بايدن والأمريكيون العرب

تقول الحكاية الصعيدية الحكيمة «إن أختا دعت أخاها للغداء عندها فتأخر عن الميعاد وعند وصوله لم يحضر معه شيئا لأخته مثلما هو الواجب والعرف، فقالت له: اتأخرت ليه يا ود أبوي؟، فأجابها أنه ذهب للسوق لشراء قفص فواكه للعيال، فقالت له وليه الغرامة دي يا ود أبوي، فأجابها: قلت يتسمموه». تذكرت هذه الحكاية وأنا أتابع ما يفعله الرئيس الأمريكي بايدن هذه الأيام وما يتفوه به بصفة مستمرة بخصوص ملابسات الحرب على غزة ومحاولات إيجاد حلول لوقفها ومحاولات إيجاد حل للقضية الفلسطينية، ومحاولة إقناع وإرضاء الناخبين العرب والمسلمين بالولايات المتحدة الذين أظهروا غضبهم وسخطهم على سياساته المؤيدة على طول الخط لإسرائيل وعدم الاكتراث لمطالبهم، بضرورة تبني موقف متوازن وعادل بدلا من الانحياز التام لإسرائيل بطريقة فجة وغير مسبوقة ومبالغ فيها وأن الرجل أصبح وكأنه الطرف الأساسي في الحرب والداعم لها منذ بدايتها.

الجاليات الأمريكية الغاضبة من أصول عربية وإسلامية هي التي صوتت له بالإجماع في الانتخابات الرئاسية 2020 وكانت أحد الأسباب التي أدت الى فوزه على غريمه ترامب، والآن لا يبذل أي جهد في الضغط على إسرائيل لتقلل من إبادة الفلسطينيين، وأنه أصبح دائما يعطي الضوء الأخضر بتصريحاته المستفزة لإسرائيل لتفعل المزيد من الإبادة. عندما أدرك إستراتيجيو الحزب الديمقراطي خطورة الموقف طلبوا منه موقفا متوازنا ومختلفا قبل فوات الأوان، وهو ما نشرته الواشنطن بوست بتاريخ 8 فبراير الماضي مفاده أن مساعديه ذهبوا لمقابلة الجاليات العربية بولاية ميتشجان والذين أعلن غالبيتهم أنهم لن يصوتوا لبايدن هذه المرة مثلما فعلوا في انتخابات 2020. تكمن أهمية تلك الجاليات في أن عدد الناخبين بها يبلغ قرابة 5% من سكان الولاية، وأنها تمثل إحدى الولايات التي يطلق عليها الولايات المتأرجحة أو ولايات أرض المعارك التي أصبحت المحددة لنتائج الانتخابات في السنوات الأخيرة وبالتالي يتسابق المرشحون الرئاسيون للفوز بأصواتها التي تمثل الكتلة الحرجة للفوز.

عندها فقط بدأ وكأنه يحاول تغيير موقفه فكان منه مثلما كان من الرجل الذي ذهب لتناول الغداء عند أخته والذي لم يحضر لها هدية، وبالعكس دعا على أولادها بالتسمم. لم تقتصر اللعبة على تصريحاته، ولكن خرج مساعدوه في البيت الأبيض ليعلنوها مرارا وتكرارا أنه غاضب من السيد نتنياهو، وأنه كثير النقد لحكومته اليمينية المتطرفة، وأنه أدرج أربعة من المستوطنين الإسرائيليين تحت قوائم حظر دخول أمريكا وأنه قفل التليفون في وجه نتنياهو ذات مرة وأصبح لا يرد على مكالماته، وكثير من الترهات الأخرى التي تنم عن خلل كبير وتخبط لم يسبقه بها إدارة أحد من الرؤساء الأمريكيين السابقين الذين يراعون بدقة ما يقولون، وأنه يوجد معهم دائما فريق من الخبراء الذين يكتبون الخطابات والتصريحات وأحيانا يجرون مع الرئيس بروفات قبل الخروج للحديث مع الصحافة أو لمقابلة أحد الملوك أو الرؤساء الأجانب حيث الكلمات محسوبة والعالم كله يشاهد.

أصبح الرجل يخطئ في أسماء الرؤساء والدول ويتمتم بكلمات غير مفهومة مخجلة. عندما تبين لإدارته خطورة الموقف، وأن الجاليات الأمريكية من أصول عربية وإسلامية التي دائما تصوت لمرشح الحزب الديمقراطي لن تفعل هذه المرة فبدأ عندها محاولاته غير المقنعة لإقناع الجالية العربية والإسلامية، وأضاف في حديثه عن ضرورة وجود حل الدولتين، وهو يعلم علم اليقين أنه حل مستحيل، إضافة الى أن الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو صفعته صفعة قاسية بمجرد تكراره ذلك المقترح في الأسابيع الأخيرة وصوتت بالإجماع بتاريخ 11 فبراير الماضي أنها لن تشارك في مفاوضات حل الدولتين، وأنه لن يتحقق أبدا، وأنها تعارض ذلك الأمر، ولن توافق عليه أبدا موجهة بذلك ضربة قاصمة لمقترحه الذي أريد به إقناع الأمريكيين العرب والمسلمين بأنه في صف مطالبهم المشروعة رغم انه لا يبذل أي جهد في الضغط على إسرائيل لتوقف حرب الإبادة وكسر القوانين الدولية والانصياع لمطالب محكمة العدل الدولية، فسياسته أصبحت انحيازا تاما غير مسبوق لإسرائيل وما تمارسه من حرب إبادة ضد الفلسطينيين في غزة حيث استخدم حق الفيتو ثلاث مرات لمنع إصدار قرار بوقف إطلاق النار آخرها الخاص بطلب الجزائر تدخل مجلس الأمن لوقف إطلاق النار فورا وعدم اجتياح رفح الذي تهدد به إسرائيل وأن نتنياهو ينظر إليه أنه سيكون نصرا مبينا لإسرائيل، وأنه سيحطم حماس بالكامل من خلاله.

وبدلا من الاستجابة الحقيقية لمطالبهم، ظهر في برنامج كوميدي يوم 26 فبراير الماضي عشية الانتخابات الحزبية في ولاية ميتشجان وعندما سأله المقدم عما يحدث في غزة؟ أجابه بأنه يبذل قصارى جهده لتحرير الرهائن الإسرائيليين، ويسعى لتحقيق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، وكرر أنه صهيوني وأنه لولا إسرائيل ما تمتع بالأمن أي يهودي في العالم. من شدة حنقهم على سياساته تلك وغيرها كون بعض الناخبين من تلك الجالية حملة أطلقوا عليها «اهجروا بايدن في انتخابات 2024» نتيجة لرفضه الموافقة على الدعوة لوقف دائم لوقف إطلاق النار في غزة. وفعلا أتت هذه الدعوة ثمارها في الانتخابات الحزبية لولاية ميتشجان يوم 27 فبراير الماضي، حيث هجره الناخبون العرب وأبطلوا أصواتهم لتصل نسبة الأصوات الباطلة إلى 13.2% من جملة الناخبين، وهي نسبة عالية لم تحدث من قبل لتعكس حالة الرفض والغضب عند الجاليات العربية التي تشعر بإهمال الحزب الديمقراطي لها. لو تكررت هذه النسبة في نوفمبر المقبل، وهو موعد الانتخابات الرئاسية القادمة سيصير الأمر كارثة كبرى، وسيخسر الرئيس بايدن الانتخابات.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن