مرة جديدة وليست أخيرة أتطرق إلى موضوع الخلافات بين أمريكا وإسرائيل، خاصة مع تطلع الكثير من المعلقين والسياسيين العرب إلى أنباء سارة، وإن كانت وهمية، حول ما يعتبرونه بداية النهاية للعلاقات الخاصة والمعقدة والعميقة التي تجمع الولايات المتحدة بإسرائيل.
من جانب، يتفاخر الرئيس جو بايدن بصهيونيته، ويكرر أنه إذا لم توجد إسرائيل، لوجب علينا إيجادها. ويتفاخر بايدن بأنه لا يوجد أي رئيس من قبل أفضل لإسرائيل منه، إلا أن ما ذكره بايدن خلال خطاب حالة الاتحاد، ومن بعده في لقاء تليفزيوني مع شبكة MSNBC اعتبره البعض تراجعا عن مواقف بايدن الراسخة والداعمة لإسرائيل.
انتقد بايدن استراتيجية إسرائيل الحربية في عدوانها على قطاع غزة، ووصف خطط إسرائيل لاقتحام مدينة رفح بأنها «خط أحمر» لا ينبغي لإسرائيل تجاوزه. وقال بايدن «إنه خط أحمر، لكنني لن أتخلى عن إسرائيل أبدا. لا يزال الدفاع عن إسرائيل حاسما. لذلك لن أوقف إمدادهم بالأسلحة، حتى يكون لديهم القبة الحديدية لحمايتهم». وأكد بايدن فقط على ضرورة ألا يقتل 30 ألف فلسطيني آخر.
ولم يقترب بايدن من الإشارة إلى ما قد يتخذه حال تخطت إسرائيل الخط الأحمر باقتحامها مدينة رفح بعد انتهاء شهر رمضان وعيد الفطر. لم يتعرض بايدن إلى سلسلة من العقوبات أو الإجراءات الرادعة لتثني إسرائيل عن خطتها باقتحام المنطقة الصغيرة التي تأوي أكثر من 1.3 مليون فلسطيني أغلبهم نزحوا من مختلف مناطق غزة سعيا للسلامة وطلبا للأمان. وتطالب إدارة بايدن إسرائيل فقط بعرض خطة تضمن خروجا آمنا للفلسطينيين من رفح قبل اقتحامها.
يرى أنصار إسرائيل في واشنطن أن أفضل طريقة لحماية المدنيين الفلسطينيين هي أن تسمح لهم مصر بعبور الحدود إلى سيناء والبقاء فيها حتى يتوقف القتال. وينتقد هؤلاء الرئيس بايدن لعدم ضغطه على الجانب المصري لقبول هذا الطرح على الرغم من تلقي القاهرة نحو 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية كما يقولون. وتهاجم أغلب المنظمات اليهودية الأمريكية الرئيس بايدن، بعد كل ما قدمه منذ 7 أكتوبر، لمطالبته إسرائيل بالتمهل في اقتحام رفح، ويرونه معرقلا لهدف إسرائيل المتمثل في تدمير حماس.
ولا يمكن فصل انتقاد بايدن اللفظي الصريح لنتنياهو عن رغبته في استرضاء الجناح المعادي لإسرائيل فى حزبه الذى يزداد قوة وإصرارا كما ظهر في نتائج عدة ولايات منها ميشيجان ومينيسوتا.
ولا يمكن أن نستبعد مخاوف بايدن وفريقه، من وجود مشاهد احتجاجات وتظاهرات واسعة في مؤتمر الحزب الديمقراطي في أغسطس المقبل. ويزداد قلق بايدن من خسارة ولايات حاسمة مثل ميشيجان، وهو ما يضعف حظوظه بالفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة مع انشقاق الشباب والأمريكيين العرب والمسلمين.
وهذا يفسر أيضا الجهود العاجلة للتفاوض على وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين، التي لا تزال تدفع إليها الولايات المتحدة بالتعاون مع مصر وقطر. كذلك جاءت مبادرة بايدن بأن تقوم القوات الأمريكية ببناء رصيف بحري لإيصال المساعدات إلى غزة كجزء من لعبته السياسية الداخلية لاسترضاء التيارات الشبابية والتقدمية بالحزب الديمقراطي.
بعد دعم بايدن غير المحدود للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وعدم رغبة بايدن في اتخاذ تدابير جادة لتحدي أو كبح جماح الحملة العسكرية الإسرائيلية لمدة خمسة أشهر، أصبح بايدن في موقف ضعيف من صنعه. سيكون من الصعب عليه إصدار مطالب وتحذيرات تأخذها الحكومة الإسرائيلية على محمل الجد لأن الإسرائيليين تجاهلوا الكثير من التحذيرات قبل الآن دون دفع أي عقوبة.
إذا كان نهج بايدن جادا وحاسما ما كان ليضطر إلى اللجوء إلى حلول سخيفة وغير عملية مثل الرصيف البحري والإسقاط الجوي للمساعدات لتجنب مواجهة منع إسرائيل للمساعدات. عندما يرى نتنياهو أن إدارة بايدن تربط نفسها في عقدة لتجنب الصدام معه، فمن المرجح أن يشجعه ذلك على التمسك بموقفه والتشدد فيه لتأكده من القدرة على الإفلات من العقاب.
وتحتاج إدارة بايدن إلى جعل سياستها تتماشى مع خطابها، وبالطبع لن يحدث ذلك مع إدارة تتجاهل هي ذاتها القوانين الأمريكية الخاصة فيما يتعلق بإمدادات الأسلحة للحكومات التي ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وانتهاكات للقانون الدولي. وطالما استمر تدفق الأسلحة إلى إسرائيل فلا معنى لأي شيء يقوله الرئيس ومسؤولون أمريكيون آخرون عن سلوك إسرائيل في الحرب.
لن يثني هجوم بايدن اللفظي نتنياهو عن إصدار أمر بشن هجوم على رفح، خاصة بعد أن كرر نتنياهو أن من «يقول لنا ألا نتحرك في رفح، فإنه يقول لنا أن نخسر الحرب، وهذا لن يحدث».
لقد فعلت إدارة بايدن الكثير لتأجيج الحرب في غزة وهي تشارك في المسؤولية عن الكارثة الحالية والكارثة القادمة.
طالما تغيب أي تكلفة من جانب دول وحكومات مئات الملايين من العرب وما يقرب من ملياري مسلم حول العالم، ستظل الولايات المتحدة على دعمها الكامل وغير المشروط لإسرائيل في أوقات السلم وأوقات الحرب، وسواء حكم البيت الأبيض جمهوري أو ديمقراطي.
قد يكون هناك بارقة أمل تجاه تغير الموقف الأمريكي الهيكلي في النظر للصراع العربي الإسرائيلي، لكن ذلك سيستغرق بعض الوقت الذي قد يمتد إلى ما بعد الدورتين الانتخابيتين القادمتين، حيث يغيب جيل من السياسيين ومتخذي القرار لصالح صعود جيل جديد من شباب أمريكا المحرر في أغلبه من سيطرة وسائل الإعلام التقليدية والثقافة الأمريكية المحابية لإسرائيل.
سيتحرر الجيل الجديد من سرديات جامدة وقيود قوية تساهم فيها النهاية الطبيعية للأجيال التي شهدت أو عاصرت مرحلة الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية، وسيصبح الحديث عن هذا العبء التاريخي دون شخصيات حية تتذكر تجاربها الأليمة، في وقت سيستمع الجيل الجديد، ويستمع حاليا، لقصص معاناة شخصية أليمة لأطفال ونساء وشيوخ ورجال فلسطينيين. معاناة تشارك فيها بلادهم بكل السبل الممكنة، تسليحيا وسياسيا، ودبلوماسيا، وماليا، ومعنويا.
("الشروق") المصرية