ليس من الصعب وضع لائحة بكل المصائب التي يعاني منها لبنان. لكن هذا لا يكفي اذ نعرف جميعا ان الحلول في ظروفنا الحالية غير متوافرة تحضيرا وتطبيقا.اللائحة تطول كثيرا اذ لا يخلو أي قطاع من مشاكل كبيرة مزمنة متراكمة أهمل حلها قصدا أو لعدم المعرفة. سنعالج فقط 5 مشاكل أساسية ضرورية لتخفيف الخسائر وليس لجني الأرباح ولا لتحقيق التقدم النوعي العام وذلك ضمن الممكن وليس التمني.
ممَّ يعاني لبنان اليوم؟ الوجود السوري الضاغط، شلل القطاع المصرفي، الحدود التجارية غير المضبوطة، التضخم، القطاع العام وتكلفته. طبعا هنالك مشاكل أخرى كبيرة في الكهرباء والمياه والبنية التحتية عموما، لكنها ترتبط بشكل أو آخر بالقضايا الخمس التي ذكرنا. نعي جيدا أن البدء باقرار الحلول وتنفيذها لن يتم قبل اعادة تركيب السلطة من رئيس للجمهورية وحكومة جديدة ومؤسسات عامة تعمل بانتاجية وشفافية وهذا سيأخذ وقتا اذ لم نبدأ بالمسيرة بعد.
أولا: الوجود السوري نتيجة الحرب التي بدأت في 2011 والذي يشكل ثقلا كبيرا على الاقتصاد كما المجتمع اللبناني. يستهلك هذا الوجود كل الخدمات ويخلق مشكلة ديموغرافية كبيرة. يكمن الحل في نقل السوريين الى المناطق الآمنة الواسعة داخل سوريا وأن تقدم المساعدات السخية لهم هنالك. هذه ليست أفكار جديدة لكن لا بد من تكرارها لأنه يبدو أن المجتمع الدولي يتجاهلها وبالتالي عمليا يدفعهم الى البقاء في لبنان فترات طويلة قادمة. بالاضافة الى المواضيع الأمنية الناتجة عن هذا الوجود، هنالك مشاكل في الأعمال اذ تتكاثر المؤسسات التجارية غير الشرعية التي تنافس اللبناني في كل المناطق. هنالك غض نظر من الدولة تجاه هذا الخرق الواضح لكل القوانين أو أقله عجز تجاه الواقع المؤلم. الوجود السوري ضاغط ماديا ونفسيا وانسانيا الى أقصى الحدود والحلول متوافرة مع مساعدة المجتمع الدولي.
ثانيا: القطاع المصرفي الغائب أو المشلول، اذ كيف يمكن لاقتصاد أن يتقدم وينمو من دون قطاع مصرفي يقرض ويمول ويأخذ الودائع ويعيدها الى أصحابها عندما يطلبوها. ننسى أحيانا أن الاقتصاد اللبناني تطور حتى سنة 2019 بفضل المصارف. كانت مضرب مثل للمؤسسات المصرفية الفاعلة التي تُدار بأفضل الطرق الممكنة. غياب المصارف يخلق مشاكل اجتماعية جدية. فالقروض السكنية مثلا مهمة، اذ كيف للشباب والشابات أن يؤسسوا عائلات من دون المنزل مع قرض يتناسب ودخلهم. أقرضت المصارف للبناء وتطور القطاع العقاري كثيرا ونعلم جميعا أن البناء يقع في قلب كل القطاعات. أقرضت المصارف للاستهلاك كما لشراء السيارات مما ساهم في نمو هذه القطاعات. أقرضت المصارف الشركات للاستيراد والانتاج ونمت قطاعات كبيرة بسببها في السياحة والصناعة والزراعة. لن يتعافى لبنان قبل احياء القطاع المصرفي بطريقة أو أخرى وهذا يبدأ عمليا برد كل الودائع لأصحابها. لكن هنالك ضرورة لوضع تصور لمستقبل هذا القطاع خاصة من ناحية عدد المصارف التي يمكن أن تتنافس في سوق صغيرة كالسوق اللبناني. هنالك ضرورة لوضع تصور كامل سريعا اذ لا يمكن أن ننتظر عشرات السنوات قبل تأسيس قطاع مصرفي جديد يعتمد كل الوسائل التقنية والعلمية الحديثة.
ثالثا: الحدود التجارية غير المضبوطة وهذا يعني أن هنالك مؤسسات وشركات تستورد سلعها دون تسديد الضرائب الجمركية الشرعية، وبالتالي تستطيع بيع هذه السلع بأسعار منخفضة أقل بكثير من منافساتها الشرعية التي تسدد كل الضرائب. هذا يقتل القطاعات التجارية النزيهة ويؤثر سلبا على ايرادات الدولة وبلتالي على قدرتها في القيام بواجباتها المتزايدة. هذا يمكن أيضا «عليَّ وعلى أعدائي» أن يدفع الجميع الى الخروج عن الشرعية وبالتالي يساهم في زيادة الفوضى التي نعيش معها. كيف يمكن لدولة أن تقوم بواجباتها تجاه مواطنيها عندما تخسر الكثير من جراء تصرف المافيات والراعين للتبادلات غير الشرعية. الموضوع ليس تجاري فقط وانما أخلاقي ويؤثر على السلم الأهلي.
رابعا: التضخم الذي أصبح مشكلة مالية عالمية خاصة مع حرب أوكرانيا وارتفاع أسعار المواد الأولية الأساسية من قمح ونفط، مما دفع المصارف المركزية الى رفع الفوائد لمواجهة غلاء الأسعار. نعرف جيدا أن التضخم هو عدو الطبقات الفقيرة كما عدو أصحاب الأجور، فتراكمت كل الأسباب لدفع هذه الأجور نحو الانهيار. يتم رفع الأجور في لبنان في القطاعين العام والخاص كما أن القطاع الخاص يسدد قسما منها بالدولار، لكن هذا لن يعيدنا نوعيا الى ما قبل 2019. الذي يمكن أن يعيدنا الى تلك الأوقات هي اعادة بناء الدولة في السياسة والقضاء والمال والشؤون الاجتماعية وغيرها. التضخم اليوم هو مشكلة العائلات اللبنانية اذ نستورد تقريبا كل شيئ وقدراتنا الاستهلاكية منخفضة مما يخلق أجواء من التعاسة والغضب مزعجة. في موضوع التضخم نحن مرتبطون بما يحدث دوليا بسبب استيرادنا الكبير.
خامسا: القطاع العام والانتاجية اذ نعلم جميعا أن حجم القطاع أكبر مما يحتاج اليه لبنان، وبالتالي تصغيره مع الوقت يكون لمصلحة اللبنانيين.لا تكمن المشكلة في العدد والتكلفة، بل هنالك مشكلة انتاجية موضوعية جدية، أي في ما ينتج الموظف خلال فترات الدوام. عدد العطل في لبنان من الأكثر في العالم بسبب تنوع المجتمع والمزايدات السياسية السطحية. نعلم جميعا أن انتاجية القطاع العام ضعيفة وان العمل لا يحصل من دون تمويل غير شرعي أو ما نسميه بالفساد مما يخلق جوا من عدم الثقة بين الموظف والمواطن. تكمن مشكلة اللبناني اليوم في كيفية تعاطيه مع القطاع العام ولأي مدى يخدم هذا القطاع مصالحه بل لا يضر بها. من أسوأ الأوقات التي يمضيها المواطن اللبناني هو عندما يحتاج الى خدمة في القطاع العام وبالتالي يتحمل كل أنواع سوء المعاملة في التنفيذ والتخاطب.
("اللواء") اللبنانية