صحافة

حدود الخلاف بين إسرائيل وأمريكا

مصطفى السعيد

المشاركة
حدود الخلاف بين إسرائيل وأمريكا

هل تغيّر الموقف الأمريكي من الحرب على غزة؟، قال الرئيس الأمريكي بايدن «أنا صهيوني»، و«إذا لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها»، وأرسل جسرا جويا من الأسلحة والعتاد، وبوارج وحاملة طائرات وغواصة نووية، وجنرالات يشاركون في غرفة عمليات إدارة الحرب، ودعم لوجستي، وأنباء عن مشاركة فعلية في العمليات بقوات خاصة، قيل إنها للبحث عن الأسرى الإسرائيليين في أنفاق غزة، والآن زادت حدة الانتقادات الأمريكية لحكومة نتنياهو، مع تأكيد التفرقة بين حكومة اليمين الإسرائيلي الحاكم وبين إسرائيل التي ستتلقى كل الدعم الذي لا يتزعزع من إدارة بايدن، فما السبب وراء ارتفاع وتيرة الانتقادات، حتى بلغت حد مطالبة زعيم الأغلبية فى مجلس الشيوخ تشاك شومر بتنحي نتنياهو، وإجراء انتخابات مبكرة؟.

وأثارت تلك التصريحات زوبعة داخل إسرائيل، وجاء انتقاد حزب الليكود لاذعا لتصريحات شومر، مصحوبا برفض أي ضغوط دولية على الحكومة الإسرائيلية لوقف الحرب، أو عدم اجتياح رفح، وتضمن رد الليكود عبارة «لسنا جمهورية موز» في الإشارة إلى الحكومات التي كانت تسقطها الولايات المتحدة في أمريكا الجنوبية من خلال شركات زراعة واستيراد الموز، وكأن إسرائيل دولة مستقلة عن الولايات المتحدة لها إرادتها ومصالحها الخاصة.

كثير من التصريحات الأمريكية التي تنتقد قتل عشرات آلاف المدنيين، وتطالب بتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية كان هدفها غسل أيادي الولايات المتحدة من تهمة الإبادة الجماعية، وأن تخفف من زخم المظاهرات المنددة بالجرائم الإسرائيلية والدعم الأمريكي غير المشروط لها، واستخدام الفيتو مرات لمنع إصدار قرار من مجلس الأمن بوقف الحرب، أي أنها كانت تصريحات بلا مضمون أو نتائج على الأرض، وقال نتنياهو في هذا السياق إن المفاوضات المتعلقة بالتوصل إلى اتفاق مع حماس هي مجرد مفاوضات تمنح إسرائيل الوقت الكافي لتحقيق أهدافها، ومواصلة عملياتها العسكرية. لكن ليست كل التصريحات الأمريكية هدفها التغطية على نتنياهو، فهناك مسافة، ولو صغيرة، بين رؤية إدارة بايدن ورؤية اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو، فالإدارة الديمقراطية ترى أن نتنياهو يعمل لمصلحته الشخصية أولا، والأخطر أنه يتبنى رؤية اليمين الديني الإسرائيلي الأكثر تطرفا، والذي يحرج الإدارة الأمريكية بمواقفه وتصريحات رموزه التي تلطخ السمعة الأمريكية بتصريحات موغلة في العنصرية والتوحش، وتأمل الإدارة الأمريكية أن تكون هناك حكومة أقل تطرفا، لا تضر بالمصالح الأمريكية، ولا تجرها إلى حرب واسعة لا يمكن للولايات المتحدة تجنب المشاركة فيها، رغم أنها ستلحق بها ضررا كبيرا في سباقها العالمي مع الصين وروسيا.

إن الخلاف بين الديمقراطيين الليبراليين في الولايات المتحدة مع اليمين الديني الإسرائيلي لا يمكن تجاهله أو التقليل من شأنه، لكنه لا يعني أن الولايات المتحدة يمكن أن تتخلى عن إسرائيل مهما تكن الحكومة التي تقودها، والدليل الواضح هو استمرار المساعدات المالية والعسكرية، والدعم السياسي لإسرائيل في المحافل الدولية، حتى نهج تدمير وكالة «الأونروا» الأممية، والاتفاق على بناء رصيف بحري لإدخال المساعدات بتنسيق مشترك، ولهذا لا يوجد أي خلاف حقيقي حول المساعي المشتركة للقضاء على الفصائل الفلسطينية المسلحة، أو إضعافها على الأقل، وينحصر الخلاف في الرؤية حول مستقبل غزة وطريقة احتواء القضية الفلسطينية، فبينما يرى اليمين الإسرائيلي أنه لا مجال لإقامة دولة فلسطينية حتى لو كانت منقوصة السيادة، أو بلا سيادة، بينما ترى الإدارة الأمريكية أن السير في هذا الاتجاه، حتى لو من باب تخفيف الاحتقان في المنطقة وكسب الوقت، خطوة ضرورية للولايات المتحدة التي تريد تهدئة طويلة في المنطقة، تسمح لها بالتفرغ لصراعها الرئيسي، والأهم مع كل من الصين وروسيا، وأنها إذا خسرت السباق معهما، وعجزت عن إيقاف تقدمهما، وتمكنتا من كسر الهيمنة الأمريكية، فإن الخسارة لن تلحق بالولايات المتحدة وحدها، بل ستهدد الوجود الإسرائيلي أيضا، وهو ما لا يمكن لليمين الإسرائيلي المتطرف أن يراه أو يتفهمه، وأن النظرة الضيقة لليمين الديني، المنشغل بتطبيق الشريعة التلمودية وحدود الدولة اليهودية، ستشكل خطرا كبيرا على بقاء إسرائيل، وأن المصلحة الإسرائيلية تقتضي تقليص نفوذ اليمين الديني المتطرف، واستعادة اليمين العلماني لزمام الأمور، ومراعاة المصالح الأمريكية في خضم منافستها الصعبة للقوتين الصينية والروسية الصاعدتين، لأنه لا مستقبل لإسرائيل إلا تحت مظلة الهيمنة الأمريكية.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن