يرى كثير من المفكرين أنه لا فارق في التعامل مع يهود أوروبا بين أدولف هتلر الزعيم النازي الذي قتل الملايين من يهود أوروبا، وبين ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا في فترة الحرب العالمية الثانية، الذي كان من أكثر الداعمين للهجرة اليهودية الى فلسطين، والممولين لإنشاء إسرائيل. كلاهما أراد التخلص من اليهود، وكلاهما أراد ونفذ خطة تنظيف أوروبا من اليهود، وكلاهما كان يكره وجود اليهود في أوروبا، هتلر كان فظاً عنيفا قاتلا، وتشرشل كان سياسيا حكيما ماهرا؛ وكلاهما حقق نفس النتيجة سواء بالقتل والحرق، أو بالتهجير الاختياري.
في 14 مارس الجاري ألقى زعيم الأغلبية الديمقراطية في الكونجرس الأمريكي «تشاك شومر» خطابا غير مسبوق فى تاريخ اليهودية السياسية في أمريكا، فلم يحدث أن صدر هذا المستوى من النقد من سياسي أمريكي يهودي؛ خصوصا أن تشاك شومر يشغل أعلى منصب منتخب وصل اليه يهودي أمريكي في تاريخ هذا البلد، فهو عضو مجلس الشيوخ الأقدم في الكونجرس الأمريكي حيث يشغل هذا المنصب منذ 1998، وقبلها شغل منصب عضو مجلس النواب الأمريكي من 1981 الى 1998. وهو أيضا خريج جامعة هارفارد حيث درس فيها القانون.
وفي مطلع خطابه قال السيد شومر: «اسم عائلتي هو شومر، وهو مشتق من الكلمة العبرية شومر، أو الوصي. وبطبيعة الحال، مسؤوليتي الأولى هي تجاه أمريكا ونيويورك. ولكن باعتباري أول زعيم للأغلبية اليهودية في مجلس الشيوخ الأمريكي، وأعلى مسؤول يهودي منتخب في أمريكا على الإطلاق، فإنني أشعر أيضًا بمسؤوليتي بوصفي شومر يسرائيليل ـ الوصي على شعب إسرائيل». ثم بدأ في تقديم تحليل دقيق لما حدث في 7 أكتوبر 2023 من وجهة نظر اليهودي الأمريكي، وأبدى التعاطف المطلق مع الضحايا من اليهود، وبعض العطف مع الفلسطينيين.
وجه السيد شومر نقدا قاسيا للحكومة الحالية في إسرائيل، واعتبرها خطرا حقيقيا على الدولة العبرية، وعلى يهود العالم، وأن ما قامت به في غزة سوف يدفع ثمنه يهود العالم لأجيال قادمة، فقد عادت معاداة اليهود حول العالم الى مستويات عالية جدا لم تحدث منذ عقود؛ واعتبر السيد شومر ان الطريق الوحيد للخروج من حلقة العنف المفرغة التى تدور بين الإسرائيليين والفلسطينيين هو حل الدولتين، وأنه لا طريق آخر سوى ان تكون للفلسطينيين دولتهم المستقلة؛ التي لا تهدد أمن إسرائيل. ولكن هذا الحل يواجه تحديات حددها السيد شومر في قوله: في الوقت الحالي، هناك أربع عقبات رئيسية تقف في طريق حل الدولتين، وإلى أن تتم إزالتها من المعادلة، فلن يكون هناك سلام أبداً في إسرائيل وغزة والضفة الغربية؛ وهذه العقبات الأربع الرئيسية هي: أولا: حماس والفلسطينيون الذين يدعمون ويتسامحون مع طرقهم الشريرة. ثانيا: الإسرائيليون اليمينيون المتطرفون في الحكومة والمجتمع. ثالثا: رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. رابعاً: رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وفيما يتعلق برئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو قال السد شومر: «والعقبة الرئيسية الرابعة أمام السلام هي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أذعن في كثير من الأحيان لمطالب المتطرفين مثل الوزيرين: سموتريش، وبن غفير، والمستوطنين في الضفة الغربية، أعتقد أن رئيس الوزراء نتنياهو فقد عقله، وأنه قد ضل طريقه من خلال السماح لبقائه السياسي بأن يكون له الأسبقية على المصالح العليا لإسرائيل.لقد وضع نفسه في ائتلاف مع متطرفين يمينيين، ونتيجة لذلك، كان على استعداد تام للتسامح مع الخسائر في صفوف المدنيين في غزة، الأمر الذي دفع الدعم لإسرائيل في جميع أنحاء العالم إلى مستويات تاريخية منخفضة، ولا يمكن لإسرائيل أن تبقى على قيد الحياة إذا أصبحت منبوذة.كما أضعف رئيس الوزراء نتنياهو النسيج السياسي والأخلاقي لإسرائيل من خلال محاولاته لاستمالة القضاء، ولم يُظهر أي اهتمام بالقيام بالعمل الشجاع والبصيرة المطلوبة لتمهيد الطريق للسلام، حتى قبل هذا الصراع الحالي، وباعتباري مؤيدًا لإسرائيل مدى الحياة، فقد أصبح من الواضح بالنسبة لي: إن ائتلاف نتنياهو لم يعد يناسب احتياجات إسرائيل بعد السابع من أكتوبر الماضي. لقد تغير العالم ـ بشكل جذري منذ ذلك الحين، ويتعرض الشعب الإسرائيلي الآن للخنق بسبب رؤية الحكم العالقة في الماضي.
هذه الصرخة العالية الصريحة الواضحة من السيد شومر خوفاً على مستقبل إسرائيل، وعلى الشعب اليهودي في العالم، يقابلها منهج معاكس تماما يتبعه الرئيس الأمريكي جو بايدن منذ السابع من أكتوبر 2023؛ قائم على التماهي الكامل مع نتنياهو، وحكومة الحرب التي يسيطر عليها المتطرفون الذين يسعون الى القضاء على الشعب الفلسطيني، وتطهير أرض فلسطين منه سواء بالتهجير القسري، أو التدمير والاجبار على التهجير الطوعي، أو الإبادة الجماعية بقتل المدنيين والأطفال والنساء، واتباع سياسة التجويع وهدم المستشفيات، كل ذلك يحدث بدعم سياسي غير مسبوق من قبل الرئيس الأمريكي جو بايدن، وجسر جوي لنقل الأسلحة والذخيرة التي تتم بها حرب الإبادة الجماعية في غزة. علاوة على ذلك وفرت إدارة الرئيس بايدن غطاء سياسيا غير مسبوق لإسرائيل على المستوى الدولي، وأفقدت الأمم المتحدة دورها، وشلت حركتها من خلال حق النقض (الفيتو) لمنع صدور أي قرار يلزم إسرائيل بأي شيء حتى دخول المساعدات، بحيث أصبح خطاب بايدن أكثر تشددا من خطاب نتنياهو، وفي الغالب يسبقه في اعلان المواقف التي تمكن إسرائيل من الاستمرار في حرب الإبادة الجماعية في غزة.
أمام هذين الموقفين يثور السؤال من يحمي إسرائيل أكثر؟ ومن يحبها أكثر؟ الرئيس بايدن أم زعيم الأغلبية الديمقراطية تشاك شومر؟ ويثور سؤال آخر هل الرئيس بايدن نسخة معاصرة من ونستون تشرشل في تعامله مع إسرائيل؟.
("الأهرام") المصرية