم بعدم إقدام رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على تلك الخطوة، ذلك كون الأمر لا يرتبط بطبيعة تلك المنطقة التي لا تتجاوز الـ62 كيلومترًا فقط، ولكن حالة الحيرة والجدل تلك ترجع لاعتبارات كثيرة وتشابكات شديدة التعقيد.

ما يمكن الجزم به، هو أنّ تلك الخطوة حال أقدم عليها نتنياهو فإنها ستكون فارقة ليس في المواجهة المندلعة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحسب، بل في تاريخ الصراع والمنطقة برمتها، وذلك في ظل التداعيات التي من الممكن أن تخلّفها على مستوى عدة مسارات متقاطعة.

أول تلك المسارات هو ما يرتبط بالعلاقات المصرية الإسرائيلية، فعلى المستوى الاستراتيجي مُنيت إسرائيل بخسارة فادحة، إذ لم يعد هناك حتى ما كان يوصف بالسلام الصامت أو الدافئ بين تل أبيب والقاهرة، فحكومة الاحتلال لم تترك لمروّجي فكرة التعايش مع هذا الكيان منفذًا يمررون من خلاله تلك الأفكار أمام المجازر اليومية وعملية الإبادة الممنهجة لسكان غزّة، وذلك في وقت لا تزال تُمثّل فيه مصر حجر الزاوية في أية مخططات تستهدف دمج إسرائيل في المنطقة.

معاهدة السلام.. و"الخط الأحمر"

في هذا السياق يرى الخبير في شؤون الأمن الإقليمي، اللواء دكتور أحمد الشحات، أنه حال أقدمت الحكومة الإسرائيلية على اجتياح رفح فإنها بذلك تكون قد شرعت في هدم علاقتها مع الدولة المصرية خاصة في شقها المرتبط ببنود معاهدة السلام الموقعة عام 1979، والتي تنصّ بشكل واضح على عدم وجود قوات عسكرية أو عمليات حربية في المنطقة (د) المتاخمة للحدود المصرية.

ويعرب الشحات عن اعتقاده لـ"عروبة 22"، بأنّ خطوة اقتحام رفح ستهدم أركان معاهدة السلام، كونها ستفرض على مصر ترتيبات أمنية تتجاوز البنود الموقّعة ما يعني خرق الاتفاقية، في وقت تُعدّ تل أبيب هي الأكثر استفادة من معاهدة السلام، إذ إنها بتلك المعاهدة حيّدت دولة جوار عربية قوية قادرة على تهديد وجود وكيان الدولة الإسرائيلية.

وعلى مستوى آخر، فيما يرتبط بالعلاقات المصرية الإسرائيلية، فإنّ ما يفكّر فيه نتنياهو بشأن رفح، ترى فيه القاهرة دفعًا نحو "خط أحمر" أعلنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والمتعلق برفض تهجير سكان القطاع أو أي من الإجراءات التي من شأنها أن تدفع النازحين الفارين من جحيم القصف لتجاوز السياج الحدودي مع مصر بما يجعلها في وضع لا تُحسد عليه بين خيارات جميعها مُرّ، فإما أن تقبل بنزوح جماعي نحو سيناء وتصفية القضية والقبول جبرًا بتخصيصها وطنًا بديلًا للفلسطينيين، أو أن توجّه القوات المصرية نيرانها صوب الأشقاء بما يصم الدولة وجيشها وقتها بغلق أبواب الرحمة أمام النازحين.

ثمة مستوى ثالث من التحديات التي تواجهها مصر، يجعل القيادة المصرية أكثر قابلية لاتخاذ خطوات تصعيدية ربما تكون الأولى من نوعها منذ توقيع معاهدة السلام، وذلك في ظل حالة التململ في الشارع المصري من طول أمد المعركة الجارية في غزّة وتواصل مشاهد المجازر دون أن تجرؤ أي قوى عربية على ردع إسرائيل أو كفها عن الانتهاكات بحق الأشقاء، إذ يخشى صانع القرار المصري من تحالف حالة التململ تلك مع موجة الاستياء العام إزاء الوضع الاقتصادي وتنامي الغضب بسبب غلاء المعيشة.

"ضبط النفس".. والخطوات التصعيدية

وهنا يرى مصدر مصري مطّلع أنّ مصر جادة هذه المرّة في اتخاذ خطوات تصعيدية تجاه الحكومة الإسرائيلية حال إقدامها على تنفيذ خططها بشأن رفح، لافتًا إلى أنه تتم في الوقت الراهن مناقشة طبيعة التعامل المصري وشكل التصعيد المقابل، وذلك في وقت كانت القاهرة تتبع نهجًا يتسم بضبط النفس، حفاظًا على دور الوسيط الذي تؤديه بين حكومة الاحتلال والفصائل الفلسطينية.

ويقول المصدر المصري لـ"عروبة 22"، إنه لن يكون مستبعدًا إعلان مصر سحب سفيرها من تل أبيب إذا ما تيقنت بإقدام إسرائيل على اجتياح رفح، موضحًا أنّ ما يصل مصر من معلومات دقيقة، وبعضها نُقل عبر الإدارة الأمريكية، يشير إلى أنّ الأمر غير محسوم حتى الآن داخل مراكز صناعة القرار في تل أبيب.

وفيما يخص موقف اتفاقية السلام، يقول المصدر إنها ستُلغى من تلقاء نفسها دون حتى أن تعلن مصر ذلك، نظرًا للمتغيّرات الأمنية والديموغرافية التي ستخلق واقعًا جديدًا، لا مكان فيه لبنود الاتفاقية ونصوصها.

معادلة انتخابية أمريكية

أما على صعيد موقف الإدارة الأمريكية، فإنّ الخطوة التي يسعى إليها نتنياهو، ستصب مزيدًا من الزيت على نيران العلاقة المتوترة بينه وبين الرئيس جو بايدن، والذي بدا في خطاباته الأخيرة، آخذًا خطوة للوراء قليلًا للسيطرة على تداعيات موقف إدارته وانحيازه الفج لتل أبيب، وذلك مع اقتراب الانتخابات الرئاسية وتضييق منافسه اللدود دونالد ترامب الخناق عليه.

لكن رغم ذلك، ليس من المتوقع أن يتخذ بايدن خطوات واضحة وصريحة لكبح جماح نتنياهو الذي يخوض معركة بقاء، خاصة كون عين بايدن على اللوبي اليهودي في أمريكا كما هي أيضًا على الأصوات العربية، وهو ما يجعل الإدارة الأمريكية الحالية تتبنى سياسة الضغط من الداخل بالمكونات الإسرائيلية نفسها وتوسيع هوامش التعاطي مع المعارضة ومنافسي نتنياهو للضغط، وهو ما يتماشى مع ما كشفته تقارير أمريكية بشأن توسيع نطاق التشاور مع بيني غانتس عضو مجلس الحرب باعتباره الأكثر حظًا لخلافة نتنياهو.

ثمة مخاوف أخرى تسيطر على الإدارة الأمريكية بشأن توجّه نتنياهو، إذ إنها قد تكون السبب الرئيسي لتوسيع نطاق الحرب إقليميًا، وهي الخطوة التي سعت واشنطن لتجنّبها منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، خاصة مع التسخين الواضح لجبهة لبنان مع "حزب الله" خلال الأيام الماضية التي واكبت تصاعد التهديدات الإسرائيلية، إذ تخشى إدارة بايدن جرّها إلى حرب لا تسعى إليها في الوقت الراهن، مع كل ذلك لا يمكن التعويل على الموقف الأمريكي، فواشنطن لن تقبل بأقل من إعلان المقاومة استسلامها، وهو ما تم ترجمته في تصريحات بايدن التي منح فيها جيش الاحتلال الضوء الأخضر للعملية لكن مع مراعاة عدم تعريض المدنيين للخطر، حسبما أشار مؤخرًا.

المقاومة وصفقة الأسرى

في المقابل تتباين توقعات فصائل المقاومة بشأن التهديدات الإسرائيلية، ففيما ترى حركة "الجهاد" أنّ جيش الاحتلال جاد في تهديده لكنه ينتظر الوقت المناسب، وهو ما عبّر عنه نائب الأمين العام للحركة، الدكتور محمد الهندي، قائلًا: "إنّ هناك شبه إجماع داخل مجلس الحرب الإسرائيلي بخصوص اجتياح رفح".

في المقابل يرى قيادي في حركة "حماس" أنّ فرص الاجتياح الإسرائيلي تتراجع أمام بعض المعوقات، والتي يأتي في مقدمتها المعارضة المصرية والأمريكية لتلك الخطوة في ظل تعويل الجانب الإسرائيلي على موقف البلدين، أما المؤشر الآخر فهو مرتبط بالوضع الميداني لقوات الجيش الإسرائيلي والتي تعاني بشدة من شراسة المواجهة وتحديدًا في "خان يونس" التي احتاجت 70 يومًا لدخولها، وكذلك في مناطق الشمال والوسط والتي تقول عنها إسرائيل إنها قضت على قوة المقاومة فيها.

ويفتح حديث القيادي الحمساوي الباب للإشارة إلى حجم وقوة المقاومة المتواجدة في منطقة رفح، والتي تتراوح بين 4 إلى 5 كتائب لـ"القسّام" فقط، وهي "كتيبة خالد بن الوليد" المتمركزة في مخيم يبنا، و"كتيبة الشابورة"، و"الكتيبة الشرقية"، و"كتيبة النخبة" التي تُعدّ الأكثر غموضًا لدى استخبارات العدو الإسرائيلي حيث لا يتوفر لديهم معلومات بشأنها أو من يقودها.

ويقود اللواء العام لرفح في "كتائب الأقصى" القيادي في "القسّام" محمد شبانة، وهو أحد أبرز قيادات المجلس العسكري لـ"القسّام"، إذ يتولى المهمة منذ 2014 في أعقاب اغتيال رائد العطار مسؤول لواء رفح.

وبالعودة لحديث القيادي في "حماس"، فإنّ العملية التي يُصرّ عليها نتنياهو "لن تكون نزهة لجنوده، فمن ينتظر جيش الاحتلال هناك قوات بكامل عتادها ومقاتليها لم تمسّ منذ بدء الحرب إضافة لاستفادة تلك القوات من الخبرة المكتسبة على مدار الأشهر الأربعة الماضية"، متابعًا: "ما يعني أنّ ما يبحث عنه نتنياهو من نصر لم يجده في "خان يونس" والشمال سيكون مثابة مزيد من الخسائر".

نتنياهو... و"ألسنة اللهب"

إضافة للخسائر التي قد تراكم رصيد خسائر نتنياهو السياسية والعسكرية والاستراتيجية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإنّ صفقة تحرير الأسرى الإسرائيليين ستكون في مرمى شظايا تلك العملية، في ظل تأكيدات من جانب الفصائل التي شاركت في الرد المقدّم على "طرح باريس" بإنهاء التفاوض غير المباشر "فورًا" حال أقدم الاحتلال على "حماقة" اجتياح رفح.

يمكن القول إنّ "خطة جهنم" باجتياح رفح التي يسعى نتنياهو لتنفيذها رغم معارضة حلفائه في الغرب والولايات المتحدة، بل وبعض الأصوات من داخل مجلس الحرب نفسه، ستكون ارتداداتها بالغة الخطورة على إقليم الشرق الأوسط بأكمله، إذ لن يكون بمقدور أي طرف دولي أو إقليمي تحمّل تبعات الدماء التي ستراق في ظل التكدّس الكبير للنازحين، تلك الدماء التي ستكون بمثابة ألسنة لهب ستطال الجميع بما يشمل إسرائيل.

ربما لن يكون من وراء تلك العملية سوى مكسب واحد لا يخدم سوى فرد واحد فقط هو نتنياهو الذي يسعى للقفز من خلالها إلى الأمام وإطالة أمد الحرب لإدراكه مصيره المحتوم فور توقفها، في ظل زيف ما يروّجه حيث لا يوجد "بنك أهداف" هناك يستحق تلك المغامرة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن