بصمات

"الحشاشين".. لعنة التوظيف السياسي للدراما التاريخية

تعاني الدراما التاريخية في العالم العربي والشرق الأوسط من لعنة الاستخدام السياسي الفج، الذي يطغى على الفن الدرامي، بحثًا عن خطابات دعائية مباشرة، الأمر الذي يحوّل الدراما التاريخية إلى مجرد بوق للأنظمة الحاكمة في المنطقة، تخضع لتصوّراتها وحساباتها بصورة تضر العمل الدرامي في المقام الأول، والذي يخرج في حالة تشوّه كما هو حال المسلسل المصري "الحشاشين"؛ إخراج بيتر ميمي.

مشكلة المسلسل الذي يعرض بالتوازي مع شهر رمضان المعظّم، أنّ صنّاعه قدّموا الرسالة على العمل الفني ذاته، بسبب الرغبة في حشر خطاب سياسي على حساب السياق الدرامي، فتولّدت الأزمة من البداية، إذ تحوّل إلى مجرد مساحة لعرض أفكار وتصوّرات النظام المصري لصراعه مع جماعة "الإخوان" المصنّفة إرهابية في مصر، حتى ولو تم ذلك بأثر رجعي وباستخدام جماعة الإسماعيلية النزارية الشيعية.

طريقة تقديم المسلسل أدت إلى فشل توصيل الرسالة التي كان يفترض أن يؤديها

يريد النظام المصري تمرير رسالة من مسلسل "الحشاشين" بأنّ الجماعات الإسلاموية ديدنها العنف ولا تعرف لغة إلا القتل والخراب، هذا أمر مفهوم وعليه شواهد كثيرة من جماعات مسلّحة في طول التاريخ وعرضه، إلا أنّ طريقة تقديم المسلسل المشغول أكثر بالرسالة عن تقديم عمل فني متكامل، أدت إلى فشل توصيل الرسالة التي كان يفترض أن يؤديها، بل يمكن القول إنه أدى إلى تشويش القارئ.

وقع المسلسل المصري في فخ المباشرة وسذاجة الطرح الأيديولوجي، مثله في ذلك مثل المسلسلات التركية التاريخية، لكن الأخيرة تتفوق في نقطة أساسية، وهي أنها أكثر وضوحًا في التعبير عن خطابها الرامي لبناء قومية تركية حديثة تستند إلى أمجاد الأتراك التاريخية، حتى لو وصل هذا إلى سرقة تاريخ عرقيات أخرى، مثل مسلسل "صلاح الدين" ومحاولة نسبته للأتراك، أو اختراع تاريخ وهمي مثل مسلسل "أرطغرل".

ونضيف هنا أنّ عمل "ممالك النار" الإماراتي إنتاج 2019، جاء في ظل أزمة إماراتية تركية، فلم يكن أكثر من ورقة في ملف السجال الإماراتي التركي، انتهى كله مع تطبيع العلاقات. بينما لم يعرف مسلسل "معاوية" النور بعد وهو إنتاج سعودي، وقيل إنه تم تأجيله وربما إلغاء المشروع برمته، في سياق التهدئة السعودية مع إيران، حتى تجربة وليد سيف وحاتم علي في الدراما التاريخية رغم نجاحها، إلا أنه لا يمكن فصلها عن خطاب النظام السوري، لكنها رغم ذلك تظل الأنجح عربيًا لتقديمها أعمال أقرب إلى الدقة التاريخية مع توفر المتعة الدرامية.

لا تعني الدقة التاريخية هنا قتل مساحة الإبداع والتخيّل، بل على العكس يحمي احترام الخطوط التاريخية العريضة القائمين على الأعمال الدرامية التاريخية، ويعطي لهم مساحة واسعة من القدرة على الإبداع، لكن المشكلة ليست في اعتماد الدقة التاريخية، بقدر ما هي أزمة تغليب خطاب مباشر يضحي بكل من الدقة التاريخية، والبناء الدرامي المتين، واختيار لهجة حوار قادرة على توصيل الرسالة، فالأهم في مثل هكذا خطاب هو المباشرة التي تصل إلى مرحلة السطحية.

بناء رواية تاريخية أحادية تملي فيها السلطة رؤيتها على التاريخ لإعادة صياغته بشكل انتقائي ثم تعميمه على الجماهير

الأزمة هنا كما يطرحها مسلسل "الحشاشين" هي محاولة إعادة كتابة التاريخ من منظور النظام الحاكم، عبر استخدام الأدوات الدرامية، إذ يتحوّل التاريخ هنا لمطية لمهاجمة تنظيم "الإخوان"، لا استعراض التاريخ في ذاته دراميًا من أجل المتعة وفهم فترات تاريخية ملتبسة بعيدًا عن الشيطنة، فالهدف الأساسي من المسلسل هو صناعة ثقافة جماهيرية قارة، تخضع فيها الجماهير لرواية النظام للتاريخ بما يحقق مصالحه في الأساس ويثبت أركانه، وهو هنا غير معني بالتاريخ ولا بالدراما التاريخية كونها أدوات غير مطلوبة لذاتها.

إذن يطرح مسلسل "الحشاشين" الأزمة مكتملة على الطاولة بشكل أعمق من الحوار الدائر على العمل في ذاته، وهي رغبة السلطة في بناء رواية تاريخية أحادية تملي فيها رؤيتها على التاريخ لإعادة صياغته بشكل انتقائي ثم العمل على تعميمه على الجماهير المتلقية، لإعادة صفها في مجموعات بشرية متطابقة الفكر في مجتمعات لا تعرف حرية التعبير ولا تعددية الآراء، وهو مشروع سلطوي بامتياز يتم فيه التضحية بالدقة التاريخية بكل سهولة من أجل تنفيذه وتعميمه.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن