صحافة

أطلال الصحافة العربيّة الساخرة

عبداللطيف الزبيدي

المشاركة
أطلال الصحافة العربيّة الساخرة

ما علل انقراض الصحافة الساخرة في العالم العربي؟ لن تبلغ بك السخرية حدّ المغامرة بالقول إن العرب صاروا يؤثرون الجدّ، وإن العزائم الفولاذية قدحت للتحديات الزناد. حسناً تفعل إذا أردت التسرية عمّن حولك في هذه الظروف العصيبة. أمر مريب أن تُجدب تربة الثقافة العربية في هذا المجال والمصال. بالأمس الحقل العربي كامل، اليوم القحل العربي شامل.

شيء مخجل. في النصف الأول من القرن العشرين، كانت دنيا العرب مستعمرةً مشرقاً ومغرباً، لكن الكتابة الساخرة كانت حرّةً طليقةً، بالرغم من محاولات التقييد. لا داعي إلى التجريح، لا تقل إن سلطات الاستعمار وخديويات مصر وبايات تونس وأفندية لبنان وسوريا، كانوا أهون أصفاداً. كانت للصحافة الساخرة أيّام. في مصر، ازدهرت «أبو نظارة» ليعقوب صنّوع، و«التنكيت والتبكيت» لعبدالله النديم، ولعبت «البعكوكة» أدواراً بعكوكيّة. في سوريا دامت «المضحك المبكي» ستّاً وثلاثين سنةً، وكان صاحبها حبيب كحّالة أديباً وشاعراً رائداً. في لبنان كانت «الدبّور»، وفي تونس أصدر الأديب الساخر حسين الجزيري «النديم»، التي انطفأت قبل منتصف القرن الماضي. الطريف أنه قبل سنتين أقيم في تونس معرض لتاريخ الصحافة التونسيّة الساخرة. الحمد لله على أن المعرض في حدّ نقد ساخر، بمعنى: اذكروا موتاكم بخير!

الصحافة الساخرة العربية ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر، فهل يُعقل أن يكون العرب آنذاك أوسع أفقاً من العرب منذ النصف الأخير من القرن العشرين؟ كأنما جاءت مع النكبة نكبة في رحابة الذهن أيضاً. لكن يبدو أن الانحدارات لا تأتي فرادى. في النصف الأخير من القرن الماضي، توارت الرموز والنجوم في الآداب والفنون والإعلام. حتى الاعتداد بالنفس، والثقة في الهيكل العربي العام، والإحساس بالدور الفاعل على المسرح الدولي، تناثرت أوراقها في خريف مفتعل، وخصوصاً في الربيع المختلق.

الفراغ الذي يتركه غياب الصحافة الساخرة والأدب الساخر، على الجهات المعنيّة الاستعانة بمراكز البحوث والدراسات للنظر فيه بتفكر وتحليل، فإن الأعراض تدل على الأمراض، ولا يوجد مأزق ثقافي بعيد الآثار، أسوأ من انخفاض منسوب الإبداع في جميع مكوّنات الثقافة معاً، وكأن وراء الأكمة مخططات تدبّر وتدير. يقول القلم: إن الكتابة الساخرة ليست مسخرة.

لزوم ما يلزم: النتيجة العجبيّة: أغرب من كل ذلك، أن العالم العربي لم تعد مراكز بحوثه ودراساته، تعكف على تحليل هذه القضايا وأبعادها السياسية، وانعكاساتها على الحياة العامّة.

("الخليج") الإماراتية

يتم التصفح الآن