كان المفترض أن تأتي الصورة من الأراضي الفلسطينية، بما فيها غزة، في هذا التوقيت من العام موثقة لتسابق العائلات إلى شراء ما يلزم في رمضان من طعام وشراب وحلوى جرياً على العادة العربية السنوية.
كان مقبولاً ومعتاداً أن يشكو الفلسطينيون في غزة من ندرة السلع، وغلاء الأسعار، وجشع التجار، كما يفعل كثير من العرب في مثل هذه الأيام، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، ولن يحدث في غمرة الاستعداد لشهر رمضان المقبل، وربما الذي يليه.
الصور لا تقول إن الفلسطينيين في غزة يشكون الجوع، بل تصرخ بأن بعضهم، خاصة من الأطفال، ماتوا جوعاً، بينما الذين ينتظرون أن يقضوا نحبهم بأية وسيلة من وسائل القتل، وهي كثيرة، يستعينون بعلف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة.
حتى إن توفرت السلع، فالسعي إلى نصيب منها محفوف بالقصف، فإسرائيل تنافس نفسها في القضاء على كل أمل في الحياة، لا يعنيها في ذلك تحذير من هنا أو انتقاد من هناك، فكل القوانين الدولية والأخلاقية دفنت منذ بدأ طوفان «حماس» الذي أحيا القضية ويميت أصحابها.
كل تفاصيل ما بعد السابع من أكتوبر مرعبة، لكن واقعة قصف من ينتظرون عوناً على الحياة تضاف إلى الأكثر إيلاماً في يوميات الحرب التي يذهب بها طرفاها إلى أبعد مدى. ويحتمي الجانبان في حجج وألاعيب التفاوض، بينما يأتي الناس الموت من كل جانب، ومن بقي حياً من أهل غزة يواصل صوماً إجبارياً ربما هو الأطول في التاريخ، ولا فطر يبدو قريباً رغم كل مساعي إيصال الغذاء إليهم براً وبحراً وجواً.
ورغم ذلك، تنتظر الأمم المتحدة أن يفنى نصف الغزّيين لتعلن بضمير مستريح مراعٍ للقوانين أن القطاع تضربه المجاعة، وكأن الاعتراف بموت العشرات من الأطفال جوعاً؛ لانعدام الغذاء أو سوء التغذية، لا يكفي لتطبيق المعايير الدولية الغائبة في كل الأحوال عما يجري في غزة.
تعترف الأمم المتحدة بأن المجاعة في القطاع وشيكة ما لم تتبدل المعطيات على الأرض، والمؤكد أنها لن تتغير، لكنها تتذرع بأن المعايير ليست كافية حتى الآن لإعلان ذلك رسمياً.
وحتى إذا توفرت هذه المعايير اللازمة لإعلان المجاعة في مكان ما من العالم، فإن الأمم المتحدة لن تفعل ذلك، ليس لأن لذلك تبعات سياسية فحسب، ولكن أيضاً لأن مبررات هذه الإعلان كثيرة وموزعة بين أكثر من منظمة ووكالة إنسانية، وهو سبب يكفي وحده للتحايل على الوضع في غزة والتبرّؤ منه.
وبالمناسبة، فإن الحديث عن هذه المجاعة ليس وليد هذه الأيام، ولا فضل للأمم المتحدة في التحذير منه، فوزارة الخارجية الفلسطينية، طالبت، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، الأمم المتحدة، بالإعلان عنها رسمياً في قطاع غزة. واستندت الوزارة في مطالبتها إلى تقارير الجهات الدولية والأممية المختصة بقضية الغذاء والتغذية التي قالت منذ أشهر إن الجوع يفتك بغزة.
("الخليج") الإماراتية